الإبداع في الشركات عملية معقدة إلى حد بعيد، والتعقيد أصلًا جزء أصيل من الإبداع؛ بمعنى أن الإبداع ينطلق من واقع شديد التعقيد، لكنه يهدف في نهاية المطاف إلى تسهيله وتبسيطه.
أما عن الإبداع في الشركات فإنه لا يخرج عن هذا التوصيف، بل هو أصعب من ذلك، طالما أن فهمنا أن هناك الكثير من الأطراف والجهات، على الدوام، التي تقف في الوجهة المقابلة لأي نشاط مبدع وتناوئه العداء.
كتب عن الإبداع في الشركات
وإذا كان الإبداع في الشركات أو الإبداع بشكل عام مطلب لا يمكن التخلي عنه بالنسبة لممارسي العمل الحر أو أصحاب المنشآت الصغيرة والمتوسطة فسوف يحاول «رواد الأعمال» الإشارة إلى 4 كتب عن الإبداع في الشركات يمكن أن تأخذ بيدك وتدلك على الطريق القويم، وذلك على النحو التالي..
كتاب The 60 Second Innovator
ينطلق Jeff Davidson؛ مؤلف هذا الكتاب، الذي هو أول كتاب عن الإبداع في الشركات من فكرة أساسية مفادها: أن رفض الوضع القائم حتى ولو كان مريحًا هو أول ما يجب الإشارة إليه عند الرغبة في الإبداع والتجديد؛ فالإبداع؛ من حيث الجوهر، هو ثورة على الراهن ورفض للمألوف، سوى أن رفضه ليس نفيًا من أجل النفي، وإنما هو يسعى إلى اتخاذ هذا الرفض ذريعة للوصول إلى طرية جديدة.
تلك هي تركيبة العقلية المبدعة، فلا تؤمن بأن المتاح هو أفضل ما في الإمكان؛ فما في الإمكان غير محدود أبدًا، وهل قدرات الإنسان محدودة؟!
وتظهر أهمية هذه التركيبة الذهنية وهذه الطريقة في التعاطي مع الأشياء عند مواجهة أي تحدٍ من التحديات؛ حيث يكون التوجه، خلال هذه الأثناء، إلى البحث عن أفضل الطرق للتغلب على هذا التحدي، وحتى لو تم العثور على طريقة ما فهناك دائمًا سعي للتوصل إلى ما هو أفضل منها وأكثر سهولة وجدوى.
وطالما أننا نتحدث عن الإبداع في الشركات فلا بد أن نشير إلى التخطيط الخلاق، وتلك قضية لم يغفلها المؤلف؛ إذ شدد على أهمية إطلاق العنان للعقل ليذهب أنى شاء، والغوص في أحلام اليقظة، فربما من بين هذه الأحلام تجد حلمًا يمكن تحقيقه، وقد يقودك العقل إلى منطقة أخرى جديدة تمامًا عليك؛ لذلك دع لخيالك العنان وهو سيتكفل بالإبداع، وكذلك لا مجال للحديث عن الإبداع في الشركات من دون العصف الذهني الذي هو عبارة عن عملية تفتح مسارات إبداعية في أذهان المشاركين، وتفرز الأفكار؛ وهو يهدف إلى السماح للتفكير المبتكر بالتدفق دون رقابة أو رفض أي شيء.
وحتى يؤتي العصف الذهني ثماره المرجوة يجب أن يتم ذكر معالم المشكلة التي يجري النقاش حولها بوضوح، ومن المهم كذلك طمأنة المشاركين بأن المجموعة لن تسخر أو ترفض أي أفكار، ويجب التأكد من أن الجميع يدلي بدلوه في هذا النقاش وينخرط فيه بكثافة ونشاط، ومن المهم كذلك ألا يتم التوقف عند نقطة معينة عندما تنضب أفكار المجموعة حولها، بل أن يتم الانتقال إلى ما يليها مباشرة.
اقرأ أيضًا: العصف الذهني.. الوسيلة الأولى لتوليد الأفكار
كتاب How to Assess and Measure Business Innovation
يذهب مؤلفو هذا الكتاب _ثاني كتاب عن الإبداع في الشركات_ إلى أن “تحليلات الأفكار” يمكنها أن تقدم طريقة عملية لتحويل المعلومات سريعة الزوال إلى بيانات محددة، ويمكن للشركة من خلال هذه العملية أن تعثر على مجموعة من الحقائق والأسس التي ستحكم نهجها في الابتكار وسعيها إليه بشكل عام.
إن هذا النظر إلى الأفكار _التي كانت رائدة ومُبتكرة فيما مضى_ يعيننا على تفسير ما مرت به الشركة، بل تحليل وضعها الحالي، والسيناريوهات الأكثر احتمالًا التي قد تواجهها في المستقبل.
وإذا كانت السرعة هي ميزة أو بالأحرى صفة العصر الحاضر الأبرز، فإنها تنطوي على قدر من الخطورة؛ إذ إن الشركة التي ستقف مكانها ولا تطور من قدراتها، أو حتى تلك التي تتأقلم مع الحاضر فقط، ستختفي ولن يكون لها وجود حقيقي في المستقبل القريب.
يذهب بعض خبراء السوق، كما يشير إلى ذلك مؤلفو هذا الكتاب _الذي عمدنا إلى الاسترشاد به بإطار تعزيز الإبداع في الشركات_ إلى أن أربع من كل عشر شركات من تلك التي تهيمن على السوق في قطاعاتها اليوم لن تكون موجودة في عام 2027، فيما ستواجه تلك التي بقيت على قيد الحياة بيئة مختلفة جذريًا؛ بسبب التكنولوجيا التي لا تزال اليوم في المراحل الأولى من التطوير.
ولكي تضمن لشركتك الدوام _الإبداع في الشركات هو ضمان بقائها على أي حال_ وأن تحصل لنفسها في المستقبل على مكان وموطئ قدم فعليك أن تستخدم طرق قياس الابتكار التالية؛ كي تتأكد من أن ما تنتجه من أفكار وتطويرات سيكون ذا أثر جيد وجدوى.
والطرق التي يقترحها الكتاب هي: قارن نفسك بالآخرين، اعرف ما تعنيه أفكارك للناس، وضوح أهداف الشركة، تقييم القيمة الأساسية.
اقرأ أيضًا: جارتنر: 36% من المؤسسات الحكومية ستعزز استثمارها في الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي
كتاب Zero to One
يرفض كلٌ من Peter Thiel وBlake Masters؛ في كتابهما المشترك ذائع الصيت “Zero to One” _أحد الكتب الأساسية عن الإبداع في الشركات والإبداع بشكل عام_ خيار العولمة، والذي هو ملخص لفكرة التطور الأفقي، ويشددان من الجهة الأخرى على حتمية الابتكار وضرورته، ومن ثم المزاوجة بين الابتكار وريادة الأعمال.
وتنطوي الفكرة المطروحة هنا على بُعد ثوري لا لبس فيه، فإذا أردت أن تعثر لنفسك على موطئ قدم في عالم ريادة الأعمال فعليك أن تكون مبتكرًا، وهذه الوصفة يعتبرها المؤلفان Peter Thiel and Blake Masters هي سر نجاح كل المشاريع الناشئة.
يحاجج بيتر ثيل وبليك ماسترز على أن الابتكار هو جوهر ريادة الأعمال، لكنهما يشددان في الوقت ذاته على ضرورة أن يكون هذا الابتكار أصيلًا _فالإبداع في الشركات سعي إلى تعزيز أصالتها من الأساس_ بمعنى أن يعمل على إنتاج فكرة/ منتج.. إلخ من العدم؛ أي لم تكن موجودة من قبل.
والحجة التي يقدمانها في ذلك بسيطة لكن محورية، ومفادها: أنه عندما يبدأ رائد الأعمال من عمل موجود من قبل فإنه قد يصل إلى مرحلة أخرى وربما يفشل، لكن عندما يبدأ مشروعه من الصفر؛ بمعنى عندما يأتي بفكرته الرائدة الجديدة من تلقاء نفسه لا أن يطور فكرة أشخاص آخرين، فمن المرجح أن تحوز هذه الفكرة على نجاح لافت.
وعلى ذلك يمكن القول إن أول ما يتعين على رائد الأعمال فعله هو الحرص على عدم تكرار شيء فُعل من قبل، فإن أردت أن تكون ذا قدم راسخة في السوق فقدّم منتجًا فريدًا وحينذاك سيكون النجاح حليفك.
يحتاج رائد الأعمال الحقيقي إلى المغامرة، أن يجرّب ما لم يجربه أحد من قبل، ليس هذا فقط، بل أن يكون مستعدًا للقفز في نهر المجهول؛ فربما يعثر على كنز ثمين مدفون لم ينتبه إليه أحد من قبل.
يعتبر بيتر ثيل Peter Thiel هذه المغامرة ومحاولات التجريب النهائية ضمانة مضمونة للنجاح، وهذا بخلاف الحكمة التقليدية التي تشدد على حتمية التقيد بالسير على خطى من فات.
أما النموذج المطروح في هذا الكتاب _الذي يُعد دليلًا جيدًا حول الإبداع في الشركات_ فهو يشدد على ضرورة تجنب الحلول التقليدية؛ إذ لو كانت ناجحة وناجعة لما عادت المشكلة للظهور ثانية.
إن الفكرة التي تبناها بيتر ثيل Peter Thiel وهي القاضية بأن الابتكار لا يجب أن يكون تكرارًا، وأن التقدم يجب أن يكون عموديًا لا أفقيًا، تؤدي إلى العثور على نظريات خاطئة.
اقرأ أيضًا: تعزيز الإبداع في العمل بـ5 طرق
كتاب ?Why Simple Wins
تربط خبيرة الابتكار Lisa Bodell؛ في كتابها Why Simple Wins، بين البساطة والقدرة على الإبداع، ليس هذا فحسب، بل إنها تذهب إلى أن انتهاج استراتيجية التبسيط سيجعل الشركات أكثر إنتاجية، وستكون معدلات الرضا الوظيفي أعلى كذلك. والحق أنه لا سبيل إلى تعزيز الإبداع في الشركات من دون العمل بمضامين هذا الكتاب.
فمن الواضح على ما يبدو أن علم الإدارة خاضع لعمليات تغيير وتطوير راديكالية، فمنذ الوقت الذي تم فيه جلب “الأجايل” _وهي طريقة لإدارة المشاريع البرمجية_ من البرمجيات إلى إدارة الشركات وهناك الكثير من الرؤى والاستراتيجيات التي تُطرح من وقت لآخر؛ ابتغاء الوصول إلى نمط إداري مختلف عما كان عليه الحال في السابق، ويكون أكثر قدرة على التأقلم والتجاوب مع معطيات عصر السرعة الراهن.
لكن المؤلفة ترى أن الإبداع في الشركات لن يكون إلا عبر الخلاص من التعقيد؛ فالتعقيد فخ، وكثير من الناس، بمن فيهم مدراء الشركات وقادة الفرق المختلفة، يتصورون أنهم في الأمان وفي المياه الدافئة عندما يُعقّدون أعمالهم وأطروحاتهم.
تقول Lisa Bodell مشيرة إلى هذا الفخ:
“إن الخوف من اتخاذ منعطف خاطئ يحفز المديرين على تعقيد حياة من هم تحتها، كما أن طوفان المعلومات يمكن أن يمنعهم من الانقسام الحدسي وتحديد أفضل خيار ممن هم في متناول اليد”.
على الرغم من أن كُلفة هذا التعقيد كبيرة جدًا، ليس أقلها: إهدار الوقت، واستنزاف الجهد، وإرهاق العملاء.. إلخ، تأتي استراتيجية التبسيط لا لتعفينا أو تنجينا من فخ التعقيد، وإنما لكي تُمكّنا من الظفر بالكثير من الفرص والمكاسب التي كانت غائبة عنا بسبب إغراقنا في التعقيد وانهماكنا فيه.
تذهب صاحبة الكتاب إلى إننا لن نتوصل إلى إتقان فن البساطة والتخلص من كل ما هو زائد عنا، وما ليس له جدوى ولا ضرورة، هكذا دفعة واحدة، أو من تلقاء أنفسنا، بل يحتاج الأمر إلى تدريب طويل وبذل جهد، ولنلاحظ أننا بانتهاجنا استراتيجية التبسيط نخالف التيار العام الذي يهوى التعقيد ويُفتن به.
يستلزم الأمر، إذًا، طالما نحن نتحدث عن الإبداع في الشركات، أن يؤمن القادة ورؤساء مجالس الإدارات والمدراء بأهمية البساطة وضرورة اختزال واختصار الخطوات؛ أي تحويل البساطة إلى استراتيجية، وهو أمر ستخسر الشركة كثيرًا إن لم تتوجه إليه، ويمكن، للتأكد من ذلك، دراسة معدلات رضا العملاء في الشركات التي تُسرف في التعقيد وإطالة الإجراءات.
ولعل أبرز ما يميز القادة ذوي العقلية البسيطة أنهم يمتلكون جرأة قول “لا” لكل ما هو معقد وغير ضروري ولا طائل من ورائه، إنهم شجعان في اتخاذ قرارات جذرية. ويمتلكون كذلك القدرة على الحذف، الطرح، والتخلي عن الزوائد والمعرقلات.
اقرأ أيضًا:
- إنجازات الجامعات السعودية.. قفزات نوعية تُحققها المملكة في التعليم العالي
- إبداع رائدات الأعمال.. التحديات والإنجازات
- الصناعة الرقمية وريادة الأعمال
- فارس المالكي: التقدم التقني والريادي السعودي تجربة عالمية تُروى بفخر
- مبادرة “تحدي البحث التقني” ودعم الابتكار في الشركات