اقتصاد الهوايات أحد تلك النماذج Paradigms الجديدة في الاقتصاد، ومكمن الجدة في هذا المفهوم أنه يقلب المحاجة القديمة رأسًا على عقب، خاصة تلك التقاليد الفكرية ذات الخلفية الماركسية؛ إذ يمكن للموظف أن يكون بمنأى عن الاغتراب في وقت فراغه، إن هو أحسن استثمار مواهبه وهوياته.
بهذا المعنى يمكن القول، بدون مغامرة كبيرة، إن اقتصاد الهوايات هو النموذج الجديد الذي يمكنه أن يتيح لنا الحفاظ على أوقات فراغنا دون أن نسقط في قبضة الأدوات التكنولوجية والهواتف المحمولة التي لا تعمل سوى على زيادة اغترابنا عن أنفسنا، علاوة على وأد الجدوى الفعلية من وقت الفراغ.
اقرأ أيضًا: دروس من أعظم المستثمرين في التاريخ
اقتصاد الهوايات وصناعة الثقافة
كان ثيودور أدورنو؛ العالم والمفكر الألماني الراحل، أول من طرح مفهوم «صناعة الثقافة» في كتاب «جدل التنوير» الذي كتبه بالاشتراك مع رفيقه الفكري ماكس هوركهايمر؛ كمقولة تفسيرية يمكن من خلالها فهم آليات تلاعب الرأسمالية بالعقول، ومحاولتها الدائمة السيطرة على العمال حتى في أوقات فراغهم.
والفكرة التي يحاول «ثيودور أدورنو» بيانها مفادها أن القائمين على نمط الإنتاج الرأسمالي يسعون إلى الاستفادة من العمال حتى في أوقات فراغهم وعند تسليتهم؛ إذ يطرحون بشكل مطرد الوسائل التي تضمن لهم التربح من أوقات فراغ العمال وفي الوقت نفسه تسليتهم. وهذه التسلية ممنهجة ومخطط لها.
غير أن اقتصاد الهوايات قلب المحاجة رأسًا على عقب؛ إذ يمكن التجاسر على القول إن هذا النموذج الاقتصادي البازغ يمكنه يحل المشكلة من الأساس؛ حيث سيتم استغلال وقت الفراغ الاستغلال الأمثل؛ عبر توظيفه في الانصراف إلى إحدى الهوايات التي نحبها.
لكن بشرط أن تكون هذه الهواية مربحة آنيًا، أو من الممكن تكييفها لتكون مربحة مستقبلًا، وعلى هذا النحو يمكن القول إن اقتصاد الهوايات استفاد من نظريات الرأسمالية ذاتها _كل الأنساق الاقتصادية الجديدة إما أن تكون تحاورًا مع الرأسمالية أو مساجلة نقدية معها_ بحيث أنه (اقتصاد الهوايات) تمكن من تطبيق فلسفة win-win situation والاستفادة من منهجية الحلول الوسط التي مهرت فيها الرأسمالية.
فمن خلال اقتصاد الهوايات يمكن تسلية الناس _طالما فهمنا أن الهواية أمرٌ سار في نهاية المطاف_ وكذلك تحقيق بعض المكاسب المالية من خلالها.
لكن التحدي الأبرز أمام اقتصاد الهوايات هو القدرة على تكييف هواياتنا لتكون مربحة ماليًا، أو يمكن تحقيق ربح من خلالها ولو على المدى الطويل.
اقرأ أيضًا: أهمية تحديد الأهداف التجارية.. الوجهة والمسار
نهاية العمل الشاق!
كثيرون _منذ بنجامين فرانكلين_ وحتى مطلع القرن العشرين نظّروا بل توقعوا دخول البشرية إلى مرحلة جديدة من الاستجمام؛ حيث توقعوا، في ذاك الزمن الغابر، أن تقضي التكنولوجيا على الكدح في العمل وألا يضطر المرء للعمل إلا 4 ساعات في الأسبوع فقط.
سوى أن الأمور لم تسر على نحو ما هو متوقع؛ فلو كانت هناك سمة بارزة لهذا العصر الحديث فهي حمى العمل والإنهاك المزمن بسببه.
يقول كارل أونريه في كتابه «في مديح البطء»:
«صار الملايين من الناس يذهبون إلى العمل حتى عندما يكونون متعبين جدًا، أو مرضى ليسوا في كامل فعاليتهم، وتزايد بالملايين عدد من يمتنعون عن أخذ إجازاتهم كاملة».
إذًا أدت التكنولوجيا الحديثة إلى عكس ما هو متوقع منها، وخلفت أجيالًا منهكة، بل مصابة، في أغلبها، بمتلازمة التعب المزمن، ومن ثم يمكن طرح اقتصاد الهوايات كوسيلة للخروج من ذلك النفق المظلم.
أي أننا نعلّق آمالًا كبيرات على اقتصاد الهوايات في إنهاء حالة الكدح التي اتسم بها عمال وموظفو العالم اليوم، وليس بخافٍ على أحد أننا نعمل ليل نهار، ولعل هذا ما قصده كارل أونريه حين قال في كتابه سابق الذكر:
«كما سمحت التكنولوجيا، في الوقت نفسه، بأن يتسرب العمل إلى كل ركن من أركان الحياة؛ فلا مكان للاختباء في عصر طريق المعلومات السريع، من البريد الإلكتروني والفاكسات والمكالمات الهاتفية، حين نفتح من منزلنا قاعدة بيانات الشركة، أو نتصل من طائرة بشبكة الإنترنت، أو نتلقى من على الشاطئ مكالمة من مديرنا، نكون جميعًا تقريبًا على رأس عملنا في جميع الأوقات».
إن ما نبغي قوله هنا إن اقتصاد الهوايات قد يكون وسيلة للقضاء على العمل الشاق، أو _وهذا أقل ما يمكن توقعه_ سيجعل العمل أكثر إمتاعًا، فطالما أنك تعمل في مجال تهواه، وطالما أن هذه الهواية تدر عليك ربحًا معتبرًا، فلا شك أنك ستكون أكثر سعادة مما أنت عليه الآن، وذاك هو الأمل المعلق على اقتصاد الهوايات.
اقرأ أيضًا:
الشخصية الخيالية في العمل.. جدوى أم محض أوهام؟
من قاع الفقر إلى قمة النجاح.. نماذج ملهمة لرواد الأعمال
مميزات التسوق عبر الإنترنت.. سهولة الحصول على ما تريد