«إبراهيم الفريح»: هناك علاقة وثيقة بين انخفاض الأداء الوظيفي وزيادة معدلات الضغط في بيئات العمل
يتسبب التوتر والإجهاد الناتجين عن العمل في غياب حوالي مليون موظف يوميًا في العالم، ناهيك عن أن الهدر الاقتصادي، وفقًا لدراسة شهيرة لمنظمة الصحة العالمية، لاعتلالات الصحة النفسية في بيئة العمل يتجاوز تريليون دولار سنويًا في كل العالم، وتنفق الولايات المتحدة الأمريكية وحدها حوالي 125 مليار دولار سنويًا على الرعاية الصحية لأولئك الذين تسببت ضغوطات العمل في إحداث مشاكل صحية ونفسية لهم.
تضعنا هذه الأرقام المفزعة أمام حقيقة واضحة وجلية مفادها: أن الصحة النفسية في بيئة العمل يمكنها أن تقوض عماد الشركات أو ترفع معدلات إنتاج موظفيها؛ فللصحة النفسية في بيئة جانبان من الناحية الاقتصادية، أحدهما إيجابي والآخر سلبي، وإنما تتوقف هذه الإيجابية والسلبية على صحة الموظفين النفسية.
اقرأ أيضًا: مستقبل إدارة الموارد البشرية.. 7 اتجاهات أساسية
وفي هذا السياق، أوضح إبراهيم الفريح؛ استشاري الطب النفسي والطب النفسي الجسدي والطب النفسي للأورام بالمدينة الطبية في جامعة الملك سعود، خبير الصحة النفسية في مكان العمل، في تصريحات حصرية لموقع رواد الأعمال، أن الصحة النفسية ليست مجرد غياب المرض النفسي، أو غياب الاكتئاب، أو غياب الاضطراب، أو القلق، أو أي من الاضطرابات النفسية، بل من الممكن أن تكون صحة الإنسان النفسية متردية رغم عدم وجود أي مرض أو اضطراب نفسي.
وأضاف أن كثيرًا من الظواهر والضغوطات النفسية في بيئة العمل هي، في حقيقتها، ليست اضطرابات نفسية، فقد تكون هناك اضطرابات نفسية لكنها في الأساس ليست كذلك.
الاحتراق الوظيفي
واستطرد قائلًا: فعلى سبيل المثال، الاحتراق الوظيفي، وهو مشكلة شائعة في بيئة العمل، لا يعد مرضًا نفسيًا، مشيرًا إلى هذا ما تم إقراره من قِبل منظمة الصحة العالمية في دليلها التشخيصي للأمراض والاضطرابات؛ حيث تم تصنيف الاحتراق الوظيفي تحت بند الظواهر المرتبطة بالعمل وبيئات العمل المختلفة.
وبيّن أن الاحتراق الوظيفي ظاهرة وظيفية شائعة في بيئات العمل الضاغطة والمضطربة، وله ثلاثة أعراض رئيسية؛ هي: الشعور المستمر بالإنهاك والاستنزاف نفسيًا وجسديًا، وجود أفكار ومشاعر سلبية متعلقة بالعمل، وانخفاض في الأداء والإنتاحية.
اقرأ أيضًا: جذوة الشغف.. 7 طرق لإبقائها مُتقدة
الصحة النفسية وانعكاساتها الجسدية
ولفت «الفريح» إلى أن أهمية الصحة النفسية في بيئة العمل تكمن في ارتباطها الوثيق مع الصحة الجسدية؛ فلا توجد صحة جسدية دون صحة نفسية، موضحًا أن الأشخاص المصابين بتوتر وضغوطات نفسية دائمة هم أكثر عرضة للإصابة بمشاكل السكر، وضغط الدم، وشرايين القلب، وكذلك الجلطات.
وقال إن معالجة الجانب النفسي يؤدي إلى حل المشكلات الجسدية الموجودة لدى الإنسان بشكل أو بآخر. لافتًا إلى أن الاضطرابات النفسية، في حقيقتها، لا تمنع الإنسان عن العمل؛ فالاكتئاب والقلق وغيرهما لا يمنعان الإنسان عن العمل وأداء مهامه الوظيفية بشكل تام.
وذكر أن هؤلاء الأشخاص المصابين بالاضطرابات النفسية المختلفة موجودون في كل المجتمعات، وتقدر دراسات عالمية كثيرة نسب الأشخاص الذين سيصابون باضطرابات نفسية في مرحلة من حياتهم من 30: 40%.
اقرأ أيضًا: تنشئة عادات جديدة.. أفضل طريقة للقضاء على الفشل
وأشار إلى أن هناك دراسة نفسية ضخمة أُعدت في السعودية تحت عنوان «المسح الوطني الشامل» وتوصلت إلى أن أكثر من 34% من السعوديين سيصابون باضطراب نفسي في مرحلة من حياتهم.
ولفت إلى وجود جوانب اقتصادية هائلة كأثر واضح لتردي الصحة النفسية في بيئة العمل، فالصحة النفسية في بيئة العمل لها تبعات اقتصادية ومادية هائلة، وهناك دراسة شهيرة لمنظمة الصحة العالمية أشارت إلى أن حجم الهدر الاقتصادي لاعتلالات الصحة النفسية في بيئة العمل يتجاوز تريليون دولار سنويًا في كل العالم، وهناك دراسات أخرى عديدة في هذا الجانب.
وأفاد بأن هناك أيضًا تبعات اقتصادية إيجابية لتحسين بيئة العمل؛ فهناك دراسة أشارت إلى أن كل واحد دولار يتم دفعه في تحسين بيئة العمل يعود نفعه بـ 4 دولارات تحسنًا في الإنتاجية.
اقرأ أيضًا: التنمر في العمل.. 4 نصائح لمواجهته بذكاء
بيئات العمل الضاغطة ومعدلات إنتاجية الموظفين
وأكد أن هناك علاقة وثيقة ما بين انخفاض الأداء الوظيفي ومقدار الإنتاجية وزيادة معدلات الضغط والتوتر في بيئات العمل، وهذا الأمر كان أحد المباحث الأساسية في هذا المجال، وهو في الحقيقة ليس مبحثًا جديدًا، قائلًا: وكان أول من بحث هذه القضية هما عالما النفس دوتسن ويركس؛ ووضعا قانونًا سُمي “قانون يركس& دوتسن لقياس علاقة التوتر بالأداء والإنتاجية”.
واستطرد أن هذا القانون ينص على أنه كلما ازداد التوتر إلى مستويات عالية جدًا رافقه انخفاض كبير في الأداء، وكلما استمر التوتر لفترة طويلة انخفض الأداء تباعًا.
وشدد على أن الاهتمام بالصحة النفسية سيعود أثره في معدلات الإنتاجية وأداء الموظفين، وبيئات العمل الضاغطة هي أحد الأسباب الضاغطة لانخفاض الإنتاجية.
اقرأ أيضًا: احذر عدوى الطاقة السلبية
مسببات الضغوط النفسية في بيئة العمل
وفيما يتعلق بالعوامل المسببة للضغوطات النفسية في بيئات العمل، رأى خبير الصحة النفسية أنها تختلف من منظمة إلى أخرى، وحسب طبيعة العمل؛ فالضغوطات الواقعة على رواد الأعمال تختلف عنها لدى غيرهم.
وأشار إلى أن مسببات الضغوطات النفسية في بيئة العمل هي: زيادة ساعات العمل، والأعباء الوظيفية بشكل يفوق قدرة الإنسان، عدم القدرة على الموازنة بين الحياة الشخصية والعمل _وأخذ العمل إلى المنزل مشكلة شائعة_ ، ضعف الشعور بأهمية وقيمة العمل، عدم القدرة على تلبية متطلبات العمل. التنمر وعدم الاحترام والتقدير في بيئة العمل، عدم الدعم خاصة عند الخطأ، سوء الممارسات الإدارية، ضعف التواصل.
الأثر الاقتصادي لتدهور نفسية الموظفين
وأكد «الفريح» أن هناك تبعات اقتصادية هائلة لعدم الاهتمام بالصحة النفسية في بيئة العمل؛ إذ أشارت الكثير من الأبحاث والدراسات إلى هذا الجانب وعلى مدار العشرات من السنين. ويصرف في الولايات المتحدة الأمريكية حوالي 125 مليار دولار سنويًا كرعاية صحية نتيجة للضغوطات النفسية في بيئة العمل، وعلى رأسها الاحتراق الوظيفي.
وقال إن بعض الدراسات أشارت إلى أن مرض الاكتئاب يؤدي في الولايات المتحدة الأمريكية لخسارة الشركات والمنظمات ما يعادل 51 مليار دولار نتيجة التغيب عن العمل. وأشارت دراسات كثيرة تمت في الولايات المتحدة إلى أن ما يعادل حوالي 300 مليون دولار هو الخسارة السنوية للمنظمات والجهات نتيجة الإجهاد والتوتر.
وأشارت دراسة أخرى إلى أن 38% في الولايات المتحدة يعانون من ضغط العلم، وأن التوتر والإجهاد يؤدي لغياب حوالي مليون موظف يوميًا في العالم، والأمور مع كورونا قد تكون ازدادت سوءًا.
اقرأ أيضًا: التمسك بالقوة الذاتية والسلام الداخلي وقت الأزمات
معايير بيئة العمل الصحية
ورأى أنه من الواجب الانتباه إلى المشكلات والأسباب التي قد تؤدي إلى زيادة الضغوطات النفسية في بيئة العمل؛ والتعامل معها وذلك نصف الحل، وهو 50% من المشكلة، موضحًا أنه لكي نتوصل إلى بيئة عمل صحية وآمنة من الناحية النفسية هناك استراتيجيات موجهة لذات الأفراد، واستراتيجيات موجهة لذات المؤسسات.
وبيّن أنه فيما يخص تلك الاستراتيجيات المتعلقة بالأفراد يمكن ذكر ما يلي: الموازنة بين العمل والحياة الشخصية، ممارسة الرياضة بشكل جيد، التعرف على فنيات إدارة الضغوط ومهارة التكيف، الحصول على استراحات عمل، أخذ إجازة بين الوقت والآخر للابتعاد عن العمل وتصفية الذهن، طلب المساعدة والدعم عند حدوث المشاكل، طلب التحدث إلى المختص النفسي.
أما فيما يتعلق بالاستراتيجيات المتعلقة بالمنظمات فأشار إلى ما يلي: المبادرة وعدم انتظار المشكلات النفسية، سن أنظمة تكفل الاحترام والتقدير للجميع، وعدم وجود تنمر، صنع بيئة عمل عادلة، تدريب وتأهيل القادة للتعرف على علامات المشاكل النفسية والتعامل معها، وكيفية توجيه الموظفين، سن أنظمة توازن بين العمل وحياتهم الشخصية، نزع الوصمة عن الضغوطات النفسية في بيئة العمل.
اقرأ أيضًا:
الوجود النشط للموظفين وتأثيره في معدلات الإنتاج
المنظمة الشجاعة والسلامة النفسية للموظفين