“إن الاكتشافات والإنجازات العظيمة تحتاج إلى تعاون الكثير من الأيدي” بهذه الحكمة تتضح حاجة شرارة الإبداع والابتكار والاختراع الماسة إلى الرعاية والاهتمام من المجتمع ككل، ومن مؤسساته ومنشآته على وجه الخصوص.. وهنا تبرز أهمية وجود مبادرات من الجهات المعنية نحو رعاية هذه الشريحة المتميزة ونشر ثقافة الابتكار في المجتمع وتشجيعها.
تعاني مجتمعاتنا اليوم من ضعف الاهتمام باختراعات واكتشافات المبدعين والموهوبين، في الوقت الذي نلحظ فيه تعقداً كبيراً في الإجراءات المصاحبة لرحلة تقنين وتسجيل الاختراع والحصول على براءته، فضلاً عن انعدام أو ضغف المؤسسات المعنية بهذه الشريحة التي يجب عليها نقل الاختراع من التنظير إلى التطبيق.
فالمؤسسات المعنية بالاختراع لها دور مهم، ولا سيما في نشر الوعي وتعريف المجتمع بثقافة الابتكار والاختراع فضلاً عن حضانتها الأمر الذي يعمل على تشجيع الشباب، ولا سيما طلاب الجامعات على الاهتمام بمجال الابتكار وريادة الأعمال فيه.
ويرتبط بهذه المؤسسات أو الحاضنات دور وثيق ومهم للمؤسسات والمنظمات التعليمية والجامعات، ولا سيما في ظل ضعف الاهتمام باكتشاف المخترعين وضعف الاهتمام بالبحث العلمي ومخرجاته في هذا المجال، حيث يجب على المؤسسات التعليمية والتربوية العمل على تشجيع هذه الثقافة وتبنيها وإشاعتها من خلال مقرراتها، فضلاً عن تنفيذ البرامج والورش والمحاضرات والمؤتمرات التي تسهم في نشر ثقافة الابتكار وريادة الأعمال وتشجيع المبتكرين والمخترعين.
كما يجب تدريب القيادات التربوية والمعلمين والمعلمات على برامج رعاية المبتكرين وتنمية مهارات التفكير الابتكاري لدى الطلاب بشكل عام، ولا سيما طلاب مرحلة رياض الأطفال والمرحلة الابتدائية التي ستسهم بكل تأكيد في تأسيس جيل يهتم بالابتكار ويشجع المبتكرين، إلى جانب ضرورة العمل على تطوير المناهج والنظم التربوية والتعليمية التي قد تؤدي دوراً خطيراً إذا ما طورت، ولا سيما في التسبب بالشلل الذهني للطلاب وينتج عنه معلمون عاجزون عن الوصول إلى عقول التلاميذ.
من جانب آخر يجب على الجهات الحكومية العمل على تبسيط الإجراءات لفئة المختارين بما يسهم في إطلاق وتطوير مشاريعهم الريادية المحتضنة لهذه الاختراعات، فضلاً عن الدور المهم للغرف التجارية التي يوجب عليها تنظيم ورش عمل ولقاءات لتطوير المهارات الفردية لهذه الفئة وتقديم استشارات قانونية وإدارية وتسويقية لهم، وتطوير مهارات التسويق والترويج لديهم، والعمل على بناء العلاقات الإيجابية بين هذه الفئة والجهات الحكومية من جهة والمنشآت التجارية من جهة أخرى، ولا ننسى الدور المهم للجهات المانحة التي تعمل على تقديم التمويل المالي والدعم المادي لهذه الاختراعات بما يسهم في تطوير وإنجاح هذه المؤسسات الرائدة.
وللإعلام دور مهم في التوعية والتثقيف بثقافة الابتكار والاختراع والإبداع والعمل على تشجيع وجذب واكتشاف المخترعين، وصناعة وعي مجتمعي يهتم بالاختراع واكتشاف المخترعين وتشجيعهم، والعمل على تكثيف الدور الإعلامي والاهتمام بقضايا المبتكرين بجميع فئاتهم وتقديم الحلول المناسبة.
وبشكل واضح جلياً يظهر الدور المهم للقطاع الخاص الذي يتسم مع الأسف بغياب دوره في رعاية المخترعين، بل يصل إلى مرحلة الاستغلال فضلاً عن غياب الجهات التسويقية الخاصة التي يجب عليها لعب دور الوسيط بين المخترع ومنشآت القطاع الخاص، التي قد تسهم مع المخترع في أن يرى ابتكاره النور ويصبح واقعاً بعد أن كان حلماً.
ولعله من الأهمية الدعوة لإنشاء مؤسسات أو مراكز خيرية؛ لتكون حاضنات للمخترعين والمبتكرين فضلاً عن أهمية الحاضنات العلمية التي تساعد المبتكرين وتوجههم خلال تفكيرهم وتنفيذهم لابتكاراتهم واختراعاتهم، ويجب أن تسهم في هذا المجال جميع الجهات الحكومية المعنية إلى جانب القطاع الخاص ورجال المال والأعمال ليتمحور دورها المهم في اكتشاف المخترعين داخل المجتمع وتشجيع المواهب والابتكارات، والعمل على اكتشافهم والدفع بإبداعاتهم فضلاً عن نشر ثقافة الوعي العلمي بالاختراعات وأهميتها داخل المجتمع والاستفادة من ذلك عبر وسائل الإعلام المختلفة للوصول إلى جميع شرائح المجتمع.
ولا نغفل الدور المهم للمراكز البحثية التي تسهم في إبراز المبدعين والمبتكرين ودراسة بيئتهم والعمل على اكتشاف المزيد منهم وتأهيل أبناء الجيل لأن يكونوا مخترعين متميزين، إلى جانب أهمية وجود حقول معرفية تهتم بهذا المجال مثل: الجمعيات والروابط العلمية المتخصصة بالموهوبين والمبتكرين وإبراز المبدعين والمخترعين في جميع المجالات العلمية المختلفة.
وانطلاقاً من مفهوم المسؤولية المجتمعية التي تعتبر التزاماً وواجباً تجاه المجتمع المحلي الذي نعيش فيه، فإن إطلاق شرارات الإبداع وتشجيع المخترعين والمبتكرين يعد من أولى المكاسب على الصعيد المحلي والعالمي، وكذلك على الصعيد الثقافي والاقتصادي والاجتماعي من خلال رسم الصورة الذهنية المميزة ورفع إنتاجية الأفراد والناتج المحلي الإجمالي وتنويع قاعدة الإنتاج وتوفير المزيد من الفرصة الوظيفية، وتمكين المواهب اجتماعياً وشغلهم بالعلم والمعرفة والتفكير والتأمل، ودفع الآخرين للتخطيط للمستقبل بعيون يملأها الأمل في غدٍ أفضل.
فالابتكار يعتبر بمثابة دعامات لبناء نهضة علمية وإحداث تقدم حضاري في مختلف الميادين فضلاً عن كونها ميداناً للتنافس بين الدول والكيانات الاقتصادية، كونها تؤثر بشكل مباشر وفعال في مسيرة البشرية والتنمية المجتمعية، وتنقل المجتمع إلى مصاف المجتمعات المتحضرة نتيجة الوفرة الاقتصادية التي تحققها الاختراعات والابتكارات وتعكسها رعاية العقول المبدعة.
وأخيراً يجب على جميع القطاعات ولا سيما القطاع الخاص من باب رد الجميل للمجتمع العمل على تأهيل، وبناء القدرات في المجالات المختلفة المرتبطة بالابتكار واحتضان الابتكارات من مرحلة الفكرة إلى مراحل التسويق والتصنيع، فضلاً عن العمل على تهيئة بيئات علمية مناسبة للمبتكرين بالتعاون مع الجهات المعنية، والمشاركة في رعاية ودعم وتنفيذ برامج متخصصة للتربويين في مجال الابتكار العلمي ورعاية الموهوبين والمبتكرين، وتخصيص برامج مسؤولية مجتمعية لدعم المبتكرين ودفعهم لإنشاء مشاريع قائمة على الابتكارات يمكن دعمها عبر المؤسسات التمويلية الحكومية والخاصة.
ختاماً.. المسؤولية المجتمعية نحو المبتكرين والمختارين تحقق مقولة “رالف و.أمرسون” حين قال: “إن العالم يفسح الطريق للمرء الذي يعرف إلى أين هو ذاهب”.