إذا كانت المسؤولية الاجتماعية تنطوي على فوائد جمة للمجتمع، وتُبشر، عبر مبادئها وأنشطتها المختلفة، بالخير العام، وتنادي بضرورة العمل على تعميم الربح والفائدة للجميع، فإن على الدولة، بصفتها الراعي الرسمي للتنمية في المجتمع، أن تعمل على تفعيل المسؤولية الاجتماعية للشركات، وأن تدفع في هذا الاتجاه.
إن الدفع بالشركات والمؤسسات التجارية المختلفة باتجاه تحمُل دورها في المجتمع يعني، من بين ما يعنيه، تخفيف الأعباء الملقاة على الدولة الوطنية، وأن معدلات التنمية ستكون أسرع وأكثر فعالية؛ إذ إن الدولة لن تعمل مفردةً في هذا المضمار، بل ستشاركها الكثير من مؤسسات القطاعين الخاص والعام.
لكن، ونظرًا لأن إقناع بعض شركات القطاع الخاص والمشبّعة بمبادئ وتصورات السوق الحر سيأخذ وقتًا، فإنه من المتعين على الدولة أن تبدأ، كمرحلة أولى، بالمؤسسات التي تقع تحت تصرفها، وبمؤسسات القطاع الخاص.
والآن، حان الوقت لنعرف الطرق والكيفيات المختلفة التي يمكن للدولة من خلالها أن تحفز الشركات نحو الالتزام بمسؤولياتها الاجتماعية تجاه المجتمعات المحلية المحيطة بها. وهذا ما سنحاول بيانه فيما يلي.
آليات تفعيل المسؤولية الاجتماعية:
إن الطريق السهل والمعبّد الذي يمكن أن تسلكه الدولة لتحفيز الشركات على الالتزام بتنمية مجتمعاتها المحيطة هو أن تفرض بعض التشريعات وتسن بعض القوانين، كأن، مثلاً، توفر حوافز ضريبية لتلك الشركات التي تلتزم بالمسؤولية الاجتماعية، وأن تعاقب البعض الآخر، أو أن تخفّض التعاقدات الحكومية أو تقدمها بشكل ميسر للمؤسسات التي قررت التعاون مع الدولة في تنمية المجتمع.
لكن، وعلى الرغم من أهمية هذا المسار، فإنه ليس الخيار الأمثل؛ إذ إن كل ما فُرض عنوة يمكن التملص منه عبر آليات وطريقة ملتوية.
ومن ثم فإن الطريقة المثلى هي أن نقنع الشركات بالجدوى الاقتصادية للالتزام بالمسؤولية الاجتماعية، لكن كيف يمكن ذلك؟
يمكن القيام بهذه المهمة بعدة طرق؛ منها: تمييز الشركات الملتزمة اجتماعيًا بعدة مزايا معنوية ومادية في الوقت ذاته، منحها الأولوية في التعاقدات الحكومية التي تقدمها الدولة، تخفيض الضرائب على هذه المؤسسات، إطلاق مؤشر للمسؤولية الاجتماعية للشركات، وخلق مناخ من المنافسة بين المؤسسات العاملة في هذه الدولة أو تلك.
إن هذه الآليات والطرق يمكنها أن تدفع مؤسسات وشركات القطاعين الخاص والعام لأداء دور مجتمعي ما، وأن تعمل على مشاركة الخيرات بينها وبين أفراد هذه المجتمعات.
لكن أمثل طريقة لتحفيز هذه الشركات أن تدرك هي بنفسها أن الالتزام بالمسؤولية الاجتماعية هو ضمان بقائها في المستقبل، وأنه وسيلة مثلها لتحسين صورتها في المجتمع المحيط، وبالتالي منحها أفضلية لدى المستهلكين، وهو الأمر الذي سينعكس إيجابيًا على معدلات استهلاك منتجاتها، ومستويات أرباحها.
يعني هذا، أنه لا يجب على الشركات أن تقف مكتوفة الأيدي حتى تأتي دولة ما وتحفزها للالتزام بهذا الدور المجتمعي، بل أن تفعل هي هذا الأمر بنفسها؛ حتى يمكنها تحقيق المزيد من المكاسب الاجتماعية والاقتصادية معًا.
اقرأ أيضًا:
الاقتصاد والمجتمع.. ملامح التأثير الإيجابي