قبل عشرين عامًا ظهرت رواية “الشيطان يرتدي برادا” وسريعًا احتلت قائمة الكتب الأكثر مبيعًا في الولايات المتحدة، ثم ذاع صيتها عالميًا بتحويلها إلى فيلم The Devil Wears Prada في عام ۲۰۰٦ من بطولة النجمة “ميريل ستريب”.
الرواية وعلى خطاها الفيلم برعا في تصوير نموذج لبيئة عمل سامة تتربع فيها رئيسة تحرير مجلة أزياء على القمة وتتحكم في مرؤوسيها باستخدام الخوف.
استلهمت الكاتبة الأمريكية لورين وايسبِرجر بطلة روايتها “الشيطان” من شخصية حقيقية تولت رئاسة تحرير مجلة “ڤوج” للأزياء لتبعث برسالة مفادها أنه لا بأس من ترك وظيفة جيدة، ربما تعد من وظائف الأحلام، إن سرقت العمر وتقزمت معها الحياة الشخصية. ما يزال مشهد الفنانة “آن هاثاواي” باقيًا في الأذهان وهي ترمي هاتفها المحمول الذي يرن إثر اتصال من مديرتها في نافورة المياه؛ إيذانًا بترك الحياة التي لا تعرف سوى العمل.
منذ أن ضربت الجائحة العالم نهاية عام ۲۰۲۰ أصبح “العمل” موضوعًا مؤرقًا أكثر من ذي قبل، سواء في المكتب أو عن بعد، وكذلك مخاطر حلول الآلة، ممثلة في تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، محل البشر. رصدنا في هذا السياق أربع روايات صادرة باللغة العربية وكتابان تُرجما إليها نعرضها فيما يلي:
۱. رواية: “وارزق مني”
۲. رواية: “شركاتي”
- الكاتب: محمد سعود البدر
- سنة النشر: ۲۰۲۱.
- الناشر: مركز عبد الرحمن السديري الثقافي – السعودية.
- الناشر: الدار العربية للعلوم ناشرون– لبنان.
نبذة: الروايتان -وهما لنفس الكاتب- تغوصان في دهاليز الشركات والسلوكيات النفعية ونزعات الفساد والطرق الملتوية المكيافيلية في إطار الحديث النبوي عن أن “التُجّار فُجّار”، ولكن من خلال نموذج إيجابي في كل رواية يتم تصديره كأحد الأبطال. هذا النموذج في رواية “شركاتي” هو موظف بنكي يطمح لأن يصبح رجل أعمال فيخطط لتنفيذ حلمه وقبل مرور العقد يتحقق الإنجاز.
نقرأ منها: “أحيانا يكون من الذكاء والفطنة أن تعرف متى تنسحب عندما يكون الاستمرار بمثابة استنزاف لطاقاتك الذهنية والروحية والبدنية وبلا أي طائل”، و”السجن الآن يمتلئ بمن اختلس ألفًا وألفي ريال، لكن مختلس الملايين الكل يقف أمامه باحترام”.

الرواية الثانية حملت عنوانًا مستوحى من الدعاء المنتشر في أوساط الأعمال والتجارة في المملكة العربية السعودية وهو “رب ارزقني وارزق مني”. أما النموذج الإيجابي فيها فهو رجل أعمال مخضرم يدعم شابًا يرى فيه نموذجًا واعدًا لرجل أعمال ناجح فلا يبخل عليه بالفرص التي تُنمي مهاراته. في الوقت نفسه يغامر رجل الأعمال ليُنمّي تجارته فيقترض من البنوك ليوسع حجم أعماله ويوظف شبابًا وفتيات من بلده يعينهم على بناء حياتهم وكسب أقواتهم قبل أن يغرق في الديون ويبحث عمن ينتشله.
نقرأ فيها على لسان “سلطان” البطل قوله: “لا بد دومًا من بداية جديدة مهما مر بنا من تجارب وخبرات وصعوبات وعقبات، إننا نخطئ حينما نسجن أنفسنا في حلم واحد نظل طوال العمر نجري وراءه بأقصى طاقتنا ونعقد عليه كل الآمال، لا بد أن نُوجد دائمًا الخطط البديلة وألا نتردد كثيرًا أمام لحظات فشلنا أو إحباطاتنا”.
عمل الكاتب الستيني محمد سعود البدر رئيسًا تنفيذيًا لشركات كبرى لمدة ۲۷عامًا، كما أنه عضو مجلس إدارة في العديد من الشركات.
يقول “البدر” في تصريحات خاصة لـ”رواد الأعمال” إنه أراد نقل تجربته في عالم الأعمال وكيف يتصرف كبار مُلاك الشركات مع مدراء الشركات التابعة لهم واعتقادهم بمبدأ “أعطِ الخباز خبزه ولو أكل نصفه”، وأن مدير الشركة الناجح هو من يحقق الأرباح ويُنمّي قيمة الشركة وفي سبيل ذلك يتغاضون عن اختلاساته ونهبه للأموال.
وهو لجأ إلى الشكل الروائي ليستطيع نقل نصائحه وخبراته بشكل ممتع للأجيال الجديدة؛ وبحيث لا ينتهك السرية المطلوب منه الحفاظ عليها، داعيًا إلى تنظيم العمل في الشركات وتطبيق الحوكمة الإيجابية.
ويواصل “البدر” مشاريعه في الكتابة الإبداعية؛ إذ من المقرر أن تصدر له بعد شهرين رواية باللغة الإنجليزية في الولايات المتحدة تمت صياغتها لتناسب فكر وثقافة القارئ الأمريكي، كما ينوي العمل على روايات أخرى مستقبلًا في الإطار نفسه.
۳. كتاب: “ثعابين في بذلات العمل.. عندما يذهب السيكوباتيون إلى العمل”

- الكاتب: بول بابيلك وروبرت هير- ترجمة: عمر فايد.
- سنة النشر: ۲۰۲۱.
- الناشر: صفحة ٧ – السعودية.
نبذة: يحدد الكتاب ثلاثة أنواع من الشخصيات تمثل “ثالوث الظلام” في بيئات العمل؛ وهي: الشخصية النرجسية المتعالية متوهمة الاستحقاق والمصابة بجنون العظمة، والشخصية الميكيافيلية الاستغلالية المتلاعبة والمخادعة للوصول إلى أهدافها، ثم الشخصية المُعتلّة نفسيًا باردة العواطف مثيرة الضغائن.
ينطلق الكتاب من فرضية أن المُعتلّين نفسيًا يعملون في المؤسسات المعاصرة وعادة ما ينجحون بأفضل معايير النجاح المهني، فيما سماتهم الشخصية المدمرة تبقى خفية عن أنظار معظم المتفاعلين معهم. ويوضح كيف أن مهارات مثل: إعطاء الأوامر وتولي المسؤولية والقدرة على اتخاذ القرار هي سمات قيادية لكنها قد تكون أيضا أشكالًا مناسبة للإكراه والهيمنة والتلاعب إذا كان منْ يتصف بها محتالًا مخادعًا كالحرباء المتلونة ومصابًا بجنون العظمة.
ويقول إن هؤلاء السيكوباتيين قادرون على المراوغة، ولَيّ نظام العمل ليوائم سلوكياتهم؛ فلا يقطع أحد بفسادهم وبالتالي عقابهم. وقد يسوء الأمر إلى حد السرقة والاحتيال والتحرش وإثارة الضغائن؛ حيث لا ضمير لهم ولا يشعرون بالذنب أو التعاطف. يصفهم أيضًا بأنهم “مفترسون بشريون خفيّون إلى درجة أقرب إلى الكمال” و”مدافع طليقة”.
٤. رواية: “ريتريت”.

- الكاتبة: رانيا بيومي.
- سنة النشر: ۲۰۲۱.
- الناشر: منشورات إبييدي – بريطانيا/مصر.
نبذة: تدور الرواية داخل بيئة عمل سامة في الحقل البنكي أضفت عليها الكاتبة، التي تعمل منسقة برامج في صندوق الأمم المتحدة للسكان بالقاهرة، نكهة جريمة.
المدير في الرواية متسلط وظالم ونرجسي، مكروه من الموظفين ومنهم الكفء ومهدور الحق الذي لم ينل نصيبه من الترقي الوظيفي، والمدير لا يُبدي أي شفقة فالشركة “ليست هيئة خيرية”.
علاقات هذا المدير بأقرب الناس إليه من الأهل معقدة، بمن فيهم سكرتيرته؛ لهذا فإن الشبهات تحوم حول الجميع حين يُعثر على ما يُشتبه في أنها جثته لأن الكل لديهم دوافع لقتله.
٥. كتاب: “مباهج وشجون العمل”

- الكاتب: آلان دو بوتون – ترجمة: الحارث النبهان.
- سنة النشر: ۲۰۲۲.
- الناشر: دار التنوير– لبنان.
نبذة: يطرح الفيلسوف البريطاني في كتابه أسئلة من قبيل: هل ينبغي أن تمنحنا الوظيفة السعادة؟ ثم يُفنّد هذا الاعتقاد واسع الانتشار. مكمن السؤال يرجع إلى المكانة الكبيرة التي صارت للعمل في زمننا حتى تحولت المهنة إلى تعريف للهوية وأصبحت محور أول سؤال مُلّح نُلقيه على من نلتقيه للمرة الأولى فنسأله عما يفعله لا “من أين هو؟” مثلًا.
فلسفيًا اعتبر أرسطو أن العمل أيًا كان شكله هو نوع من العقاب أو العبء المفروض. وذهب إلى أن العمل المبني على أساس الحاجة المالية يؤدي إلى التشوه النفسي، وقصرَ التمتع بالحياة على من يعيش حياة الراحة والدّعة القائمة على الدخل الخاص. اليوم نحن نعمل حتى في غياب الضرورة المالية -كما يقول مؤلف الكتاب “دو بوتون”- على افتراض أن السُبل المفضية إلى وجودٍ ذي مغزى لا بد وأن تمر عبر العمل الذي يُدر بطبيعته ثمارًا مالية.
يتساءل “دو بوتون”: متى يشعر المرء بأن لوظيفته معنى؟ ويجيب: “يحدث هذا عندما تتيح له تخفيف معاناة الآخرين، أو توليد ما يُفرحهم”، مشيرًا إلى أن التوق إلى العمل ذي المعنى “جزء أصيل من تكويننا لا يقل أهمية عن سعينا إلى المال والجاه”. ويُحذر من حصر فكرة “العمل ذي المعنى” لتقتصر على أرباب العمل ذي المعنى من أمثال الأطباء والعظماء من الرسامين. ويقول إن هناك سبلًا أقل لمعانًا من أجل المساهمة في الخير العام وتهوين أثقال الحياة، ولو كان صنع قطعة بسكويت.
٦. رواية: “سارقة الأرواح”

- الكاتب: محمد إسماعيل.
- سنة النشر: ۲۰۲۳.
- الناشر: دار العين للنشر – مصر.
نبذة: الرواية طرح مختلف يناقش طاحونة العمل في الشركات الرأسمالية التي بات العمل فيها شكلًا من أشكال الاستعباد؛ لسرقتها العمر والأحباب والصداقات والأمومة، بالإضافة إلى صور الفساد المختلفة فيها. تبدأ الرواية بإهداء إلى “كل من حصدت الوظائف أرواحهم.. وكل المهمشين الجدد: الموظفين”.
تُلخص “نيفين”، إحدى أبطال العمل وراويته، الوضع في قولها “ليس لي حياة خارج هذا المبنى”، وبالتالي يؤرقها هاجس التقاعد؛ لأن حياتها الوظيفية ارتبطت بالمناصب التي تمنح السلطة والنفوذ فتماهت بكامل كيانها مع عملها حتى أصبح مغزى حياتها ومنه تستمد قيمتها، فإذا ما انهار انهارت معه.
عنوان الرواية “سارقة الأرواح” يشير إلى ما تسرقه الوظيفة من حياتنا. نقرأ من الرواية على لسان “نيفين”: “صرتُ أستيقظُ مفزوعةً على كوابيس مفادُها أني لم أعُد جزءًا من هذه الشركة، كنتُ أشعر في الـحلْم كأنني مطرودة من الأرض؛ فأين أذهب؟ الكيانات الضخمة كالثقوب السوداء، تجذبنا فنهرع إليها مفتونين، نرجوها أن تبتلعنا ونفعل المستحيل لنذوب بداخلها، حتى تأتي على كُلٍّ منَّا لحظة يدرك فيها أنه حجر صغير في مدينة عابثة لا يُفتقَد إن غاب، تصعقه المفاجأة فيُمعن عندها في الغوص بأعماق هذا السديم الذي لا يعرف له ملجأً سواه”.
عمل الكاتب الأربعيني المصري الفرنسي “محمد إسماعيل” داخل بيئة سامة بإحدى الشركات العاملة في مجال الاتصالات. وجاءت الرواية “صرخة استغاثة” -كما يقول لـ”رواد الأعمال” في تصريحات خاصة- من وحي تجربته التي كرّس فيها وقته كله للوظيفة سعيًا وراء المبيعات واكتساب عملاء قبل أن يندم على ما فاته ولم يعشه فيبحث عن بيئة عمل أخرى لا تمتص ما تبقى من عمر، وذلك بعد أكثر من 25 عامًا في سوق العمل.
“لا شيء أثمن من الحياة، لا تقايضها لأي سبب؛ فلا يوجد أثمن من العمر الذي نبذله تطوعًا لإثراء الآخرين”.. هذه رسالته.
كتبت: حنان سليمان