ينطوي مفهوم وفلسفة مواطنة الشركات على درجة كبيرة من الأهمية، بل دخل عهدًا جديدًا، خاصة بعد إدراك الشركات والمؤسسات التجارية والصناعية المختلفة أن هذا المفهوم لا يجب أن يقتصر على إصلاح إداراتها من الداخل، بل العمل على خلق بيئات ومجتمعات محيطة مواتية للاستثمار، وداعمة له.
إذ ما من شركة يمكنها العمل، فضلًا عن تحقيق النجاح في ظل مجتمعات تعاني من الفشل، والفساد، وغياب واضح لحماية حقوق الملكية، إن الشركة، وفقًا لهذا التوجه الجديد، لم تعد مجرد جزء من المجتمع، بل أمست مواطنًا كذلك.
ليس هذا فحسب، بل تدرك الشركات الناجحة، والتي تبغي المنافسة عالميًا، أنه يتعين عليها لا أن تكون مواطنًا فقط، بل أن تكون مواطنًا صالحًا أيضًا، وذلك عبر خلق بيئات اقتصادية داعمة للاستثمار، ومرحبة برءوس الأموال، وبها كل السبل والأدوات التي تحمي هذه الأموال، وتوفر لها جميع شروط الأمان.
إن ما تسعى الشركة إليه، وفقًا لهذا المنظور الجديد، لا يقتصر على المشاركة في بعض الأعمال التطوعية، وإنما أن تعمل، جاهدة، على توفير الازدهار الاقتصادي في المجتمع الذي تعمل فيه.
الشركة كمواطن صالح!
يمكن الإتيان بالكثير من التعريفات والتحديدات المفاهيمية المتعلقة بمواطنة الشركات، لكن ما يعنينا هنا هو ذاك التعريف الذاهب إلى أن هذا المفهوم يعني قيام الشركة ببناء هياكل داخلية وخارجية تُكافئ على السلوك الحسن وتعاقب على السلوك المشين.
ليس الهدف هنا، كما قد يقفز إلى الذهن منذ الوهلة الأولى، هو تحفيز الموظفين عبر اتباع مبدأ الثواب والعقاب، وإنما الأهم من ذلك هو ضمان أن تكون الشركة مواطنًا صالحًا في المجتمع المحيط.
قد يُفهم من هذا الطرح أن المجتمع هو المستفيد من هذا التوجه، دون أن يكون للشركة أي مكسب أو نفع، والحقيقة خلاف ذلك، فالشركات التي تتبنى الفلسفة الخاصة بمواطنة الشركات تجني عدة مكاسب؛ منها: تحسين سمعتها في السوق، تجنب المخاطر بأكبر قدر ممكن، زيادة ولاء العملاء، والأهم من ذلك هو جلب الأرباح ومراكمة الثروات.
إن أهداف الشركات، الآن، لم تعد مقتصرة على مجرد تحقيق الربح، وإنما باتت تسعى إلى الكثير من الأهداف طويلة الأمد، وإلى أن تكون أكثر اندماجًا في المجتمع؛ من أجل توفير أكبر قدر من الخدمات له، وتاليًا تحقيق الأرباح ومراكمة رءوس الأموال من خلال عمليات الاندماج الاجتماعية.
الشركة أكبر من مجرد كيان اقتصادي:
لم تعد الشركات الحديثة مجرد كيانات اقتصادية تسعى إلى جلب الربح، وتعظيم الفائدة، بل إن الأمر أمسى أكبر تعقيدًا من هذا التصور التقليدي؛ فشركات اليوم هي جزء من المجتمعات التي تعمل فيها، تتأثر ببيئاتها الاقتصادية والاجتماعية المختلفة.
ناهيك عن أن ذيوع وانتشار الحركات الاجتماعية/ الاقتصادية المناهضة للعولمة، وميكانيزمات السوق الحر، وضعت المسؤولية الاجتماعية في قلب النقاشات المجتمعية، ولفتت أنظار أصحاب الشركات إلى أن الأمر ليس منصبًا على جلب الربح فحسب، بل ثمة دور اجتماعي يتعين على هذه الشركات أن تلعبه إن هي أرادت البقاء والاستمرار.
توثيق العلاقة بين الاقتصاد والمجتمع:
بعيدًا عن المكاسب والمزايا التي أشرنا إليها أعلاه، فإن أبرز مكسب يمكن جنيه وتحقيقه من خلال اتباع مقتضيات ومبادئ مواطنة الشركات هو كونها أداة جيدة لتوثيق العلاقة بين الشركات، ورجال الأعمال وأصحاب رءوس الأموال، من جهة، وبين المجتمع وشرائحه وطوائفه المختلفة.
ومن نافل القول، إن هذه العلاقة مع المجتمع هي وتحقيق الأرباح وجهان لعملة واحدة؛ فالمجتمع يكافئ بعض الشركات ويعاقب البعض الآخر، ومفهوم أن سبب العقاب من عدمه هو مقدار ما توفره الشركات من خدمات اجتماعية.
اقرأ أيضًا:
نظرية أصحاب المصالح.. النفع المتعدي للربح!