تُعد مهارات الإبداع من أبرز الطرق التي تساعدنا في العثور على مكان في عالم اليوم المتسم بالكثرة في كل شيء؛ فإذا كان المنافسون يملأون السهل والجبل، وإذا كان كل طريق ستسلكه غالبًا ما يكون ارتاده أناس قبلك، فما الحل إذًا؟
لا مخرج من معضلات «عصر الجماهير الغفيرة» سوى التميز فيما تقوم به أو تقدمه على الأقل، ولن تكون قادرًا على هذا التميز من دون تطوير مهارات الإبداع وممارستها، صحيح أن المرء يولد ببعض المواهب والمهارات إلا أن الخبر الجيد هو أنه بإمكاننا أن نتعلم ونتقن ما نريد إتقانه من معارف ومهارات.
اقرأ أيضًا: الإبداع في المشاريع التجارية.. مفتاح بقاء الشركات
ما هو الإبداع؟
ثمة تعريفات جمة لمفهوم الإبداع، لكن يمكن اختصارها تقريبًا في القول إن «الإبداع هو فن النظر» إلى المهمة/ المشكلة الملقاة على عاتقك أو التي تعترض طريقك بطريقة مميزة وفريدة. يتعلق الأمر إذًا بالعثور على زاوية جديدة يمكن من خلالها القيام بالأمور على نحو أفضل أو حتى قلب الطاولة، وتحويل المنحة إلى محنة.
الإبداع، إذًا، هو القدرة على التفكير في مهمة أو مشكلة بطريقة جديدة أو مختلفة، أو القدرة على استخدام الخيال لتوليد أفكار جديدة، وبهذا المعنى يساعدك الإبداع في حل المشكلات المعقدة أو إيجاد طريقة أكثر إمتاعًا للنهوض بما عليك من أعباء وواجبات.
ومن هذا التعريف (الأوليّ) يظهر أن المهارات الإبداعية ليست هي طوق النجاة في الوقت الراهن فحسب، ولكنها أيضًا التي تساعدنا في العثور على موطئ قدم في مركبة المستقبل.
اقرأ أيضًا: ثلاث طُرق تحفز الإبداع في مؤسستك
مهارات الإبداع
لنشق دربنا إذًا نحو المراد، أملًا في إماطة اللثام عن جوهر ومكنون مهارات الإبداع والتي نذكر منها ما يلي:
التشبيك وصنع العلاقات
المبدعون هم أولئك الأشخاص القادرون على ربط الأشياء/ الأفكار ببعضها والخروج بفكرة جديدة، أو ابتكار طريقة مختلفة تمكّنهم من أداء أعمالهم على نحو أفضل. إنهم أشخاص منفتحون على غيرهم، ودائمًا ما يسعون إلى الاستفادة والتعلم من أي كان وفي أي وقت كان.
لكن قدراتهم أو بالأحرى مهارات الإبداع لديهم لا تتوقف على إيجاد روابط بين الأشياء، ولكنهم أيضًا يحاولون ربط أنفسهم بالأشخاص الآخرين، خاصة أولئك المختلفين عنهم؛ كيما يكون في وسعهم الاطلاع على طريقة تفكيرهم والاستفادة منها.
ويساعدك التواجد حول أشخاص من خلفيات مختلفة في معرفة أفكار جديدة، ويحفز التفكير الإبداعي لديك أيضًا؛ فمن الممكن أن يساعدك التحدث والعمل مع الأشخاص الذين يرون العالم بشكل مختلف في اكتساب وجهات نظر جديدة عند التعامل مع عملك.
اقرأ أيضًا: تعزيز ثقافة الإبداع في الإدارة.. الطرق والأدوات
طرح الأسئلة
لعله من المعروف أن طرح الأسئلة أهم من العثور على إجابات؛ السؤال نقلة نوعية على صعيد التفكير، ومحاكمة للواقع والوضع الراهن، والمبدعون لا يكفون عن طرح الأسئلة؛ فهم لا يتعاملون مع الواقع على أنه شيء بديهي مسلّم به، وإنما يحاولون إدراك العلة الكامنة وراء كون الأشياء على ما هي عليه.
إذا كنت مبدعًا حقًا أو تمكنت من مهارات الإبداع فقد تسأل: لماذا نقوم بهذه المهمة بتلك الطريقة؟ ألا توجد طريقة أخرى أفضل؟ أو لماذا علينا اتباع هذه الإجراءات بالذات؟ هذه أمثلة على الأسئلة التي لا يكف المبدعون عن طرحها، وهي طريقة على قدر كبير من الأهمية؛ إذ إنها لا تتيح لك فهمًا أفضل للوضع الراهن فقط، وإنما تمنحك فرصة للبحث عن طرق أفضل للقيام بهذه المهمة أو مراجعة الإجراءات لجعلها أكثر صلة بالمعطيات الحالية.
اقرأ أيضًا: 10 خطوات للإبداع في المؤسسات
التجريب الدائم
لا يمكننا أن نتحدث عن مهارات الإبداع من دون التطرق إلى التجريب الدائم؛ الذي هو ليس مجرد مهارة إبداعية فقط وإنما هو أحد متطلبات الإبداع. يسعى الأشخاص المبدعون إلى تجربة أشياء جديدة، ووضع أفكارهم _مهما كانت غريبة_ موضع التجربة، فما أدرانا أن هذه الفكرة التي نراها غريبة وفي غير موضعها أن تُغيّر العالم؟
ثم أليست الأفكار التي أحدثت فارقًا حقيقيًا في تاريخنا البشري كانت غريبة عند طرحها لأول مرة؟! الناس بطبيعتهم يميلون إلى رفض كل ما هو غريب عنهم، إلى التنكر لكل ما هو غير مألوف، والمرء عدو ما يجهل.
لا تقتضي مهارات الإبداع التجريب الدائم فقط، وإنما تتطلب تقبل الفشل كذلك؛ فمن المؤكد أن طريق النجاح شاق وطويل، وأن الوصول إلى أهدافنا لن يتحقق بين عشية أو ضحاها، وإنما لا بد أن نتعثر مرات ومرات قبل أن نصل إلى مبتغانا، لكن الحكمة أن نعرف كيف نتعلم من الفشل وأن نجنده لصالحنا. تلك هي حكمة الإبداع الحقيقية.
اقرأ أيضًا:
تدريب على الإبداع.. طرق للابتكار وحل المشكلات