ما يميز عالمنا المعاصر هو السيولة، أي القدرة على التغير والتبدل الدائمين، ولعل الإدارة المرنة هي الخيار العقلاني الوحيد الذي يتوجب على الشركات اتباعه، فالشركة الجامدة التي لا ترغب سوى في التمسك بمبادئ ونظريات جامدة عفا عليها الزمن ليس من المرجح أن تحظى بمقعد في المستقبل الذي لا يعلم أحد عن ملامحه شيئًا.
إن الشيء الوحيد الذي يمكننا الجزم به في زمن اللايقين هذا هو أن التكيف أمر واجب؛ فالاقتصاد خاضع لعمليات تغير دينامية، والعوامل المؤثرة فيه لا تُعد ولا تُحصى ولا يمكن قياس أثرها كذلك، كما أن التكنولوجيا أدخلت إلى حياتنا المعاصرة سلسلة طويلة من التغيرات الجذرية؛ حيث لم يعد أي شيء كما كان.
وحاول عالم الاجتماع الراحل زيجمونت باومان استقصاء أثر هذه التغيرات الحديثة في الحياة والمجتمع والاقتصاد عبر مشروع «السيولة» الذي أنتج فيه أكثر من خمسة كتب.
ويحاول «رواد الأعمال» الإشارة إلى الإدارة المرنة بصفتها الخيار المنطقي الوحيد المتاح أمامنا في عصر السيولة المفرط في التطور هذا، وذلك على النحو التالي.
اقرأ أيضًا: المدير المرن وتحدياته
إدارة المواهب وتقليل النفقات
هذان مطلبان أساسيان لدى أي شركة تفقه شروط العيش في زمن التغيرات الكبرى، والحق أنه لا يمكن الوصول إلى تحقيقهما معًا إلا من خلال الإدارة المرنة التي يمكنها أن تساعد الشركات في التمسك/ الاحتفاظ بالمواهب الموجودة، لديها بل جذب المزيد من المواهب إليها، ولنتذكر أن التنافس الحالي أمسى تنافسًا على اجتذاب أكبر قدر من الموظفين الموهوبين.
ويمكن لـ الإدارة المرنة كذلك أن توفر للشركات ملايين الدولارات؛ من خلال تقليل معدلات الدوران الوظيفي، أو بمعنى أدق دوران المواهب.
ليس هذا فقط بل إن المرونة تسهم وبشكل فاعل في زيادة معدلات الإنتاجية؛ عبر تعزيز معدلات الرضا الوظيفي، والمؤكد أن كل هذه مكاسب يعزّ الحصول عليها مجتمعة إلا من خلال اتباع استراتيجيات الإدارة المرنة.
وأفادت دراسة أجريت على 28 شركة أمريكية كبيرة بأن المرونة ليست مجرد مواعيد عمل مناسبة، ولكنها أيضًا أداة إدارية مهمة تساعد الشركات في تحسين النتيجة النهائية.
تعزيز التنافسية
حالما يقع تغيير جذري ما تختلف طرق التعاطي معه حسب الخلفية التي ننظر منها إليه، وبناءً على طريقة التفكير كذلك، فالمنظمة المرنة على سبيل المثال سوف تستجيب للتغييرات وتحاول تطوير نفسها، أما المنظمة الأكثر مرونة فهي تلك التي لا تحارب التغيير ولكنها تقبله كفرصة، كما أنها تنظر إليه باعتباره قدرًا محتومًا لا مفر منه.
وطالما هو كذلك، فإن الإدارة المرنة تتأقلم معه أولًا، هذا على المستوى المبدئي من التعاطي معه، ولكنها في مرحلة تالية تحاول العمل على استغلاله في تحسين فرصها بالسوق. ومن المعروف جزمًا أن البقاء والازدهار سيكون من نصيب أولئك الذين استطاعوا التكيف جيدًا مع المتغيرات، وجندوها لصالحهم.
اقرأ أيضًا: مرونة ريادة الأعمال وقت الأزمات.. استراتيجيات أساسية
رفع معدلات الكفاءة
الإدارة المرنة طموحة إلى حد لا يمكن تصوره؛ فهي على سبيل المثال ليست مع المبدأ القائل «إذا لم تكسره فلا تصلحه»، وإنما هي تتجرأ على تغيير طريقة عملها الراهنة والمستقرة منذ أمد بعيد، حتى وإن كانت تؤدي إلى نتائج إيجابية؛ فماذا لو كانت هناك طريقة أخرى يمكن من خلالها تحقيق نتائج أفضل وفي وقت أسرع؟
وهكذا نفهم أن الإدارة المرنة كثيرة التجريب ولا تمل من وضع أفكار ونظريات موضع التنفيذ؛ كيما تتمكن من معرفة مدى قدرتها على مساعدة المنظمة في المضي قدمًا على طريق تحقيق أهدافها.
لكن ماذا يعني هذا؟ الموظفون العاملون في منظمات مرنة أكثر كفاءة من أولئك المتقيدين بأساليب عمل جامدة، كما أن المنظمات المرنة هي نفسها أكثر كفاءة، وأكثر قدرة على تحقيق أهدافها والوفاء بمتطلبات مؤسسيها.
النمو السريع
تنمو المنظمة الأكثر مرونة بسرعة أكبر من المنظمة الجامدة؛ فهي تبحث دائمًا عن عمليات وأساليب تعمل بشكل أفضل من تلك التي لديها حاليًا، ليس هذا فقط، ولكنها قادرة أو بالأحرى مؤهلة لاقتناص الفرص التي قد يطرحها أحد التغيرات الجذرية.
فالإدارة المرنة هي تلك التي تجعل الشركة/ المنظمة على أهبة الاستعداد دائمًا، سواءً لاقتناص الفرص أو لتفادي المخاطر.
اقرأ أيضًا: قراءة في كتاب «The Lean Startup».. تعلُم ما يريده العملاء
تعزيز الإبداع
عندما يكون هيكل إدارتك مرنًا ستحصل على أقصى استفادة من القوى العاملة لديك، اعتمادًا على مواهبهم الفردية.
وطالما أنه لا يوجد شخصان متماثلان فلا يوجد موظفان لهما نفس مجموعة المهارات تمامًا، فإن الإدارة المرنة تعينك بشكل عام على تحقيق الاستفادة القصوى من كل هذا الطيف الواسع من المواهب والمهارات المتاحة لدى المؤسسة.
اقرأ أيضًا:
الشركة الناشئة المرنة.. استراتيجيات للوقاية من الفشل
مفهوم الإدارة والتطبيقات العملية
Agile .. الإدارة الرشيقة للمشروعات