مستقبل المدن الذكية هو مستقبلنا البشري الماثل أمامنا، بل الذي سنواجهه عما قريب جدًا، ولعله من حسن الحظ أن العالم يسير في سيرته الرقمية سيرًا حثيثًا؛ فكل شيء متجه صوب الأتمتة، صحيح أن لهذه الحركة بعض الآثار السلبية، إلا أن التحديات المتراكبة التي تواجهنا في الوقت الراهن لا يمكن التصدي لها إلا من خلال هذه الأدوات التقنية الحديثة.
سوف يأتي مستقبل الذكية مشفوعًا بحل لكثير من المعضلات التي تعترض طريقنا في الوقت الراهن، منها _على سبيل المثال لا الحصر_ الاكتظاظ المروري، وشح الطاقة، وغيرها من الأزمات المصيرية.
إن ما نعنيه بمستقبل المدن الذكية هو وجود مجتمعات خالية من تلك المشكلات التي تؤرقنا في الوقت الراهن، بالطبع العيش في هذه المدن الذكية سوف يجر معه مشكلات جديدة، وهي تلك المشكلات التي يكون التفكير في حلول لها وقتذاك متناغمًا مع مستوى التقدم التكنولوجي الذي وصلت إليه هذه المجتمعات.
تحسين نوعية الحياة
قبل أن نتوغل في استكشاف مستقبل المدن الذكية علينا أن نشير إلى أن هذه المدن، من حيث الأصل، سوف تسهم في تحسين نوعية الحياة؛ إن الهدف منها هو جعل الحياة أسهل وأكثر رفاهية.
وتُعرّف المدينة الذكية بأنها تلك المدينة التي تستفيد من التكنولوجيا في زيادة الكفاءة وتحسين جودة الخدمات والحياة لسكانها.
ويمكن أن تغطي مبادرات المدن الذكية أي شيء؛ بدءًا من توزيع الطاقة وأنظمة النقل وأضواء الشوارع وصولًا إلى جمع القمامة.
تتمثل الفكرة، إذًا، في استخدام البيانات والتكنولوجيا لجعل الحياة اليومية أسهل وأفضل للأشخاص الذين يعيشون ويعملون في المدينة، مع تعظيم استخدام الموارد المتاحة.
وعلى ذلك فإن هذا النمط هو الحل حتى لتلك المشكلات التي قد تطرأ علينا في المستقبل؛ حيث تتوقع الأمم المتحدة، على سبيل المثال، أن يعيش حوالي 68% من سكان العالم في مناطق حضرية بحلول عام 2050، وهذا يعني أن مدننا سوف تواجه تحديات بيئية واجتماعية واقتصادية متزايدة.
لكن من خلال جعل المدن أكثر ذكاءً، يمكن التغلب على بعض هذه التحديات، وجعل المدن أماكن أفضل للعيش فيها.
ووجد تقرير صادر عن معهد ماكينزي العالمي أن تكنولوجيا المدن الذكية يمكن أن تحسن مؤشرات الجودة الرئيسية للحياة، مثل التنقل اليومي أو المشكلات الصحية أو حوادث الجرائم، بنسبة 10 إلى 30%.
اقرأ أيضًا: تقنيات المدن الذكية في العالم.. السبيل لتحسين نوعية الحياة
مستقبل المدن الذكية
ويمكننا أن نشير في «رواد الأعمال» إلى أبرز ملامح المدن الذكية، وذلك على النحو التالي:
-
الصحة
يمكن للتقنيات الذكية أن تجعل مجتمعنا «الذكي» أكثر صحة؛ من خلال توفير بيئة أكثر نظافة، مع تمكين السكان من تعزيز أنماط حياة أكثر نشاطًا وصحة.
فضلًا عن أنه من خلال العمل على تقليل الاحتكاكات السلبية حول الطريقة التي نعيش بها حياتنا _مثل الازدحام المروري أو التلوث الضوضائي_ بالإضافة إلى زيادة الفرص لمزيد من التفاعلات الاجتماعية، يمكن أن نحقق الكثير من المكاسب لتحسين صحتنا الجسدية والعقلية.
وتوفر التكنولوجيا أيضًا خيارات بشكل متزايد، مثل استخدام أجهزة الاستشعار الذكية لإيقاف تشغيل الأضواء غير الأساسية بعد ساعة معينة؛ لتعزيز أنماط نوم أكثر راحة، وغير ذلك من الطرق التي يمكن للتقنية أن تساعدنا بها.
-
الأمن والسلامة
الأمن هو الهاجس الأكبر لكثير من المجتمعات في الوقت الراهن، ويمكننا أن نلاحظ هذا الهوس بالأمن من خلال الكثير من المظاهر، مثل: الأسوار العالية التي تحيط بالبيوت، الكومباوندات والمدن والأحياء المغلقة على نفسها بشكل كامل، انتشار شركات الخدمات الأمنية في الكثير من بقاع العالم.
صحيح أن الأمن المادي ليس بالشيء الذي يمكن شراؤه، لكن المؤكد أن لدى التقنية الكثير لتقدمه لنا؛ من أجل الحصول على مجتمعات أكثر أمانًا.
اقرأ أيضًا: المرونة السيبرانية في عصر المدن الذكية
-
تدفق حركة المرور
حركة المرور هي لعنة حياة العديد من سكان المدن، لكن التكنولوجيا تقدم بعض الحلول الواعدة؛ فعلى سبيل المثال: يمكن تعديل طرق النقل العام في الوقت الفعلي وفقًا للطلب، ويمكن استخدام أنظمة إشارات المرور الذكية لتحسين الازدحام.
ومن خلال هذه التقنيات الذكية تمكنت مدينة هانغتشو الصينية من تقليل الاختناقات المرورية بنسبة 15%.
-
تحسين كفاءة الطاقة
الطاقة أزمة كبيرة تواجهنا في الوقت الحالي، إلا أن مستقبل المدن الذكية ينبئنا بأن هذه المشكلة سوف تزول؛ عبر استخدام التقنيات المختلفة في ترشيد استهلاك الطاقة، وبالإضافة إلى الاستثمار في مصادر الطاقة النظيفة، تستخدم المدن الذكية أيضًا التكنولوجيا للمساعدة في مراقبة استخدام الطاقة في الوقت الفعلي عن كثب وتقليل استهلاك الطاقة.
وهناك بعض المدن التي بدأت السير في هذا المسار؛ ففي أمستردام يتم تزويد المنازل بعدادات طاقة ذكية مصممة لتحفيز تقليل استهلاك الطاقة، فيما تقوم مدينة شينيكتادي بنيويورك بترقية مصابيح الشوارع الخاصة بها إلى تقنية LED، والتي تسمح بتعديل الأضواء أو تعتيمها على أساس بيانات الوقت الحقيقي.
اقرأ أيضًا: الرياض خامس أذكى مدينة بين عواصم مجموعة العشرين
-
المرونة والقدرة على مواجهة الكوارث
عندما تحدث الكوارث الطبيعية يمكن أن يكون لها تأثير مدمر في المجتمعات والبلدان والاقتصاد.
لكن مستقبل المدن الذكية سيكون مغايرًا عما هو عليه الحال الآن؛ إذ من خلال تطبيق التكنولوجيا على التخطيط والتصميم الحضريين يمكن للمدن الاستعداد بشكل أفضل لهذه الكوارث والتعافي بشكل أسرع، ومن هنا يمكن القول إن المجتمعات البشرية في المستقبل ستكون أكثر قدرة على مواجهة الكوارث والأخطار.
اقرأ أيضًا:
المدن الذكية.. حين يصمت الإنسان وتتحدث الآلة!
المدن الذكية في العالم العربي.. تحدٍ جديد واستثمار واعد