حاوره : حسين الناظر
تعد البطالة واحدة من التحديات الخطيرة التي يعاني منها المجتمع السعودي، وسط توقعات بزيادتها، خاصة وأن نصف سكان المملكة تقل أعمارهم عن 25 عامًا، والذين بحلول ع00ام 2030 سيزيد عدد من تزيد أعمارهم عن 15 عامًا إلى 6 ملايين؛ مايعني تدفق نحو 4.5 مليون مواطن سعودي إلى سوق العمل في غضون الـ15 عاما القادمة ، وهو ما التفتت له رؤية المملكة 2030م ؛ فأولته اهتمامًا كبيرًا.
في هذا الإطار، نحاور رائد الأعمال الشاب مرتضى اليوسف؛ مدير عام مؤسسة “الكفاءات الوطنية” لعرض تجربته الرائدة لمساعدة الباحثين عن عمل عبر مبادرة “توظيف السعودية”.
كيف جاءت الفكرة؟
جاءت الفكرة، حينما كنت أبحث عن أكثر التخصصات التي يطلبها سوق العمل السعودي للالتحاق بها، بالإضافة إلى بحثي عن وظائف للأقارب والأصدقاء من خلال الصحف، والمنتديات المتخصصة على الإنترنت.
ومع بدء ثورة شبكات التواصل الاجتماعي في يوليو 2011 م، وانضمام الشباب لها، استغللت الفرصة وأسست حساب “توظيف السعودية” على تلك الشبكات،مع نشر ماجاء في الصحف أو من المواقع الرسمية للمنشآت.
وكيف كانت الحاجة لتلك المبادرة؟
كانت ضرورية للغاية ؛ فما أكثر الباحثين عن عمل في ظل تزايد البطالة، وقلة الفرص الوظيفية، فالجميع يبحث عن عمل؛ لذا يتركز دورنا على ربط الباحثين عن عمل بأصحاب الأعمال.
خدمات مُقدمة
ما الخدمات التي تقدمونها لأصحاب الأعمال؟
نقدم من خلال “توظيف السعودية”، حزمة من حلول التوظيف الرقمية؛ أبرزها البحث في السير الذاتية، و الإعلان عن الفرص الوظيفية لأكثر من نصف مليون متابع على شبكات التواصل الاجتماعي بأقل تكلفة وبأعلى كفاءة، واستخدام الدعاية عبر الرسائل القصيرة SMS، والتي يبلغ عدد المشتركين فيها حتى الآن أكثر من 10 آلاف مشترك.
هل يقتصر دور “توظيف السعودية” على نشر الوظائف فقط؟
لا يقتصر دور “توظيف السعودية” على ذلك فقط، بل نسعى لخدمة العاملين في قطاعي التوظيف و التدريب ، بالإضافة إلى مؤسسات تنظيم المعارض والمؤتمرات؛ وذلك من خلال الترويج لبرامجهم التطويرية، وكذلك الترويح لمعارض التوظيف والمؤتمرات الإدارية من خلال العديد من المنصات التفاعلية.
هل شاركتم في معارض ومؤتمرات من قبل؟
كنا شريكًا للملتقى الخليجي لتنمية الموارد البشرية لعامين متتالين، بالإضافة إلى الرعاية الإعلامية للعديد من معارض التوظيف في السعودية والخليج؛ لذلك كرمنا من أصحاب السمو الأمراء و معالي الوزراء و ذلك للجهود المبذولة في توظيف السعودية.
ما الدعم الذي تقدمونه للشباب في مجال التأهيل للوظائف؟
نسعى في المرحلة المقبلة إلى تقديم ورش عمل، ودورات تأهيلية للباحثين عن عمل في مهارات البحث عن وظيفة، وكتابة السيرة الذاتية، وتسويق الذات.
معوقات
ماذا عن الصعوبات التي واجهتكم في مرحلة التأسيس؟
تمثلت أهم الصعوبات، في بناء الشراكات مع القطاع العام والخاص، والحصول على ثقة الهيئات والشركات والمؤسسات، ولكن بفضل الله ، نجحنا في كسب ثقتهم ، وبناء شراكات متينة، وأصبح الكل الآن يسعى للتواصل معنا والإعلان عن وظائفه لدينا .
العمل الحر
أليست مبادرة” توظيف السعودية” تكرس لثقافة الوظيفة، بينما الكل يبحث الآن عن ريادة الأعمال؟
أتفق معك تمامًا؛ فريادة الأعمال هي الهدف الرئيس الذي يجب أن يوضع في جدول الأولويات، ولعل هذا ما التفتت إليه رؤية المملكة 2030؛ ووضعته في أولوياتها، وهو التوجه الذي نؤيده، لكن يجب أن نضع في الحسبان، أن تأسيس المشاريع الجديدة وخوض ريادة الأعمال لا يناسب الجميع، فرؤى الشباب مختلفة؛ فمنهم من يفضل العمل الحر من بداية حياته، ومنهم من يود الانخراط في العمل لاكتساب الخبرة المهنية والتعرف على بيئات العمل المختلفة قبل تأسيس مشروعه الخاص، ومنهم من يحب الوظيفة، وهذا الأخير مهم جدًا، وإلا من أين نجد من يعمل في المشاريع .
ونسعى في ” توظيف السعودية” إلى تشجيع الشباب على البدء في مشاريعهم من خلال منصات العمل الحر أولًا، أو حتى مشاريعهم التطوعية التي قد تكون طريقًا لريادة الأعمال.
الشباب السعودي لا يزال حلمه الأول هو الوظيفة المكتبية ذات المجهود الأقل والراتب الأكبر .. كيف ترى هذه المشكلة؟ وإلى أي مدى تغيرت؟
أؤيدك في ذلك؛ فمازلنا في “توظيف السعودية” نلمس هذا الواقع ، ونتلقى آلاف الطلبات من باحثين عن عمل يشترطون توفير وظائف مكتبية بشركات كبرى لتحقيق أعلى دخل شهري.
وأرى أن هذا الأمر يتطلب العمل على تغييره، ولكن بالبدء من مراحل التعليم المبكرة، بتشجيع الشباب على الالتحاق بالبرامج الفنية و التقنية، وكذلك تحفيز أصحاب الأعمال بإحلالهم محل الوافدين، مع إغلاق التخصصات التي يكتفي منها البلد.
فرص متاحة
ما مدى إقبال الشباب على المشروعات والوظائف؟ وماذا عن الفرص المتاحة؟
تعد المشروعات الحرفية ذات دخلٍ عالٍ جدًا في ظل التطور العمراني في البلاد، والفرص كبيرة جدًا؛ لكن للأسف الشباب بعيد عن هذا المجال الحافل بالفرص والأرباح ، فمثلًا في التمديدات الكهربائية للمنازل الجديدة تصل تكلفة المنزل الواحد إلى 30 ألف ريال؛ وبالتالي تعد فرص ثمينة جدًا لأصحاب مهنة الكهرباء.
وما أسباب بُعد الشباب عن المهن الحرفية؟
أعتقد أن هناك أكثر من سبب منها : منافسة الوافد الأجنبي خاصة في المهن الحرفية كبيرة، فأصحاب الأعمال غالبًا ما يفضلون عمل الوافد الأجنبي على السعودي، لعدة أسباب منها رخص الأجور والعمل لساعات طويلة، كما أن النظرة القاصرة من بعض أفراد المجتمع للعاملين في هذا المجال لاتزال موجودة.
وكيف نتغلب على هذه التحديات؟
يبدأ التغيير باستشعار الفرد مسؤوليته تجاه الوطن و تنميته، وأن الفرصة سانحة للدخول في المجالات الحرفية، كما أن للتعليم والأسرة والمجتمع دورًا كبيرًا في تشجيع الأفراد على العمل المهني، فمثلًا يجب تكريس تلك الرغبة في النشء في مراحل التعليم، مع التوسع في التعليم المهني، و إعداد فصول مهنية للتعرف على مهارات الطلاب، علاوة على دعم الأسرة والمجتمع للراغبين في امتهان المهن الحرفية، و إعطائهم الأولوية في المشاريع على الوافدين.
ريادة الأعمال في المملكة
كيف ترى حراك ريادة الأعمال في المملكة؟
أرى أن حراك ريادة الأعمال إيجابي جدًا، لذلك أمر خادم الحرمين الشريفين بإنشاء هيئة المنشآت الصغيرة و المتوسطة لتولي تطوير هذا الملف، مع ضرورة الاهتمام بالمشاريع الريادية ورواد الأعمال لأنهم أسباب ازدهار الاقتصاد؛ حيث تسعى المملكة حاليًا إلى تنويع مصادر الدخل غير النفطية بالاهتمام بريادة الأعمال التي تمثل جزءًا هامًا من رؤية 2030م.
وكيف ترى الدعم الحكومي المقدم لريادة الأعمال وللشباب رواد الأعمال؟
هناك جهات حكومية وشبه حكومية تقدم الدعم اللازم لشباب الأعمال، ولكن مازالت بعض الاشتراطات و السياسات تمثل عائقًا لهم، فيجب أن تكون هناك استثناءات لرواد الأعمال من بعض التغييرات المفاجئة التي تطرأ كماهي قرارات وزارة العمل والجهات المخولة بتقديم التمويل لتلك المشاريع وشروطها.
هناك جهات أصبحت نموذجًا رائعًا في تقديم دعمها لرواد الأعمال كمركز الملك سلمان للشباب و مؤسسة مسك الخيرية.
ما الذي ينقصنا لدفع العمل للأمام أكثر؟
ينقصنا التشجيع على ثقافة العمل الحر، وإنشاء مسرعات الأعمال في جميع مناطق المملكة، والدعم و المساندة القانونية والمحاسبية واللوجستية، علاوة على مساعدة أصحاب الأعمال في التسويق لمنتجاتهم، أو اعطائهم الأولوية في الحصول على المشاريع الحكومية أو بالشركات الكبرى، وتعزيز العلاقات مع الغرف التجارية ورجال الأعمال وتقديم العون والمشورة لرواد الأعمال.
هناك نكهة تطوعية في مشروعكم.. كيف ترى أهمية التطوع ودوره؟
بالفعل، فقد بدأت المبادرة بتطوع تام مني، بهدف خدمة الباحثين عن عمل، فالجهود التطوعية هي أساس نجاح مبادرة توظيف السعودية لخدمة أبناء الوطن. وأدعو الشباب للتطوع والإفادة من قدراته، فالمتطوع يكتسب خبرات كثيرة، ومدارك واسعة، ويتعلم مهارات جديدة كالعمل الجماعي بروح الفريق، والتعرف على أشخاص جدد، والإحساس بالذات والفخر والاعتزاز بعمله.
ما النجاحات التي حققتموها؟
شهادتي في نجاح “توظيف السعودية” قد تكون مجروحة، ولكن الإحصائيات الرسمية هي من تشهد بريادته في مجال التوظيف وتطوير الموارد البشرية؛ حيث تصل درجة تأثيره بالمجتمع السعودي 79 % حسب مقياس “كلاوت” الشهير؛ وبذلك ينافس كبرى الصحف المؤثرة بالمملكة. وبفضل الله، حققت المبادرة نتائج إيجابية في خلق فرص وظيفية للمتابعين، مع تطوير مهارات كتابة السيرة الذاتية والمقابلة الشخصية لديهم.
وباتت صفحاتنا موثوقًا بها؛ إذ نلنا العديد من التكريمات التي تعد تاجًا على رؤوسنا ، وتدفعنا للمزيد من العطاء والجهد، ومنها تكريم محافظ الأحساء صاحب السمو الأمير بدر بن محمد بن جلوي في يوم المهنة بجامعة الملك فيصل.
رؤية 2030
وماذا عن خططكم المستقبلية؟
نسعى للعمل جنبًا إلى جنب مع حكومتنا خادم الحرمين لتحقيق رؤية 2030، وإشراك العنصر الوطني وإعداده للمساهمة في دفع عجلة التنمية في البلاد، كما نعمل حاليًا على تطوير العديد من الخدمات في التدريب والإرشاد المهني، وتطوير الموارد البشرية، مع عقد شراكات ناجحة مع العديد من المؤسسات الحكومية و الشركات لإحلال السعوديين محل الوافدين، علاوة على التخطيط لإقامة معارض توظيف وعقد دورات تدريبية للباحثين عن عمل، والراغبين في تطوير مهاراتهم الفنية والإدارية. وبإذن الله ستكون هناك نسخ ناجحة من مشروع “توظيف السعودية” ستعمم على كافة دول الخليج.