لبّيت دعوة نقابة المهندسين للمشاركة في ندوة أقامتها للمفاضلة بين موقعين لاختيار مطار مدني جديد في دلتا مصر المحروسة. ذكر الخبراء أن 38% من المسافرين عبر مطار القاهرة من محافظات الدلتا، و35% من القاهرة الكبرى، ويتبقى 27% من المحافظات الأخرى كافة؛ لذا من الضروري تخفيف الضغط على القاهرة، وخدمة مسافري الدلتا الذين يحلمون بمطار دولي يليق بهم وبمصرهم الجديدة. أغلب الحضور -وأنا منهم- اختار موقعا ساحليا بمدينة جمصة، لتوافر أرض صحراوية شاسعة تمكن من تصميمه ليس فقط مجرد مطار، لكن كمشروع تنموي شامل للتنمية المستدامة في المجالات الصناعية والسياحية وتصدير المنتجات الصناعية بجمصة والمناطق الصناعية الأخرى بمحافظات بالدلتا، علاوة على المنتجات الزراعية من هذه المحافظات، إضافة إلى تسهيل سفر المواطنين والمستثمرين للخارج عن طريق هذا المطار والاستفادة من قربه من الطريق الساحلي الدولي لخدمة ستة محافظات محيطة.
الموقع الآخر المقترح هو المطار الحربي القديم في قرية شاوة قرب مدينة المنصورة، باستحداث صالتي سفر ووصول للمدنيين، بتكلفة أقل وسرعة إنجاز أسرع. طالب بعض الحضور بعدم الاقتراب من المطار الحربي لأهميته الاستراتيجية، ولمكانته في التاريخ المعاصر، وجال في خُلدي ذكريات يوم 14 أكتوبر 1973م عندما دفع العدو بعدد 120 طائرة مقاتلة في آن واحد لضرب المطارات المصرية بدلتا النيل في المنصورة وطنطا والصالحية، فتصدت لها 62 طائرة مقاتلة مصرية فقط، ودارت بينها اشتباكات متواصلة طوال 53 دقيقة، تم فيها إسقاط 44 طائرة إسرائيلية مقابل ست طائرات مصرية، وصار عيدا سنويا للقوات الجوية الباسلة. كنت حينها طفلا صغيرا، وعندما تعلو صوت صافرات الإنذار كان الجميع يهرع إلى الطابق الأرضي أو (المخابئ)، لكني كنت أتسلل إلى سطح المنزل مباشرة، لأشاهد بالعين المجردة في سماء هذا اليوم لوحات بديعة من الإثارة والمعارك، ولن أنس مشهد الصواريخ المصرية التي أصابت الطائرات الإسرائيلية وأسقطتها. وبعدها بفترة كان هناك معرض مبتكر أمام محافظة الدقهلية لأجزاء من طائرة إسرائيلية محطمة، وتسللت أنا وأصدقائي لنأخذ أجزاء منها ما زال بعضنا يحتفظ بها منذ 40 عاما وحتى الآن.
اختيار المواقع الاستراتيجية وحتى التجارية، صار يحكمه معايير علمية وفنية باستخدام التطبيقات التكنولوجية الحديثة، يعلمها أغلب رواد الأعمال الشباب. فبعد برامج الأرض والخرائط لـ”جوجل” Google Earth& Maps، ظهرت برامج مثل برنامج تحديد المواقع Geepeeyes، وخدمات جديدة عبر تطبيقات مثل فورسكوير وسوارم وييِلب Foursquare, Swarm and Yelp، وهي تتيح معرفة معلومات عن المواقع وزوارها من المستهلكين والسائحين، ومساعدة الآخرين على اتخاذ قرارات بالأماكن الجيدة للتسوق وتناول الطعام، وحتى النوم، أو الاسترخاء. أذكر عند سفري لأحد الدول بالعام الماضي، دخلت على فورسكوير لأقرأ ملاحظات النزلاء على الفندق الذي أقيم فيه، ففوجئت بنزيلة ألمانية كتبت: أن مقبض باب الفندق الخمسة نجوم مكسور، وكان تاريخ الملاحظة يعود لثلاثة شهور مضت، وكم كانت دهشتي عندما وجدت المقبض نفسه بالباب الذي وصفته ما زال مكسورا، وبالطبع كان مدير الفندق أكثر دهشة عندما أطلعته مازحا على هذه الملاحظة.
تندّر المصريون قديما بنكتة محطة المطار السري، ولن يكون ذلك واقعيا الآن، حيث صار العالم بأسرِه بتفاصيل شوارعه ومبانيه ومتاجره ومطاراته، واضحا جليا على شاشات الهواتف. لن يكون هناك أبدا مطار سري، وربما يتحول أحدهم إلى مطار مشترك مدني حربي، في قلب الدلتا بالقرب من عروس النيل مدينة المنصورة.