إن ريادة الأعمال ليست مهنة بحد ذاتها، بل هي طريقة تفكير من يطمحون إلى تغيير مستقبلهم ومستقبل العالم، على حد قول جاي كاواساكي:”إنها طريقة مختلفة، مبتكرة في التعاطي مع العالم والأشياء. ولا يمكن لأحد أن يدرك أنه رائد أعمال، إلا بعد أن يصبح كذلك”.
ولكي تُدرك أنك رائد أعمال، لابد أن تصبح كذلك بالفعل؛ ومن ثم فأنت بحاجة إلى التحرك الفعلي؛ بتحويل فكرتك إلى مشروع تجاري، فما الذي يمنعك من ترك وظيفتك المرموقة، والتي ربما جاهدت سنوات لتصل إليها ؟ ما الذي يمنعك من مطاردة شغفك وتحقيق حلمك؟
في الحقيقة، هو شيء واحد؛ هوالخوف من المجهول،والذي يُعد أحد أهم أسباب إعاقة رائد الأعمال عن إطلاق مشروعه الذي طالما حلم به.
ولأن الخوف هو العائق الأكبر، فيجب التخلي عنه بعدم التفكير فيما سيكون عليه الأمر لو نفذت مشروعك، والقيام بتنفيذه فعلًا؛ فذاك ما ينصح به الأخوان سحر وبوبي هاشمي؛ مؤسسا جمهورية القهوة، وكذلك الخبير جاي كاواساكي.
وهم فارغ
ليست الريادة حكرًا على أحد، وليس رواد الأعمال أشخاصًا أسطوريين، بل هم مثلك تمامًا، ولكنهم امتلكوا حس الجرأة والشغف بالمغامرة. فالريادة، إذًا، خيار مفتوح للجميع، يمكن لأي شخص أن يسلكه.
الريادة أمر مكتسب وليس فطريًا، وليست هناك جملة صفات يجب أن تنطبق على كل من أراد أو سمَّى نفسه رائد أعمال. ليس لدى رواد الأعمال ما يميزهم سوى أنهم التقطوا فكرة، ثم سعوا إلى تحويلها إلى واقع عبر ما يمتلكونه من أدوات وإمكانيات، فالريادة ” سلوك وتصرف أكثر من كونها سمة شخصية”، كما يقول بيتر دروكر.
وللأسف، يقول كثير من الكتب والمؤلفات عكس هذا، فتدّعي أن رائد الأعمال شخص نادر الوجود، فريد من نوعه، وربما تتطرف فتقول إنه فوضوي ولم يكمل دراسته… إلخ. ولا تمت هذه الإدعاءات إلى الواقع بصلة، وأسوأ ما فيها أنها تضع حاجزًا بين الناس وبين ريادة الأعمال؛ ما يقلل عدد رواد الأعمال، على الرغم من أننا بحاجة ماسة إليهم الآن، خاصة في ظل الأزمات الاقتصادية التي تجتاح العالم برمته، ومشكلات التضخم الآخذة في الازدياد، وتخلي الدول الوطنية عن سياسات التدخل، ورفعها يدها عن دعم من يجب دعمه.
إن ريادة الأعمال هي الخيار الأنسب المتاح حاليًا للخروج من المعضلة الاقتصادية الراهنة، فمشروعك أو فكرتك ربما تغير مستقبل العالم برمته وليس مستقبلك وحدك، فكن جسورًا، وأقبل على شغفك وبعزم لا يلين.
ربما تستغرب إن علمت أن رائد الأعمال فإنه لا يحتاج إلى خبرات لكي يسلك طريق الريادة الرحب، ليس هذا فقط، بل إن جهله بالمجال الذي يريد أن يعمل فيه شيء جيد تمامًا؛ إذ يمكّنه جهله من إدارة الأشياء المجهولة التي تقف في طريقه، والتي قد تصده خبرته عنها.مشروعك هو خير معلّم، وهذا يكفيك!.
وإذا ألقيت نظرة فاحصة على مشروع “جمهورية القهوة” ،وجدت أن مؤسسي المشروع لم يكن لديهما من مسوغات النجاح في المشروع سوى العزم والإصرار _ وهذا يكفي_ على إنجاح مشروعهما ومتابعة شغفهما. كان الأخوان سحر وبوبي يعملان في وظائف مرموقة؛ سحر كانت محامية وبوبي كان خبيرًا مصرفيًا، ولم تكن لديهما أدنى معرفة بسوق القهوة ولا ببيعها على الإطلاق. فقط لمعت الفكرة في رأسيهما، وقررا متابعتها حتى النهاية.
وقد مرّ الإثنان بكثير من الفشل والإحباط وخيبة الأمل، ولكن بالنجاح أيضًا، وهل تتصور أن حلم تغيير العالم أمر سهل؟!
لو استسلم الأخوان سحر وبوبي للخوف من المجهول ولزما شاطيء الأمان لما كان هناك وجود يُذكر لـ “جمهورية القهوة”، والأهم أنه لم يكن الأخوان قد تمكنا من تحقيق ذاتيهما، فما يجب أن تعلمه عن كل مشروع ريادي أنه امتداد لصاحبه، وأن نجاحه نجاح لصحابه على المستوى النفسي والمعنوي، وليس على المستوى الاقتصادي فحسب.
حاجتك فكرتك!
لعلك تقول الآن: أريد أن أصبح رائد أعمال، لكن ليس لديّ الفكرة التي يمكنني البدء من خلالها؟ دعني أخبرك أنه من الواجب عليك أن تبحث عن فكرتك بين ما تحتاجه، فـ “الحاجة أم الاختراع”.
فالأفكار الجريئة والتي تنطوي على قدر كبير من المغامرة تأتي هكذا دفعة واحدة، تغزو أدمغتنا وتسيطر على تفكيرنا فجأة ودون سابق إنذار.
لكن هناك من يقولون إنهم يريدون بالفعل البدء بمشروعهم الخاص، لكن ما ينقصهم هو الفكرة. حسنًا، ليست هذه مشكلة على الإطلاق، وإليك وجهة نظري؛ لما لا تحول حاجتك اليومية إلى فكرة ريادية؟ كيف ذلك؟ أنت مثلًا قاريء نهم وتسكن في منطقة ليس بها أية مكتبة أو دار نشر، لما لا تفكر أنت في إنشاء واحدة؟ _ هذه هي ” فجوة في السوق” التي يجب عليك أن تملأها _ هل تدري أن هذه كانت فكرة ” جمهورية القهوة”؟.
إذًا ليست المشكلة في إيجاد الفكرة، بل في كسر حاجز الخوف بينك وبين الريادة،وأن تتعلم أنك لن تخسر في المغامرة من أجل هدفك وتحقيق حلمك، فالتجربة خير معلّم. يجب أن يبقى هذا في ذهنك دائمًا.
ستكون مخطئًا إذا تصورت أن عليك الإتيان بفكرة جديدة لم يتوصل إليها أحد قبل أن تبدأ عملك الريادي؛ فمعظم رواد الأعمال عدلوا أفكارًا موجودة بالفعل. تذكر دائمًا أن هناك ما يسمى بـ ” مساويء المتحرك الأول ” فهذا الذي أتى بمنتج جديد تمامًا، سيحتاج إلى تأسيس المفهوم حوله من الصفر وتعلّم السوق؛ كل شيء يبدؤه من الصفر، وهذا أمر عسير جدًا، وربما يصده عن إكمال مشروعه.
كن زبون نفسك
ليس كافيًا أن تكون حاجتك فكرتك، بل عليك أن تكون زبون نفسك، وأن تكون المستهلك الأول لسلعتك؛ حتى تتمكن من اكتشاف عيوبها وفحصها جيدًا؛ حتى تصلح ما يعتريها من خلل وأخطاء. وبعد ذلك، تعلّم أن تقنع نفسك بهذا المنتج، فإن لم تفلح، فأقلع عن الفكرة؛ إذ ليس من الحكمة أن تسوق لمنتج أنت نفسك غير مقتنع به!
محمد علواني