شهدت عاصمة المملكة العربية السعودية «الرياض» انطلاق فعاليات الدورة الخامسة لـ «مبادرة مستقبل الاستثمار» تحت عنوان: «الاستثمار في الإنسانية»، في 26 أكتوبر الماضي؛ حيث استمرت الفعاليات على مدار 3 أيام، بمشاركة أكثر من 2000 بعثة، و5 آلاف مشارك من صناع القرار، وقادة شركات وصانعي سياسات ومستثمرين ومبتكرين من جميع أنحاء العالم.
وتُعتبر مبادرة مستقبل الاستثمار واحدة من أهم المنصات الدولية المتخصصة للنقاش، الذي يقوده كوكبة من الخبراء، وذلك بين القادة العالميين والمستثمرين والمبتكرين الذين لديهم القدرة على تشكيل مستقبل الاستثمار في العالم، كما تُركز المبادرة على استخدام الاستثمار لدفع فرص النمو، وتمكين الابتكار والتقنيات التكنولوجية الحديثة، ومواجهة كل التحديات الدولية.
في هذا السياق يُلقي موقع «رواد الأعمال» الضوء في التقرير التالي على أهمية مبادرة مستقبل الاستثمار وأبرز ما جاء في فعاليات الدورة الخامسة من هذه المبادرة.
مبادرة مستقبل الاستثمار
يرجع تاريخ إطلاق مبادرة مستقبل الاستثمار إلى مطلع الربع الأخير من عام 2017؛ حيث يديره صندوق الاستثمارات العامة وهو صندوق الثروة السيادية للمملكة العربية السعودية بقيمة 500 مليار دولار، وفي عام 2019 صدرت أوامر ملكية تقضي بتحويل المبادرة إلى مؤسسة أهلية تُعرف باسم «مؤسسة مبادرة مستقبل الاستثمار» وتكون ذات شخصية اعتبارية وتتمتع بالاستقلال المالي والإداري، وغير هادفة للربح ولها الأهلية الكاملة، ويكون مقرها الرئيسي في الرياض.
اقرأ أيضًا: هيئة موانئ السعودية.. إنجازات حوّلت المملكة إلى مركز لوجستي عالمي
بدأت فعاليات النسخة الأولى من مبادرة مستقبل الاستثمار في الفترة من 24 إلى 26 أكتوبر 2017، كما انطلقت أعمال الدورة الثانية في الفترة من 23 إلى 25 أكتوبر 2018، وتهدف المبادرة إلى المساعدة في جذب المزيد من رؤوس الأموال الأجنبية التي تُقدر بمليارات الدولارات، وهي تأتي ضمن خطط المملكة الرامية إلى إنهاء الاعتماد على صادرات النفط وتحقيق أهداف رؤية 2030.
أهداف مبادرة مستقبل الاستثمار
يتمثل الهدف الرئيسي لمؤسسة مبادرة مستقبل الاستثمار في توفير منصة متخصصة تقودها نقاشات وشراكات تضم مجموعة من الخبراء بين أكثر قادة العالم نفوذًا في مجال الأعمال والحكومة، وعلى مدى السنوات الخمس الماضية قامت المؤسسة بصياغة مستقبل الاستثمار العالمي من خلال برنامج تفاعلي يضم محادثات مع قادة عالميين، وطاولات مستديرة تنفيذية، وشبكات بين الرؤساء التنفيذيين وصناع السياسات في العالم.
وتحرص مبادرة مستقبل الاستثمار خلال الفعاليات على مناقشة عدد من القضايا المهمة؛ أهمها: مواجهة التحديات العالمية وتعزيز الابتكار وتحفيز فرص النمو، إلى جانب اكتشاف الحلول الرائدة التي تتصدى للتحديات المجتمعية والعمل على تشجيع الجهود الرامية إلى تحقيقها، كما تتطرق النقاشات أيضًا إلى مجالات الذكاء الصناعي والتحول الرقمي والعملات المشفرة وغيرها، وذلك بمشاركة واسعة من القادة والخبراء والمستثمرين والمبتكرين وأبرز الشخصيات الإعلامية من جميع أنحاء العالم.
فعاليات الدورة الخامسة
انطلقت أعمال الدورة الخامسة من مبادرة مستقبل الاستثمار في الفترة من 26 إلى 28 أكتوبر الماضي فيالرياض، وبدأت الفعاليات هذا العام تحت عنوان: «الاستثمار في الإنسانية»، بمشاركة واسعة تضم نحو أكثر من 300 متحدث وخبير من مجالات الأعمال والتعليم والحكومة؛ حيث ركزت المحادثات في اليوم الأول على القطاعات الناشئة مثل: الذكاء الاصطناعي والروبوتات والتعليم والرعاية الصحية والاستدامة.
وشملت المحادثات في اليوم الأول من أعمال الدورة الخامسة من المبادرة عددًا من الموضوعات المهمة، مثل: الاستجابة العالمية للوباء، وشكل الاقتصاد العالمي بعد الوباء، وتمويل الاستدامة، والعملات المشفرة وغيرها، وكان من بين المتحدثين البارزين كيرياكوس ميتسوتاكيس؛ رئيس الوزراء اليوناني، وخلدون خليفة المبارك؛ الرئيس التنفيذي والعضو المنتدب لشركة “مبادلة للاستثمار” ومقرها الإمارات العربية المتحدة، ولاري فينك؛ رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي لشركة “بلاك روك”، وديفيد سولومون؛ رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي لشركة “جولدمان ساكس”، ونظامي النصر؛ الرئيس التنفيذي لمشروع “نيوم”.
اقرأ أيضًا: مشاركة المملكة في إكسبو دبي.. برامج متنوعة ورؤية ملهمة
وشهدت الجلسة الحوارية الخاصة لرئيس الوزراء اليوناني، التي عُقدت خلال فعاليات اليوم الأول، حضور صاحب السمو الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز؛ ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع السعودي.
وفي هذا الصدد أكد كيرياكوس ميتسوتاكيس؛ رئيس الوزراء اليوناني، أن مبادرة مستقبل الاستثمار تصب لصالح الدول التي تعمل على الاستثمار، منوهًا بأنه جرى توقيع استراتيجيات مهمة مع فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية، كما أن الشرق المتوسط يستفيد كثيرًا من الغاز، مُشددًا على أهمية التوجه نحو الطاقة المتجددة والنظيفة، وعدم الاعتماد على الطاقة التقليدية لكي لا تتسبب بمشاكل أخرى تؤثر في التغيير المناخي، والحفاظ على البيئة والكائنات الحية، لافتًا إلى أهمية تصدير الخبرة والمعرفة للتعاون بين البلدان التي تسعى لذلك.
واستكمل ميتسوتاكيس حديثه قائلًا: «الجمهورية اليونانية تحرص على تحقيق الاستفادة القصوى من العقول البشرية في تلك الموضوعات، كما تريد الاستثمار الجيد الذي يجذب العوائد الممتازة، خاصة في مجال السياحة ببلاده، التي تعد من الروافد الاقتصادية المهمة للغاية»، مؤكدًا أن اليونان تحتاج إلى التفكير على المدى البعيد وتقديم إنجازات مقنعة؛ لأنها تمتلك رؤية طموحة.
من جانبه أكد لاري فينك؛ الرئيس التنفيذي لشركة “بلاك روك”، أن احتمالات وصول سعر النفط إلى 100 دولار للبرميل مرتفعة، وأرجع سبب الزيادة في الأسعار إلى السياسات قصيرة الأمد، مُشددًا على ضرورة تكثيف التعاون بين القطاعين العام والخاص لمواجهة تحديات عالمية مثل: تغير المناخ، موضحًا أن ثلثي اقتصاد العالم يعتمد على الأصول (المدارة)، وعلينا توظيف أشخاص لديهم القدرة على إدارة رؤوس الأموال بمسؤولية أكبر.
فعاليات اليوم الثاني
واصلت مبادرة مستقبل الاستثمار فعالياتها في اليوم الثاني على التوالي، بمشاركة صاحب السمو الملكي الأمير عبد العزيز بن سلمان؛ وزير الطاقة السعودي، ولورينزو سيمونيلي؛ رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي لشركة “بيكر هيوز”، ومات هاريس؛ الشريك المؤسس لشركاء البنية التحتية العالمية، والدكتورة جينيفر هولمغرين؛ الرئيس التنفيذي لشركة LanzaTech.
وركزت المحادثات في اليوم الثاني من فعاليات المنتدى على الاقتصاد الدائري للكربون، والتقنيات الخضراء، والسياحة المستدامة والرقمنة، والحوكمة البيئية والاجتماعية، والاستثمار في المساواة؛ حيث أكد المشاركون في المحادثات أنه يجب وضع 80 إطارًا لمعايير الحوكمة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات ومعايير إعداد التقارير، مُطالبين بضرورة تحسين الشفافية في تصنيفات الحوكمة البيئية والاجتماعية والدمج الكامل للشؤون المالية وغير المالية وإعداد تقارير عن الاستدامة وتقليل التحيز ضد الأسواق الناشئة لضمان استدامة أفضل للسوق بشكل عام ليتماشى مع الأنشطة الاقتصادية الأخرى بصورة أكثر اتساقًا مع أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة.
وفي سياق متصل أعلن بندر بن إبراهيم الخريف؛ وزير الصناعة والثروة المعدنية، عن إطلاق برنامج يهدف لتحويل نحو 4 آلاف مصنع من الاعتماد الكثيف على العمالة الوافدة إلى الأتمتة الصناعية الرقمية، وتوفير الوظائف النوعية للمواطنين.
اقرأ أيضًا: الاستراتيجية الوطنية للاستثمار وتعزيز النمو الاقتصادي
وتابع قائلًا: «إن فرص العمل في قطاعي الصناعة والتعدين في المملكة اليوم أفضل وأكثر من الفرص في الماضي، وأن القطاعين ستصنع فرصًا نوعية ومناسبة للشباب والشابات من أبناء وبنات الوطن.»، مُشيرًا إلى أهمية تزويد الكوادر الوطنية الباحثة عن عمل بالمهارات اللازمة للوظائف الحالية والمستقبلية في قطاعي الصناعة والتعدين، ودور برنامج تنمية القدرات البشرية في تحقيق ذلك.
وأوضح الخريف؛ خلال مشاركته في فعاليات مبادرة مستقبل الاستثمار، أن القطاع الخاص يؤدي دورًا مؤثرًا في عملية تطوير قطاعي الصناعة والتعدين، ومن المهم أن يكون منفتحًا وقابلًا للتغيير، بما في ذلك الاستعداد لتبني التقنيات الحديثة، واستقطاب أصحاب المهارات والابتكارات، مؤكدًا أن المملكة العربية السعودية تحرص على التوسع في استخدام تقنيات الثورة الصناعية الرابعة.
وشدد على أهمية التوسع في التقنية بما يُسهم في ريادة المملكة بالعديد من الصناعات على مستوى المنطقة، واستغلال موقعها الاستراتيجي لتصبح منصة لوجستيةً عالميةً، موضحًا أن التوجهات الاستراتيجية للوزارة تستند على مبدأ المرونة والتعافي والبحث عن فرص التطوير؛ من خلال تبني العديد من القطاعات؛ من بينها: الصناعات الدوائية وصناعة اللقاحات، وهو ما يتطلب بناء المزيد من المهارات والتوسع في استخدام التقنية.
فعاليات اليوم الثالث
ركزت فعاليات مبادرة مستقبل الاستثمار في اليوم الأخير على رأس المال الاستثماري والتمويل الرقمي والرعاية الصحية الرقمية والتعليم الرقمي والترفيه والسياحة والذكاء الاصطناعي وتطبيقاته في مجالات مثل: المركبات ذاتية القيادة والتقنيات الخضراء الناشئة، وذلك بمشاركة جون سيلبي؛ المدير العام لشركة Thiel Capital، وفادي علي غندور؛ الرئيس التنفيذي لـ WAMDA، ورونالدو مشاورم؛ نائب رئيس “أمازون الشرق الأوسط وشمال إفريقيا”، وأكاش شاه؛ كبير مسؤولي النمو في بنك “نيويورك ميلون”، والدكتور هاني عناية؛ رئيس الاستثمارات الخاصة في شركة “سنابل للاستثمار”.
وفي هذا الصدد عقد أحمد الخويطر؛ الرئيس التنفيذي للتكنولوجيا في “أرامكو” السعودية، جلسة موازية حول إنتاج الهيدروجين الأخضر منخفض الكربون؛ حيث أشار إلى التحديات وتكلفة الاستثمار وتوسيع نطاق التكنولوجيا، مؤكدًا أن تقنية احتجاز الكربون ممكنة وقابلة للتطوير في الوقت الحاضر، كما ضمت جلسة موازية أخرى مسؤولين تنفيذيين دوليين من صناعة الترفيه، الذين عقدوا حلقة نقاش حول مستقبل الترفيه في المنطقة والنمو السريع للجودة والمحتوى الأصلي في المنطقة.
وفي خضم فعاليات مبادرة مستقبل الاستثمار أكد خالد الفالح؛ وزير الاستثمار السعودي، أن المملكة العربية السعودية، وعلى الرغم من الضبابية في جائحة كورونا المستجد “كوفيد 19″، تقدمت بعد الجائحة وأثبتت مرونتها، لافتًا إلى أن المملكة جعلت الحفاظ على الوظائف أولوية لها، بالإضافة إلى الحفاظ على سلاسل الإمداد، مؤكدًا أن الاستثمار وسيلة لتحقيق أهداف رؤية 2030 وتحدي المشاكل الدولية، مبينًا أنه تم وضع استراتيجية استثمارية لكل القطاعات.
وتابع الفالح حديثه قائلًا: «تعمل المملكة على إعداد المواهب للوظائف الجديدة، وتستثمر في الشباب كما تعمل على الاستفادة من المصادر غير النفطية، وتوطين الوظائف في القطاع الخاص، إلى جانب دعمها للأتمتة».
جدير بالذكر أن مبادرة مستقبل الاستثمار تأتي هذا العام تزامنًا مع إطلاق الأمير محمد بن سلمان؛ ولي العهد السعودي، مؤخرًا، الاستراتيجية الوطنية للاستثمار، التي تُعد أحد الممكنات الرئيسية لتحقيق مستهدفات رؤية المملكة 2030.
اقرأ أيضًا:
- ذكرى البيعة السابعة.. إنجازات ريادة الأعمال في عهد الملك سلمان
- جامعة أم القرى تُطلق المؤتمر الدولي الأول «مكة في قلب العلوم».. تفاصيل
- منتدى الأعمال السعودي الإستوني وتعزيز نمو ريادة الأعمال
- ولي العهد: استثمارات الحزمة الأولى من «مبادرة السعودية الخضراء» تمثل 700 مليار ريال
- استراتيجية تحقيق أهداف رؤية 2030 والتنمية المستدامة