لم يكن أحد يتوقع ما حدث وما زال يحدث حتى الآن جراء تفشي فيروس كورونا (19-COVID)، الذي تجاوز حدود الدول وأغلق مدنًا بأكملها، وبطبيعة الحال فإن الأثر السلبي الذي أحدثه في قطاع الأعمال كبير جدًا، فالشركات والمؤسسات في مختلف القطاعات لم تكن تتصور انتشار الفيروس بهذه السرعة وتحوله لوباء عالمي يؤدي إلى توقف الأعمال والصناعات بشكل كلي أو جزئي بسبب الإصابة بالمرض أو للحد من الإصابة به، وأن التعاملات التجارية ستنخفض سواء بين الشركات (B2B) أو بين الشركات والأفراد (B2C) وتتقلص بشكل حاد عمليات الاستهلاك وتسود حالة من الركود في طلب الخدمات والمنتجات، وتتأثر منظومة التوريد.
وعلى الجانب الآخر، اضطربت شركات أخرى لم تتوقع ازدياد حجم الطلب على خدماتها التي تناسب المرحلة، كل هذا أدى إلى خسائر اقتصادية كبيرة في أسواق الأعمال.
ولو افترضنا أن فيروس كورونا (19-COVID) أو غيره سينتشر بين الدول في العام المقبل -لا قدر الله- وأنه سيسبب ما نعيشه الآن من أزمات خاصة في قطاع الأعمال والاقتصاد كيف سنتصرف حينها؟ وهنا أناقش الأمر من حيث تأثيره في قطاع الأعمال التجارية وليس من الجانب الطبي أو الاجتماعي، فكثير من الشركات والمؤسسات لم تكن مهيأة لمثل هذه الأزمة وصُدمت مما حدث وما زال يحدث وبعضها تعطل بشكل كامل أو اكتفى بمراقبة ما يحدث ويترقب توقفه وعودة الحياة لطبيعتها من جديد، لكن ما حدث ويحدث يستحق أن تفكر كل شركة في صحة مسار العمل لديها، ولو كانت اليوم غير مستعدة، فيجب أن تكون مستعدة مستقبلًا؛ من خلال اتخاذ خطوات جريئة وسريعة تصوّب مسارها وتحسن من أدائها أثناء الأزمات، وأقدم هنا بعض النصائح لذلك:
أولًا: تطوير وتفعيل خطط واستراتيجيات إدارة المخاطر داخل الشركات بمختلف أحجامها، والتي تستوعب مثل هذه الأزمات والكوارث والإسراع في أخذ التدابير الاحترازية التي تمس آلية العمل والإنتاج والموظفين ومختلف جوانب العمل، حتى قبل القيود والآليات التي تفرضها الحكومات.
ومن أعظم المخاطر التي قد تصيب الشركات تلك التي تمس الموظفين بشكل مباشر، سواء من خلال إصابتهم بالمرض أو احتمالية تأثرهم بالعدوى وتطبيق إجراءات الحجر الصحي، فينبغي للشركات التهيأ للتعامل مع الموظفين المصابين بحرفية من خلال تفعيل سياسات الإجازات المرضية وتعزيز معنوياتهم ومقاومة عمليات التنمر التي قد تحدث ضدهم، وتطبيق الإجازات الوقائية على الأصحاء بهدف المحافظة على صحتهم، وإيجاد البدائل لمتابعة الإنتاج.
ومن المخاطر والتحديات التي يجب أن تواجهها الشركات بحكمة وإجراءات سريعة اختلال ثقة المستهلكين بالمنتجات والخدمات المقدمة لهم أثناء الأزمات، خاصة الأزمات الصحية التي تجعل لديهم شكًا في اتخاذ الشركات للإجراءات التي تحافظ على صحتهم في حال شرائها، وهنا ينبغي على الشركات تعزيز الثقة لدى المستهلكين من خلال تطبيقها لأعلى المعايير التي تساهم في المحافظة على صحتهم وإخبارهم بذلك.
ثانيًا: توظيف التقنية في الشركات بالشكل الذي يحوّل إجراءاتها التقليدية إلى رقمية بالطريقة الصحيحة وفق احتياجها، ويساهم في جعل جميع فريق العمل متصلين وفاعلين من أي مكان، واليوم لسنا بحاجة لإعطاء دلائل وسرد مبررات كثيرة حول أهمية تفعيل التقنية وإدخالها للمجتمعات والحكومات والشركات وعدم الاقتصار على مجرد الاستخدام الشكلي، فقد بدا واضحًا دور التقنية الكبير في مكافحة تفشي فيروس كورونا (19-COVID) وتحديدًا ما بادرت به الصين من تفعيل كبير لدور التقنية في ذلك.
يأتي هذا التفعيل الحقيقي عندما تبدأ الإدارات في الشركات في إدراك وتبني فكرة أن التقنية هي حجر الأساس في العمل، وأنه لا بد من التفكير في التقنيات التي تخدم العمل قبل التفكير في المقاعد التي سيجلس عليها المدراء والموظفون.
ثالثًا: تدريب الموظفين على آليات وتقنيات العمل عن بُعد، خاصة في منطقتنا العربية التي لم تعتد هذا الشكل من العمل، حتى لا يحصل تخبط وعدم إنتاجية لعدم معرفة الموظفين بآلية العمل عن بُعد أو عدم انسجامهم معها، يتم ذلك من خلال تعزيز ثقافة العمل عن بُعد وتعزيز المسؤولية تجاه العمل خلالها، وحتى تحقق الشركات الكفاءة المرجوة من العمل عن بُعد فيمكنها تطبيق العملية كتجربة أثناء العمل الرسمي بإعطاء الموظفين أيامًا محددة يعملون فيها عن بُعد لقياس مدى نجاح التجربة وفعاليتها في تحقيق الإنتاجية، وما هي التحديات والمصاعب التي يخضعون لها أثناء تطبيق التجربة؟ خاصة أن آلية العمل هذه أصبحت أمرًا واقعًا خلال تفشي الفيروس.
رابعًا: الاعتماد على الإنترنت بشكل أكبر في تقديم المنتجات والخدمات أو جزء منها، وتفعيل الخدمات المتنقلة التي تُقدم للمستهكلين في أماكنهم.
خامسًا: عدم الاعتماد على مورّد وحيد، سواء كان دولة مثل الصين أو على مستوى شركة، وتنويع الدول والشركات التي يُعتمد عليها في التصنيع واستيراد احتياجات العمل منها؛ لأنه لو توقف العمل لدى هذا المورد فكل ما لديك سيتوقف حتى تجد البديل إن استطعت تحمل خسائر هذا التوقف، وتتضح حجم الكارثة من خلال الدراسة الاستقصائية التي أجراها معهد إدارة التوريد (Institute for Supply Management) الذي خَلُص إلى أن 75% من الشركات الأمريكية تعطلت لديها سلاسل التوريد بسبب اعتمادها على التوريد من الصين، و60% من الشركات واجهت تأخرًا في الحصول على طلباتها من الصين، و53% واجهت صعوبات في الحصول على معلومات من الصين أثناء تفشي الفيروس لديها.
سادسًا: الاستعداد للابتكار والتطوير، الذي يسمح للشركات بمواجهة الأزمات والمشاركة في حلها، فمع أن الأزمات والكوارث تمثل حالة سلبية في حينها إلا أنها من منظور آخر تمثل حالة إيجابية تسمح بتولد اقتصاديات جديدة وابتكار منتجات وأدوات قادرة على مواجهة التحديات والأزمات وتسهيل حياة الناس وتطوير تقنيات أكثر اعتمادًا على الإنترنت والذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء، كما رأينا ذلك بوضوح في تطوير وتفعيل المنتجات الرقمية التي تم استخدامها في المجال الطبي وتقنيات العمل عن بُعد والتعليم الإلكتروني من المنزل وتبادل وتحليل البيانات والخدمات اللوجستية وغيرها من المجالات.
إن ما أحدثه تفشي انتشار فيروس كورونا (COVID-19) من أزمات ومن خوف وقلق على ما نملكه في حاضرنا حتمًا سيغير بشكل كبير نمط حياتنا ونمط الأعمال التجارية مستقبلًا، وسوف يبقى من يستطيع مواجهة التغيير.
م. محمد منير راجح
مدير تطوير المشاريع الرقمية وعمليات التسويق في شركة “كامل لتكنولوجيا الأعمال”
المملكة العربية السعودية، مدينة الخبر