لم يعد الذكاء الاصطناعي (AI) خيارًا ثانويًا للمؤسسات التي تسعى للحفاظ على قدرتها التنافسية. فمن أتمتة مسارات العمل الروتينية إلى فتح آفاق جديدة للنمو، يمتلك الذكاء الاصطناعي القدرة على إعادة تعريف صناعات بأكملها. لكن إليك الحقيقة غير المريحة: العديد من مشاريع الذكاء الاصطناعي في المؤسسات تفشل في تحقيق تأثير ملموس.
في دراسة نُقل عنها على نطاق واسع، أفادت معهد “ماساتشوستس” للتكنولوجيا (MIT) مؤخرًا بأن 95% من مشاريع الذكاء الاصطناعي التوليدي لا تحقق قيمة كبيرة. كما وجدت “إس آند بي جلوبال” (S&P Global) أن 42% من الشركات تخلت عن معظم مبادراتها في مجال الذكاء الاصطناعي في عام 2025.
هذا الرقم يمثل أكثر من ضعف ما كان عليه في العام الماضي. كما يؤكد المسح العالمي لـ”بي سي جي” (BCG) هذه النتيجة: 26% فقط من المؤسسات تنجح في تجاوز مرحلة إثبات المفهوم (proofs of concept).
إذًا، هل الذكاء الاصطناعي مجرد إخفاق؟ نحن نقول لا. ليست التكنولوجيا هي التي تفشل؛ بل المنهجية المتبعة.
لماذا تفشل مشاريع الذكاء الاصطناعي؟
لماذا تفشل مشاريع الذكاء الاصطناعي – وكيف تضيء أبحاث “APQC” الموثوقة الطريق للمضي قدمًا
غالبًا ما ينبع الفشل ليس من إمكانات الذكاء الاصطناعي؛ بل من عدم وضوح الإستراتيجية وغياب التركيز. كما أن هناك قواسم مشتركة لمشاريع الذكاء الاصطناعي غير الناجحة:
- توقعات غير واقعية: أدت الضجة الهائلة المحيطة بالذكاء الاصطناعي إلى استثمار العديد من الشركات بكثافة دون فهم واضح لقيود التكنولوجيا والموارد اللازمة للتنفيذ الناجح.
- الافتقار إلى نموذج عمل واضح: في كثير من الأحيان، تكون مشاريع الذكاء الاصطناعي مدفوعة بالتكنولوجيا بدلًا من أن تكون مدفوعة بالعمل. بدون مشكلة محددة جيدًا لحلها ومقياس واضح للنجاح، تكون هذه المبادرات محكومة عليها بأن تصبح “مشاريع علمية” مكلفة.
- ضعف أساسيات البيانات والعمليات: إن تطبيق الذكاء الاصطناعي على مسارات عمل معطوبة وبيانات رديئة هو وصفة للفشل.
- فجوات المهارات وعدم إدارة التغيير: بدون إعادة تأهيل الموظفين ومعالجة كيفية تغيير العمل نفسه، تتوقف المشاريع وتُرهق الموظفين.
كما حددت أبحاث “APQC” هذه المخاطر في الوقت الذي بدأ فيه الذكاء الاصطناعي بالصعود. ففي دراستنا “التحديات والفرص وعوامل النجاح الحاسمة للذكاء الاصطناعي”. سلطنا الضوء على أن دعم الإدارة التنفيذية. غلاوة على وجود خطة منظمة لإدارة التغيير. والتركيز المخصص، هي عوامل حاسمة لنجاح الذكاء الاصطناعي.
وبالمثل، في دراستنا “التقنيات الناشئة لإدارة المعرفة: الذكاء الاصطناعي”، شددنا على الدور الحيوي الذي تلعبه إدارة المعرفة في مواءمة جهود الذكاء الاصطناعي مع الإستراتيجية والقدرة المؤسسية لضمان النجاح.
في الواقع، لقد رأينا مرارًا وتكرارًا كيف تعثرت المؤسسات في نفس المخاطر عند محاولة تبني تقنيات جديدة دون الالتزام بأفضل الممارسات المُثبتة.
وكما هو الحال مع التحولات التقنية الكبرى الأخرى، يتطلب الاستعداد للذكاء الاصطناعي عمليات مبسطة، وممارسات جيدة لإدارة البيانات، وتجهيز الأفراد للتغيير.
طريقة أفضل.. منهجيتنا الإستراتيجية لتبني الذكاء الاصطناعي
لقد أظهرت أبحاثنا على مر السنين باستمرار أن المؤسسات تنجح عندما تمتلك أساسًا قويًا من العمليات المحددة جيدًا بناءً على “المبادئ السبعة لإدارة العمليات” (Seven Tenets of Process Management) الخاصة بـ”APQC”. وانطلاقًا من خبرة “APQC”، إليك إطار عمل للانتقال من الضجيج إلى جني الثمار؛ ما سيساعدك على تجنب الأخطاء الشائعة التي تحكم على مشاريع التحول التقني بالفشل:
- حدد حالات الاستخدام الضيقة وذات القيمة العالية: حدد عمليات الأعمال المحددة والمؤثرة التي تكلف الشركة الوقت والمال وتفوت عليها الفرص.
- ركِّز على النجاح القابل للقياس: طوّر ونفّذ الذكاء الاصطناعي؛ حيث يكون من السهل قياس التحسن.
- قيّم البيانات وقم بتصحيحها أولًا: خصص الوقت اللازم مُسبقًا لضمان وجود بيانات موجزة، يسهل الوصول إليها، وتخضع لحوكمة جيدة قبل تطبيق الذكاء الاصطناعي.
- أعِدْ برمجة العمل، لا تكتفِ بإضافة روبوت: تظهر القيمة بشكل أكبر عند إعادة تصميم مسارات العمل، والأدوار، وتسليم المهام. وليس عند إضافة روبوت محادثة لعملية غير فعالة.
- ابدأ صغيرًا، ونَمُ كبيرًا: ابدأ على نطاق صغير، وقم بالتكرار بسرعة. أنشئ حلقات ملاحظات لتحسين تطبيقات الذكاء الاصطناعي باستمرار. يستغرق تطوير المهارات والخبرة وقتًا، وهذا ينطبق أيضًا على المؤسسة بأكملها. تعلّم المشي قبل محاولة الركض.
- عزّز ثقافة الابتكار والتعلم: شجع الموظفين على تجربة أدوات الذكاء الاصطناعي في بيئة محكومة لبناء الألفة والخبرة والثقة.
- أدِر التغيير: يعد التواصل والتدريب والتتبع وإعادة التقييم عناصر ضرورية.
للاطلاع على تطبيقات عملية لهذه المبادئ، انظر مجموعة APQC حول “الذكاء الاصطناعي لإدارة المعرفة”. والتي تتضمن دراسات حالة حديثة مثل “الذكاء الاصطناعي في العمل: تحويل التقاط المعرفة واسترجاعها” و”كيف تدعم إدارة المعرفة حلول الذكاء الاصطناعي في مؤسسة نوفارتيس (Novartis)”.
الذكاء الاصطناعي قدرة عمل أساسية.. ليس مشروعًا للمظاهر
يجب دمج الذكاء الاصطناعي في نسيج طريقة عمل المؤسسات، إنه ليس مبادرة لمرة واحدة. بل قدرة تلامس كل وظيفة، وكل دور، وكل قرار.
نحن لا نتحدث عنه فحسب؛ بل نطبقه. فمن قياس جاهزية الذكاء الاصطناعي إلى تطوير برامج الاعتماد في سرد قصص الذكاء الاصطناعي والقيادة الفكرية. تساعد “APQC” أعضاءها على تحديد وبناء المهارات والإستراتيجيات والأنظمة اللازمة للازدهار في عصر الذكاء الاصطناعي.
علاوة على ذلك، فإن المؤسسات الناجحة لا تضيف الذكاء الاصطناعي لمجرد الإضافة. بدلًا من ذلك، تتعامل معه كقدرة أساسية لمعالجة مشاكل حقيقية وقابلة للتحديد.
لا تسأل: “كيف يمكننا استخدام الذكاء الاصطناعي؟”
اسأل بدلًا من ذلك: “كيف يمكن للذكاء الاصطناعي أن يحل هذه المشكلة التجارية على نحو قابل للقياس؟”
كما تقدم مجموعة الأبحاث حول الذكاء الاصطناعي التابعة لـ”APQC” أطر عمل لدمج الذكاء الاصطناعي في اتخاذ القرارات، وتجربة العملاء، وخلق القيمة. وكمثال، تظهر مجموعتنا حول “توجهات الذكاء الاصطناعي في وظيفة التمويل” كيف ترتبط عمليات نشر الذكاء الاصطناعي الناضجة بالأهداف الإستراتيجية والتحسين المتكرر.
ذكاء اصطناعي.. مقاس ومتمحور حول الإنسان ومدفوع بالأعمال
إن وعد الذكاء الاصطناعي حقيقي، لكن كذلك خطر إهدار الاستثمار. العامل المميز ليس الميزانية أو الضجيج؛ بل الانضباط والتوجيه. لرؤية النجاح في تبني الذكاء الاصطناعي، خاصة على المدى الطويل، يجب على المؤسسات:
- ترسيخ الذكاء الاصطناعي في نتائج أعمال قابلة للقياس.
- التأكد من أن البيانات ومسارات العمل متينة قبل إضافة أدوات الذكاء الاصطناعي.
- حل مشاكل عمل محددة بحلول موجزة يمكن توسيع نطاقها مع مرور الوقت.
- إعطاء الأولوية لإدارة التغيير وتطوير المهارات لمساعدة الفرق على تبني الذكاء الاصطناعي كقدرة أساسية.
من خلال ترسيخ الذكاء الاصطناعي في إستراتيجية الأعمال والسياق البشري، لن تنجو المؤسسات من عصر الذكاء الاصطناعي فحسب؛ بل ستقود فيه.
بقليم: Harry Scarborough
المصدر: apqc



