بصحبة بعض الأصدقاء، سألني أحد الأساتذة: هل برامج ريادة الأعمال بالجامعة تُعزز بالفعل ريادة الأعمال؟
كان يُلمِّح إلى عدم جدوى تدريس ريادة الأعمال بالجامعة، وتأثيرها الضعيف في هذا الصدد. وافقه قليلون، وعارضه كثيرون، وأنا منهم.
سارع رجل أعمال من الحضور المرموقين بقوله: أتمنى لو كنت قد تعلمت ريادة الأعمال قبل أن أمتلك أولى مشروعاتي؛ فقد خسرت في البداية؛ لجهلي الكثير من فنون ومهارات ريادة الأعمال؛ فكان عليّ مواصلة الليل بالنهار لأبقى على قيد الحياة.
أخبرته أن تعليم ريادة الأعمال لا يقتصر مثلًا على الجوانب المحاسبية والتسويقية والإدارية والقانونية فحسب، بل هو أشمل وأوسع من ذلك؛ إذ يهدف إلى تغيير عقلية الطلاب، ودفعهم بهدوء نحو التغيير الإيجابي، خاصةً عندما يتعلمون أدوات الإبداع والابتكار، ويكتسبون مهارات عديدة؛ مثل: القيادة، والتخطيط الاستراتيجي، والاتصال، والتفاوض، والعمل الجماعي، والعمل تحت ضغط، وصناعة واقتناص الفرص، والانتماء للوطن وحل مشكلاته من خلال ريادة الأعمال الاجتماعية.
أضف إلى ما سبق، مهارات تصنيف وتقييم المخاطر، وتقبُل الآخر، والثبات الانفعالي، ومهارات العرض والتقديم، والذكاء العاطفي، وحل المشكلات، واتخاذ القرارات، والتنبؤ ببيئة الأعمال.
هذا غيضٌ من فيض، سيؤدي حتمًا لإثراء شخصية الطلاب في هذه المرحلة المفصلية من أعمارهم؛ فلديّ بالفعل قائمة برواد الأعمال الناجحين بالبلدان العربية، كانت بدايتهم من مرحلة التعليم الجامعي؛ إذ تستطيع الجامعات القيام بدور حيوي في بزوغ رواد أعمال جدد، بجانب دورها الأساسي في نشر المعارف العلمية والتكنولوجية.
وقد سبق، وطرحت هنا فكرة نبعت من تأملي لواقع ما يُسمى “برنامج التدريب الصيفي” في معظم البلدان العربية؛ وهو أحد متطلبات التخرج في بعض الكليات العملية بالجامعات؛ حيث يُنفذ سنويًا منذ عشرات الأعوام، ويتضمن قـيـام الطلاب بقــضـاء فترة تـدريب في جهة حكومية، أو شركة وطنية لعدة أسابيع؛ بهدف دعم قدراتهم، وتحسين مهاراتهم الشخصية والعملية، بما يعزز من مهاراتهم “الوظيفية” والنهوض بها.
صمم البرنامج لتأهيل الطلاب المتدربين كـ “موظفين” في المستقبل، بالرغم من وجود شريحة أخرى من الطلاب، لديهم أحلام وأفكار “ريادية” ورغبة في الانخراط في عالم ريادة الأعمال، وتوظيف أنفسهم بأنفسهم؛ من خلال بدء مشروعاتهم الناشئة.
من هنا اقترحت تطبيق برنامج، أطلقت عليه “الريادي الجامعي”؛ وهو مسار إضافي، يمكن أن يسلكه طلاب الجامعات لاستثمار هذه الأسابيع في بلورة أفكار مشروعاتهم؛ وذلك بمساعدة أساتذة مختارين من كلياتهم وكليات أخرى في نفس الجامعة؛ ليُعد كلٌ طالب مشارك خطةَ عمل لمشروعه، أو نموذجَ عمل أوَّليًا يمكن تطويره من خلال التحاقه فيما بعد بحاضنة أعمال أو حاضنة تكنولوجية، أو مساعدته بالتقدم لجهة تمويل؛ لبدء مشروعه مباشرة بعد التخرج.
أخيرًا، أدعو كل طالب أن يغتنم مرحلة عمره “الذهبية”، باكتساب مهارات جديدة ومحددة، تبعًا لشغفه وتخطيطه للمستقبل بأهداف واضحة، وليبدأ في الإبحار وتنفيذ هذه الأهداف، مستخدمًا “بوصلته الداخلية” في تحديد اتجاهه؛ حتى لا يندم بعد مرور أعوام كثيرة إذا ما وصل لمِرفأ لا يرغبه.
اقرأ أيضًا:
رنولد بيتر.. رائد الشحن البحري
كيف يستفيد رواد الأعمال من إيلون ماسك؟