يتساءل عادةً بعض رواد الأعمال الناشئين عن الأدوات التي يمكن الاستعانة بها من أجل زيادة المبيعات والتأثير على السلوك الشرائي للعملاء لإقناعهم، وهو ما يجعلنا بدورنا كمستهلكين نتساءل لماذا نشتري ما نشتريه؟
وفي حين، يعتقد معظمنا أن السلوك الشرائي الخاص بنا هو أمر منطقي، لكن الأبحاث النفسية تظهر أن الأرقام، والألوان، والصور، والتفاصيل التي قد تبدو صغيرة يمكن أن تؤثر وبشكل عميق على ما نشتريه، ولا أحد يفهم هذه الحقيقة أفضل من الدكتور “روبرت سيالديني”، الأب الروحي للتأثير، وأحد مؤسسي العلوم السلوكية التطبيقية.
لقاء مع العراب
قبل نحو شهرين، التقيت أنا وزوجتي بالدكتور “سيالديني” في حدث استمر لمدة يومين في “فينيكس”، بولاية “أريزونا”، للاحتفال بالذكرى الأربعين على إصدار كتابه الأكثر مبيعًا، “التأثير: علم نفس الإقناع”.
وهذا الكتاب، الذي ترجمه الناشرون إلى 44 لغة، وباع منه 6.1 مليون نسخة، ويعتبره “وارن بوفيه” وغيره من كبار الأثرياء واحدًا من أفضل كتب الأعمال المكتوبة على الإطلاق.
كان الحدث بمثابة فرصة لتعلم الاستراتيجيات الأخلاقية القائمة على الأدلة لبناء المزيد من المصداقية وتعزيز زيادة المبيعات، وتعميق العلاقات والتأثير على الأشخاص، وهي رؤى يمكن لأي رائد أعمال الاستفادة منها.
وأطلعنا أيضًا على كيفية اكتشاف الحالات التي قد تستخدم فيها الشركات أو الأشخاص مبادئ الإقناع بشكل غير أخلاقي للتلاعب بالمستهلكين للقيام بأعمال منافية ليست في مصلحتهم.
وتحدث أيضًا أحد الشخصيات المفضلة لدي في هذا الحدث وهو الدكتور “كريس فيلبس”، طبيب الأسنان العام، ومؤلف الكتب الأكثر مبيعًا على موقع أمازون، ورجل الأعمال الذي يشغل الآن منصب الرئيس التنفيذي لمعهد “سيالديني” لأمريكا الشمالية، وهو أيضًا واحد من ٢١ شخصًا فقط في جميع أنحاء العالم يحملون شهادة المدربين المعتمدين من Cialdini Method.
وسبق وأعاد الدكتور “فيلبس” إحياء العيادتين اللتين أمتلكهما لطب الأسنان في “شارلوت” بولاية “نورث كارولينا”، والذي تمكن من تحويل خسارتهما مما يقرب من نحو ٣٥ ألف دولار شهريًا إلى كسب أرباح بقيمة ٤ ملايين دولار في عامين من خلال تطبيق مبادئ الدكتور “سيالدني”.
ولا يخفى على أحد أن نجاح الدكتور “فيلبس” لم يرجع لاستخدامه الإقناع فحسب، ولكن لاستعماله استراتيجية الإقناع المسبق، لذا؛ دعونا نلقي نظرة على هذه الاستراتيجية وكيف يمكنك تطبيقها في عملك لتعزيز النمو؟.
قوة ما قبل الإقناع
يوضح الدكتور “سيالدني” في كتابه “ما قبل الإقناع: طريقة ثورية للتأثير والإقناع”، (سايمون وشوستر، ٢٠١٦)، أنه في حين أن الإقناع يدور حول إقناع شخص ما بتبني معتقد أو سلوك، فإن الإقناع المسبق يدور حول التأثير على سياق شخص ما أو عقليته قبل عرض المنتج أو الخدمة أو الرسالة عليه.
بمعنى آخر، يدور الإقناع المسبق حول تهيئة الأفراد ليكونوا أكثر تقبلاً لرسالتك حتى قبل تسليمها (أي زيادة المبيعات في نهاية المطاف) على سبيل المثال، أجرى الباحثون دراسة كشفت عن قوة الموسيقى داخل المتجر في اختيارات الشوكولاتة.
وفي الدراسة، زادت مبيعات الشوكولاتة الفرنسية بنسبة ٧٦٪ تقريبًا عندما قام الباحثون بتشغيل الموسيقى الفرنسية ورشوا العطور الفرنسية حول المتجر، ومع ذلك، كشف استبيان للعملاء أنهم لا يعتقدون أن الموسيقى أثرت على سلوكهم الشرائي.
وأظهرت الدراسة قوة الإشارات المسبقة المقنعة في تشكيل قرارات المستهلك وتفضيلاته، إذ وضعت الموسيقى والعطور الفرنسيتين المتسوقين في عقلية فرنسية قبل أن يشتروا الشوكولاتة الفرنسية، وهو ما شكل اختياراتهم دون وعي.
تطبيق “فيلبس” لاستراتيجية مماثلة في ممارسته لطب الأسنان
إذا دخلت إلى عيادة دكتور “فيلبس” لطب الأسنان للحصول على موعد اليوم، فلن ترى قنوات “فوكس نيوز” أو “سي إن إن” تعرض على التلفزيون في غرفة الانتظار؛ لأن عناوين الأخبار عادةً ما تكون سلبية.
كما أن سماع انخفاض مؤشر” داو جونز” بمقدار ٢٧٥ نقطة يمكن أن يعزز المخاوف المالية لدى المرضى؛ ما يدفعهم إلى الإفراط في المحافظة على أموالهم، الأمر الذي يؤدي بدوره إلى تجنبهم الاستثمار في صحة الفم، والمماطلة في الرعاية الوقائية، ما قد يؤدي إلى ارتفاع التكاليف الطبية وتكاليف طب الأسنان لاحقًا.
إذن ما الذي يعرض في غرفة انتظار دكتور “فيلبس” بدلًا من الأخبار؟
حسنًا، إنه يعرض بعض البرامج التي تهتم بالشؤون المنزلية، وتحديدًا برنامج تجديد المنازل الشهير “فيكسر أوبر” الذي يستضيفه “شيب” و “جوانا جاينز”؛ لأنهما وفي كل حلقة تساعد عائلة “جاينز” مشتري المنازل على تحويل القديم والمتهالك منها إلى منازل الأحلام.
إن وجود عرض مثل هذا على شاشة التلفزيون يمكن أن يضع المرضى وغيرهم من الأشخاص في عقلية أكثر إيجابية، عقلية أكثر تقبلًا للتجديد والترميم حتى لو لم يشاهدوا العرض بوعي لأنهم منشغلين بملء الأوراق.
وفي حين أن طبيب الأسنان يقوم بترميم الأسنان بدلًا من المنازل، فإن الرسالة الأساسية هي أن الأمر يستحق استثمار الوقت والاهتمام والمال والطاقة في تجديد الأشياء المهمة.
بالطبع، تعمل هذه الرسالة على تأهيل المرضى ليكونوا أكثر تقبلًا أثناء المحادثة حول خيارات العلاج، وإعدادهم ليكونوا أكثر استباقية بشأن الرعاية الوقائية.
الإقناع بالإقناع المسبق
يعد حث عملائك على استخدام منتجاتك أو خدماتك من خلال الإقناع المسبق أمرًا قويًا عند استخدامه بشكل أخلاقي وفعال، على سبيل المثال، في ممارستي للتدريب المهني، أبدأ نظرة عامة على الخدمة بصفحة واحدة مع الجملة التي قمت باقتباسها من “وارن بافيت” وهي: “أفضل استثمار تقوم به هو الاستثمار في نفسك”.
لماذا؟ لأنه يهيئ العملاء المحتملين لرؤية إنفاق الأموال على حياتهم المهنية ونموهم المهني كاستثمار وليست كمصروفات، الاقتباس هو خطوة نحو إعادة صياغة وجهة نظرهم، وحتى تبدأ بتطبيق استراتيجية ما قبل الإقناع، اطرح على نفسك الأسئلة الثلاثة التالية:
1- ما العقلية الأكثر فائدة بالنسبة للعملاء المحتملين قبل رؤية منتجي، أو خدمتي، أو رسالتي؟
2- هل سيكون تبني هذه العقلية في مصلحة العميل، أم العميل المحتمل؟
3- ما الصور أو الكلمات أو علامات الاقتباس التي يمكنني تضمينها في متجري، أو ضماناتي التسويقية، أو موقع الويب الخاص بي لمساعدة الأشخاص على تبني هذه العقلية؟
وسواء كنت تبيع الشوكولاتة الفرنسية أو القشرة الخشبية أو أي منتج آخر، فإن استراتيجية الإقناع المسبق يمكن أن تجعل عملاءك في عقلية متقبلة لمنتجك، أو خدمتك، أو رسالتك قبل بدء الشراء بوقت طويل، إنها تمكنك وبحق على أن تفوز بالمعركة حتى قبل أن تخوضها، ومن ثم تحقق الهدف النهائي المنشود وهو زيادة المبيعات.
بقلم / نيي كودجو
المقال الأصلي: هنا