لعل الذي أضفى على حياة الفيلسوف الروماني الرواقي وخطيب روما الأشهر “سينيكا” نوعًا من الزخم والثراء أنه عاين خلالها أوضاعًا وأحوالًا شتى، من فقر، وغنى، ومعاناة الموت، والفشل في الكثير من علاقاته الاجتماعية.. إلخ، ومن ثم أتي سؤال: كيف يساعدك “سينيكا” في تنظيم وقتك؟
وكان “سينيكا” مهمومًا، طوال الوقت وخلال مراحل حياته المختلفة، بفكرة الوقت، بما فيها فنائه، وعلاقة ذلك بفناء الكائن البشري ذاته، وأتت هذه الهموم والهواجس كلها مضمنة في مقاله الرئيس والمحوري في هذا الصدد والمسمى “On The Shortness of Life”.
لكن المهم الآن هو تقديم إجابة شافية عن سؤالنا المطروح هنا وهو: كيف يساعدك “سينيكا” في تنظيم وقتك؟ سنحاول الإشارة إلى بعض نصائح الفيلسوف الروماني العظيم في تنظيم الوقت، والتي ساقها في مقاله سالف الذكر.
اقرأ أيضًا: نظريات المسؤولية الاجتماعية.. بين مؤيد ومعارض
نصائح لتنظيم الوقت
1- الوقت قصير طالما أننا نهدره:
كان “سينيكا” مهمومًا، وبشكل مكثف، بفكرة الطبيعة المحدودة للوقت، وأشار -على الرغم من ذلك- إلى فكرة لافتة ونيّرة؛ فالوقت يمسي قصيرًا إذا أهدرناه، وكأنه به هنا يقول: عدّ المتلاشي يكثّفه، تلك هي نصيحة الخطيب الروماني المفوّه والمتبصر في الاستخدام الأمثل للوقت.
وبينما نقرأ آراء “سينيكا” حول الوقت وطبيعته المتلاشية نتذكر قول الروائي اليوناني الشهير نيكوس كازندزاكي”: “الحياة ومضة قصيرة لكنها كافية”.
2- تذكّر الموت سيلهب حماسك:
طبيعي أن تأتي نصيحة كهذه من “سينيكا”؛ ذاك المهموم بالموت قدر انهمامه بالحياة، والذي تؤرقه فكرة التلاشي والفناء، إنه هنا بكل بساطة يقول طالما أن الحياة هنا قصيرة، وأن مقدار ما لدينا من وقت محدود ومتلاشي، فإن القرار الأمثل، في وضع كهذا، هو مسابقة الموت، ذاك الذي يعدو خلفنا ويعرقل طرائقنا.
فلكي ننجز ما علينا من مهام وأعباء تذكّر أنك لن تجد لهذا الوقت بديلًا، فالوقت الذي يمر لن يعود، وإذا تعمقت هذه الفكرة لديك وتمكنت منك فلن تؤجل عملًا من أعمالك قط.
اقرأ أيضًا: الإنتاج النظيف.. استراتيجية ذات بُعد إنساني
3- الانشغال هو الإلهاء الأساسي:
لست مشغولًا كما تظن، ولديك الوقت الكافي للنهوض بكل ما عليك من مهام وأعباء، كل ما هنالك أنك تتوهم ذلك، تتوهم أنك مشغولًا في حين أنك في الواقع لست كذلك.
يجادل “سينيكا” بأن الانشغال هو مجرد وهم لا أكثر، فعلى سبيل المثال، الانشغال الكثيف برفع معدلات إنتاجيتك اليومية هو الذي يعطلك عن العمل، في حين أن كل ما يتوجب عليك فعله هو أن تعمل بجد فحسب.
اقرأ أيضًا: اجترار الخطط.. كيف تحصل على المادة الخام لاستراتيجياتك؟
4- لا تنهمك كثيرًا في التخطيط للمستقبل:
لنتذكر أن “سينيكا” فيسلوف رواقي في المقام، وهي تلك الفلسلفة المُغرقة في الحاضر فحسب؛ إذ انعقدت قلوب الرواقيين على أن “الماضي ولى والمستقبل مجهول؛ والمتعلق بالأول جبان وبالثاني كسلان، وحده الحاضر موجود إذًا”.
لذلك؛ فإن الرجل السعيد، حسب “سينيكا”، هو الرجل الذي يتعامل مع كل يوم من أيامه على أنه يومه الأخير، فلا يشغله الماضي ولا يشقيه المستقبل، ولا حتى يُضجره المستقبل.
اقرأ أيضًا: المؤسسات المدارة بشكل فعال.. 4 عناصر تُحقق الأهداف
يجادل “سينيكا” بأن التخطيط الكثيف للمستقبل والتكفير المفرط فيه مضيعة للوقت ليس أكثر، فإذا أردت شيئًا ما فقم به الآن وانتهى الأمر.
5- لا تبالغ في الطموح:
ليس هذا رأيًا صادمًا طالما أن أفكار “سينيكا” أمست مألوفة بالنسبة لنا، وطالما أننا أدركنا أن الرجل يمعن في التفكير في الحاضر، وفي العثور على أنسب وأفضل طريقة لعيش هذا الحاضر، ومن ثم يجادل الفيلسوف الرواقي بأن الطموح مرهق ومدعاة شقاء، بل إنه سيثبط همتك إذا لم تستطع تحقيق هذه الطموحات والآمال الصبيانية الكبرى.
اقرأ أيضًا: العميل المثالي.. كيف تُصيب الهدف الصحيح؟
6- استعد للأسوأ:
ربما هنا فقط يظهر اهتمام “سينيكا” بالمستقبل، بذاك الوقت الذي لم يأت بعد، وإنما جاء اهتمامه به من كونه استفرغ كل إمكاناته في التفكير بالحاضر، ومن ثم لم يعد لديه سوى التفكير في المستقبل.
لكنه لا يُضني نفسه بالطموحات، ولا يمنيها بآمال قد لا تتحقق، وإنما، على العكس من ذلك، يتأهب لأسوأ ما قد يحدث في المستقبل ويعد له العُدة؛ لذلك سيحسن التعامل مع أسوأ سيناريوهات هذا المستقبل.
اقرأ أيضًا:
سيكولوجية الوقت.. كيف تُنجز مهامك؟
التفاوض في عقد الفرنشايز.. مرحلة رسم ملامح الاتفاق