شهدت الأشهر القليلة الماضية خسائر بالجملة لعدد من القطاعات؛ من بينها خسائر قطاع السياحة والسفر الفادحة على مستوى عالمي؛ جراء أزمة فيروس كورونا الجديد (كوفيد 19).
وكان قطاع السياحة أبرز القطاعات التي تلقت ضربة في مقتل بعد انتشار فيروس كورونا الجديد؛ ويرجع ذلك إلى تخوف دول العالم من تفشي الفيروس وبالتالي علقت جميع الدول حركات الطيران الخارجية والداخلية، وهو ما عمق خسارة القطاع.
ويعتبر هذا الوقت من كل عام موسمًا يشهد فيه قطاع السياحة انتعاشة كبيرة؛ تزامنًا مع إجازات فصل الربيع، ولكن يبدو أن الرياح جاءت بما لا تشتهي السفن؛ حيث تم إلغاء ملايين الرحلات حول العالم.
اقرأ أيضًا.. “تصنيع أجهزة التنفس الصناعي”..حماية للإنسان والمستقبل الاقتصادي
ومن المتوقع أن تتغير ملامح قطاع السياحة والسفر، مثله مثل باقي القطاعات، بعد التعافي من أزمة فيروس كورونا، ويبدو أنه حان الوقت لوضع خطط بديلة في مثل هذه الأزمات.
وعلى الرغم من ذلك راهنت منظمة السياحة العالمية على سرعة تعافي القطاع، لافتة إلى أنه شهد نموًا مستمرًا في ظل أزمات سابقة، وهو ما يؤكد قوة قطاع السياحة ومرونته.
وقالت المنظمة إن القطاع لم يعرف التراجع إلا في عام 2003 بفعل المتلازمة النفسية الحادة الوخيمة (سارس)، وعام 2009 في خضم الأزمة الاقتصادية، إلا أنه سرعان ما عاد إلى الانتعاش القوي في السنوات التالية؛ وهو ما تراهن عليه المنظمة بعد أزمة فيروس كورونا.
أهمية قطاع السياحة
ويأتي الضرر الكبير الذي سيتكبده القطاع السياحي نتيجة أهميته الكبرى؛ إذ تمثل صناعة السياحة والسفر أكثر من 10% من النمو الاقتصادي العالمي، وفقًا للإحصائيات الأخيرة المُعلنة.
وتكتسب السياحة أهميتها من أنها توفر أكثر من 319 مليون وظيفة، والتي شكلت 10% من مجمل الوظائف العالمية في عام 2018؛ فهي مصدر دخل مؤثر للغاية للعديد من الدول،
وتعتبر صناعة السياحة من بين الصناعات متعددة المراحل، فهي تعتمد على قطاعات الاقتصاد الأخرى، وتُعد بمثابة عامل مساعد لعملية التنمية الاقتصادية.
وبذلت عدد من الدول، مؤخرًا، جهودًا كبيرة لتطوير قطاع السياحة، رغبة في تنويع مصادر الدخل؛ حيث يُعد من بين مصادر العملات الأجنبية، وبدأت بالفعل عدد من الدول تخطو خطواتها الأولى نحو انتعاشة القطاع، لتفاجأ بالفيروس الذي تسبب في خسائر ضخمة.
خسائر قطاع السياحة والسفر
ورغم أنه لم يمر سوى أشهر قليلة على انتشار الفيروس، إلا أن صناعة السياحة والسفر انخفضت عالميًا إلى أدنى مستوياتها التاريخية؛ حيث من المتوقع أن تتخطى خسائرها ما شهدته في عام 2003 بسبب مرض “سارس”، والذي تسبب حينها في انخفاض معدلات السفر بنسبة 0.3% فقط.
الخسائر العالمية
وتوقع خبراء في قطاع السياحة أن خسائر سوق السياحة العالمية قد تبلغ تريليون دولار هذا العام؛ على خلفية تقيد السفر والتنقل بين الدول، بالإضافة إلى فقدان 50 مليون وظيفة، ترتبط بالقطاع، وفقًا لأحدث البيانات التي وفرتها المنظمات الدولية مؤخرًا.
وتوقف فعليًا حتى الآن 70% من قطاع السياحة حول العالم؛ حيث بلغت خسائر صناعة السياحة حوالي 600 مليار دولار.
وتوقعت منظمة السياحة العالمية انخفاض عدد السائحين الدوليين بنسبة تتراوح بين 20% و30% في العام الجاري مقارنة بـ 2019، وهو ما ينتج عنه انخفاض في عائدات السياحة الدولية بما يتراوح بين 300 و450 مليار دولار.
اقرأ أيضًا.. قرارات المملكة خلال أزمة “كورونا”.. دعم غير محدود وإدارة ناجحة
الخسائر المحلية
من جانبها، قدّرت المنظمة العربية للسياحة، في أحدث تقرير لها، خسائر هذا القطاع في العالم العربي بنحو 30.6 مليار دولار في حالة عدم السيطرة على “كورونا” حتى نهاية شهر أبريل الجاري، وهو ما يؤدي إلى انعكاس هذه الجائحة بصورة سلبية على ميزانيات الدول، باعتبار السياحة من أهم مصادر اقتصاديات العديد من الدول.
وتوقعت المنظمة أن تصل خسائر شركات الطيران بمنطقة الشرق الأوسط إلى 14.4 مليار دولار من إيراداتها إذا امتدت الأزمة حتى نهاية شهر أبريل المقبل، مؤكدًا أن خسائر قطاع الطيران على مستوى العالم ستكسر حاجز الـ 200 مليار دولار.
اقرأ أيضًا.. «مسابقة هوماثون».. تحدي الإبداع لمواجهة «كورونا»
محاولات إنقاذ القطاع
وتوصل منظمة السياحة العالمية متابعة الأوضاع عن كثب، والسعي لاتخاذ قرارات على أرض الواقع تتخطى مجرد الكلام؛ لتقليل خسائر قطاع السياحة والسفر في العالم؛ حيث شكلت لجنة أزمة تشمل القطاعات السياحية كافة، والمؤسسات الدولية الرائدة؛ لتحقيق استجابة موحدة والعمل على تخفيف تأثير COVID-19 وإعداد السياحة للتعافي.
ودعت اللجنة في أحد الاجتماعات التي انعقدت خلال شهر أبريل الجاري؛ على خلفية الرئاسة السعودية لمجموعة العشرين، الحكومات والمنظمات الخاصة والمتبرعين إلى المساهمة بمبلغ 8 مليارات دولار لسد فجوة التمويل الحالية ومعالجة الوباء بشكل صحيح.
وحثت منظمة السياحة العالمية الأعضاء على زيادة الضغط على قادة العالم لإعادة التفكير في السياسات الضريبية وسياسات التوظيف المتعلقة بالسياحة، والتأكد من بقاء الشركات السياحية للمساعدة في دفع جهود التعافي والإنعاش مرة أخرى وعلى نطاق أوسع.
وتعمل لجنة أزمة السياحة العالمية على خطة إنعاش للقطاع، والتي ستتمحور حول الحدود المفتوحة وتعزيز الاتصال، مع العمل أيضًا على تحفيز الأسواق وزيادة ثقة المستهلكين السياحيين والمستثمرين في المجالات السياحية.
من جانبها، شكلت المنظمة العربية للسياحة فريقًا استراتيجيًا بالتعاون مع المنظمة العربية للطيران المدني، والاتحاد العربي للنقل الجوي، والذي يضم ممثلين عنها والمعنيين بقطاع السياحة والسفر في العالم العربي؛ بهدف النظر في سلسلة من التدابير والخطط العملية لإنقاذ صناعة السياحة والسفر؛ لاستعادة الدور الطبيعي للقطاع في التنمية المستدامة، وتشجيع الحكومات على تقديم الدعم الكامل للعاملين في القطاع.
اقرأ أيضًا.. المحافظ الإلكترونية بالمملكة الحل الأمثل في زمن «الكورونا»