العالم كله الآن فريسة لتداعيات فيروس كورونا المستجد «كوفيد_19»، وحذرت لجنة الأمم المتحدة لغرب آسيا “إسكوا” من أن تداعيات كورونا قد تلقي بأكثر من 8 ملايين شخص إضافي من سكان المنطقة العربية في براثن الفقر والجوع؛ بسبب تقليص تجارة الأغذية وقلة المخزون منها.
وتذهب التقديرات إلى أن أكثر من 100 مليون في المنطقة العربية يعانون من الفقر حاليًا. وقال خبراء اقتصاد تابعون للأمم المتحدة إن صادرات الصناعات التحويلية لدول العالم انخفضت في فبراير وحده بقيمة 50 مليار دولار.
ونشر مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (الأونكتاد)، مؤخرًا، مذكرة تتناول تأثير فيروس كورونا في التجارة بين الدول، وتقيّم الآثار الاقتصادية المرتبطة بتفشي هذا الفيروس، وأشار التقرير إلى أن تدابير احتواء الفيروس في الصين تسببت في “انخفاض كبير في الإنتاج”.
وذكر تقرير «الأونكتاد» أن دولًا عربية تضررت أيضًا بفعل هذه الجائحة، مشيرًا إلى ثلاث دول عربية هي السعودية (40 مليون دولار)، وتونس (38 مليون دولار)، والإمارات (16 مليون دولار).
اقرأ أيضًا: محمد الجدعان.. رجل الاستدامة المالية
تعثر الصادرات العربية
لجائحة كورونا أثر سلبي في الاقتصاد، وهو ذاك المتعلق بانخفاض صادرات معظم الدول العربية؛ إذ أعلنت الهيئة العامة للإحصاء السعودية، نهاية أبريل الماضي، على سبيل المثال، انخفاض الصادرات السلعية والصادرات غير النفطية، وارتفاع الواردات على أساس سنوي.
وقالت الهيئة، في إحصائية لها، إن الصادرات السلعية انخفضت 14.5%، في حين سجلت الواردات ارتفاعًا بنسبة 3.2%، على أساس سنوي في فبراير الماضي.
من جهة أخرى ذكرت الهيئة أن صادرات السعودية غير النفطية سجلت انخفاضًا في فبراير بنسبة 12.1% على أساس سنوي.
وكانت الصادرات السعودية للنفط تأثرت بشكل بالغ، مؤخرًا، نتيجة انتشار فيروس كورونا المستجد وتداعياته على اقتصاديات دول العالم.
أما مصر، فقررت وقف تصدير البقوليات لمدة 3 أشهر؛ وذلك من أجل مواجهة أي تداعيات محتملة لانتشار فيروس كورونا المستجد؛ وأملًا في توفير احتياجات المواطن المصري.
وجاءت تلك الخطوة تنفيذًا للخطة الشاملة التي أقرتها الحكومة لتوفير احتياجات المواطنين، ضمن الإجراءات الاحترازية خلال المرحلة الحالية لمواجهة تداعيات فيروس كورونا.
أما الأردن فقرر الحفاظ على المخزون من السلع الغذائية في ضوء الإجراءات الاحترازية المتخذة للمحافظة على المخزون في ظل أزمة فيروس كورونا المستجد، والتداعيات التي قد تنجم عنها وآثارها المحتملة في الأسواق العالمية وما يشهده العالم من تزايد انتشار الوباء وما يتبعه من إغلاقات في الأسواق العالمية والعربية، وما قد يلحقه من أضرار على الأسواق التجارية المحلية.
وأعلنت وزارة الصناعة والتجارة والتموين الأردنية عن وقف العمل بمنح رخص تصدير وإعادة تصدير المواد الغذائية.
اقرأ أيضًا: «فوانيس رقمية».. توظيف للتقنية وتعزيز للتحول الرقمي
الجزائر تخالف التوقعات!
وعلى خلاف هذه الدول السابقة، كانت الحالة الجزائرية مفاجئة إلى حد كبير؛ إذ تحولت الجزائر، بشكل مفاجئ، من دولة مستوردة إلى مصدّرة، واحتلّت أخبار تصدير كميات ضخمة من التمور والخضراوات المشهد الاقتصادي في البلاد، متجاوزةً صدمة انهيار أسعار النفط وما تبعها من هلع وذعر في الأوساط المعنية.
وفي هذا السياق، أشار علي باي ناصري؛ مدير جمعية المصدرين الجزائريين، إلى تواصل حركة التصدير الخاصة بالتمور نحو فرنسا، وقريبًا الخضر والفواكه نحو دول الخليج وروسيا وكندا خلال الفترة المقبلة، مضيفًا أنه حان الوقت لفرض مخطط بديل للنفط الذي تعرّضت سوقه لهزات عنيفة، أدت إلى تراجع صادراته خلال الشهرين الأولين من 2020 من 6 إلى 4 مليارات دولار.
من جانبه، أكد رابح ميدو؛ المدير العام لفرع الشحن في مطار الجزائر الدولي، أنه صُدِّر أكثر من 1000 طن من التمور نحو فرنسا منذ بداية جائحة كورونا، مبينًا أن عدد رحلات الشحن نحو فرنسا انتقلت من 5 إلى 6 رحلات أسبوعيًا قبل بداية الوباء إلى حوالى 20 رحلة.
وذكر أن هناك برنامجًا وُضع لرحلات شحن جوية مع متعاملين اقتصاديين جزائريين من أجل تصدير منتجاتهم نحو الدول الإفريقية.
ويشير أحدث تقرير لإدارة الجمارك الجزائرية إلى أن صادرات البلاد في أول شهرين من 2020، بلغت 4.9 مليار دولار، بعدما كانت 6.79 مليار دولار خلال الفترة ذاتها من 2019، أي بتراجع 27.89% بسبب تهاوي أسعار النفط، بينما تراجعت قيمة الواردات من الخارج بنسبة 18.07% إلى 6.129 مليارات دولار، وشكّل النفط والغاز أهم صادرات الجزائر إلى الخارج، بنسبة 93.08%.
اقرأ أيضًا: «العمري»: العمل التقليدي لن ينتهي لكنه سينحسر بعد كورونا
كورونا والاكتفاء الذاتي
إن حالة الجزائر تدفعنا إلى القول إن جائحة كورونا يمكن أن تكون فرصة لإعادة إحياء الإنتاج المحلي، ويمكن كذلك البناء على تجارب عربية ناجحة في زراعة التمور والزيتون والصبار والحبوب وإنتاج الأدوية.
إن هذه التجارب العربية تقول إنه من الممكن إعادة الانتباه إلى الإنتاج المحلي؛ عن طريق استغلال الأراضي الزراعية التي هجرها أصحابها بحثًا عن العمل في الحواضر العربية الكبرى، وهو الأمر الذي يعني إعادة هندسة التجربة الاقتصادية العربية مرة أخرى.
انتعاش الصادرات المحلية
يبلغ الناتج المحلي الإجمالي للصين حوالي 17% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، وأدى توقف عدد كبير من المصانع بسبب انتشار فيروس كورونا إلى نتيجة حتمية، وهي اختفاء معظم المنتجات الصينية من الأسواق المصرية والعربية بشكل خاص وباقي دول العالم بشكل عام.
ومن ثم، يجب أن يستغل المنتجون والمصنعون العرب هذه الأزمة الصينية ويحولونها إلى فرصة للمصنعين والمنتجين المصريين لتسديد العجز وتبديل المنتجات الصينية بالمنتجات المصرية محليًا وفي الأسواق العربية والخارجية.
وتوجد عدة قطاعات يتم استيرادها بشكل كبير من الصين، وهي: الأدوات المنزلية، الإلكترونيات، وأجهزة الهاتف، التلفاز، ولعب الأطفال، ومن هنا فمن الواجب على المصنعين والمنتجين العرب سد هذه الفجوة في السوق المحلي والعالمي على حد سواء، والبحث عن أسواق جديدة كانت تعتمد على المنتجات الصينية بشكل أساسي.
وعلى ذلك، فإن جائحة كورونا، من زاوية ما، هي فرصة عظيمة، على المصنعين والمنتجين استغلالها، ليس لسد الاحتياج المحلي فحسب، وإنما للتوسع والوصول إلى أسواق عالمية جديدة بهذه المنتجات العربية والمحلية.
اقرأ أيضًا: «العمري»: الأزمات فرص رائعة للمستثمرين الأذكياء
إعادة إحياء مفاهيم اقتصادية
أعادت جائحة كورونا وما انطوت عليه من إعادة النظر في تعظيم الناتج المحلي، وتقليل الهدر في الموارد، بزوغ مفهوم الاقتصاد الدائري ذاك الذي يستهدف تقليل المهدر من المواد والسلع والطاقة والاستفادة منها قدر الإمكان؛ حتى يتم خفض الاستهلاك والنفايات والانبعاثات، وذلك عن طريق تبسيط العمليات وسلاسل الإمداد.
يعمل الاقتصاد الدائري، كذلك، على تعظيم الاستفادة من جميع المواد الخام، والمعادن والطاقة والموارد بمختلف صورها، فضلًا على إطلاق عمليات إعادة التدوير والاستخدام وإعادة التصنيع والتطوير، بدلًا من نمط الهدر وإلقاء النفايات.
يضع هذا النمط الاقتصادي نصب عينيه، من ناحية أخرى، تطوير الأنظمة الصحية والاستهلاكية، والتعريف بقيمة الأشياء وأهمية الاستخدام الفعال وتقليل الآثار السلبية الناجمة عن الأنماط الاقتصادية التقليدية، كما أنه يسهم في صنع فرص اقتصادية واستثمارية أفضل للشركات والمؤسسات، فضلًا عن المزايا البيئية والاجتماعية.
اقرأ أيضًا:
خبراء يناقشون إعادة بناء الاقتصاد بعد كورونا
«البريكان»: مبادرة علاج المشاريع تستهدف 10 قطاعات حيوية بالمملكة
هاكثون SMEs الافتراضي.. فرصة لتعزيز بيئة ريادة الأعمال بالمملكة