كان صباح هذا اليوم ليس عاديا أبداً، فقد أتى لي ثلاثة من الشباب السعودي يعلو وجوههم البِشْر.. وقد وجدوا ضالتهم أخيراً. لقد مر أربعة أيام فقط على انتهاء فعاليات الملتقى الثالث المنشآت الصغيرة والمتوسطة في رحاب غرفة الشرقية، وسألت نفسي.. هل بدأتْ ثمار الملتقى يتلقفها قاطفوها من رواد الأعمال والمستثمرين؟. ذكريات غالية جالت بخاطري بمناسبة عقد الملتقى بدورته الخامسة منذ أيام.
أخبرني أولهم أنه اختار مشروعه بعد أن قام بجولة في الجناح الخاص بمجموعة الزامل والثاني من جناح سابك والثالث بعد مقابلته مسئولي المؤسسة العامة لتحلية المياه المالحة. وقد أتاح ذلك الملتقى الفرصة للشركات العملاقة والكبيرة في المملكة أن تعرض المنتجات وقطع الغيار والخدمات التي تستوردها من الخارج وترغب في تصنيعها أو توريدها محليا من خلال المنشآت الصغيرة والمتوسطة.
لقد تعلمت في رحلة الربع قرن الماضية أن المنشآت الصغيرة والمتوسطة وصغار رواد الأعمال لا يعنيهم الخُطب والعروض والمساجلات والمناقشات بقدر ما يعنيهم منتجات أو خدمات محددة تساعدهم في الحصول على فرصة أو حل مشكلة أو المساهمة في نمو المنشأة وتطورها. كما أنه لا يخفى على أحد أهمية مثل هذه الفرص الاستثمارية في تعزيز الاقتصاد الوطني عامة والصناعة الوطنية وتطويرها خاصة، إضافة إلى فوائد عدة منها توطين الوظائف والاستغناء عن أجور الشحن الدولي وتخفيض مستوى المخزون وتخفيض أجور المعاملات البنكية وزيادة شبكة الموردين المحليين ودعم الميزان التجاري. لقد عرض الملتقى الثالث من الفرص الاستثمارية في مجال قطع الغيار فقط التي يتم استيرادها سنويا ما مجموعه 337 مليون ريـال سنوياً لثلاث جهات هي مجموعة الزامل 44 مليونا والشركة السعودية للكهرباء 173 مليونا والمؤسسة العامة لتحلية المياه المالحة 120 مليونا، وذلك بخلاف أرامكو وسابك اللتين قد حددتا الأصناف المشتراة من قطع الغيار ولكن لم تحدد القيمة المالية لهما.
لقد عرضت الكعكة الاستثمارية الأولى -وهي مجموعة الزامل- الفرص الاستثمارية المتاحة لديها التي تمثل جزءا مهما من المواد المستوردة التي يمكن تصنيعها محليا، ومنها منظمات الحرارة والمواد العازلة للحرارة والرطوبة، والموصلات والمكثفات الكهربائية، والروابط المعدنية، ومفاتيح التحكم. وقامت الكعكة الاستثمارية الثانية – شركة الكهرباء – ممثلة في قطاع المواد بعمل دراسات بحثية مستفيضة على مستوى الشركة؛ لحصر أهم 50 صنفا مستهلكا لديها من حيث القيمة والكمية والنوعية، التي تمت شراؤها بالسنوات السابقة.
أما الكعكة الثالثة – المؤسسة العامة لتحلية المياه المالحة – فقد بلغت ميزانيتها 16.6 مليار ريـال للعام 2014م، وقدمت حينها فرص استثمارية من خلال أربعة مجالات هي المشاريع المشتركة، مثل التمويل والأعمال الاستشارية والتصاميم والأعمال الهندسية والإنشاء والأعمال المدنية والتشغيل والصيانة وتموين المواد والمعدات وقطع الغيار، والفرص الاستثمارية في مشاريع نقل المياه من المشاريع المشتركة مثل تصميم وتوريد وتنفيذ خطوط الأنابيب ومحطات الضخ والمعدات والخدمات المساندة، والفرص الاستثمارية في المشاريع القائمة بالمؤسسة مثل برامج الصيانة الدورية، العمرات الشاملة، تركيب أجهزة ومعدات جديدة، نقل الوقود، المواد الكيماوية وتأمين قطع الغيار الميكانيكية والكهربائية والأجهزة والأغشية والمستهلكات والمواد العامة. إضافة إلى الفرص الاستثمارية في مجال تصنيع قطع الغيار.
أما الشركة السعودية للصناعات الأساسية والمعروفة اختصاراً باسم سابك، فمنتجاتها تتدرج من الكيماويات الأساسية، والكيماويات الوسيطة واللدائن (البلاستيك)، والبوليستر إلى الأسمدة والمعادن. ولقد أرفقت بمقال آخر عقب انتهاء الملتقى نفسه قائمة تحتوي على 154 فرصة استثمارية تعتمد بصورة أساسية على خامات سابك، بخلاف قطع الغيار للمضخات والصمامات والضواغط الهوائية وأدوات التحكم والحشوات وموانع التسريب والمحفزات والرولمان.. إلى آخره. أما شركة أرامكو، فيكفي الإشارة إلى إعلانها في أغسطس 2014م أن قيمة مشترياتها وعقود الخدمات التي أبرمتها خلال العام الماضي، تجاوزت سقف الـ137 مليار ريـال.
وأخيرا، يطرح السؤال نفسه، هل يستولى الهوامير من كبار المستثمرين على هذه الفرص الاستثمارية أم يتركون جزءاً من الكعكات الخمسة لصغار رواد الأعمال والمنشآت الصغيرة والمتوسطة القائمة. لقد اقترحت على اللجنة المنظمة للملتقى آلية تهدف إلى ضمان استفادة صغار المستثمرين والمنشآت الصغيرة والمتوسطة عامة والشباب خاصة من هذه الفرص وإعطاؤهم الأولوية على حساب الشركات الكبيرة وبما لا يتعارض مع قوانين وتشريعات المملكة العربية. وتشتمل الآلية على خطوات التنفيذ ودور الجهات المعنية بمختلف المراحل الخاصة بها على النحو التالي:
• الإعلان بمطوية الملتقى أن هذه الفرص يمكن الحصول على مزيد من المعلومات عنها وكيفية الاستفادة منها من خلال مركز تنمية المنشآت الصغيرة والمتوسطة بالغرفة التجارية الصناعية للمنطقة الشرقية والشركات الكبرى.
• الإعلان عن بدء استقبال الراغبين من تاريخ يتم تحديده بعد الملتقى مباشرة.
• تصميم نموذج يتم تعبئته للجهات والأفراد الراغبين في الاستفادة من هذه الفرص.
• تصميم قاعدة بيانات تضم هؤلاء الراغبين وتوضح اسم وبيانات المستفيد، إضافة إلى اسم وبيانات الفرصة واسم الشركة الكبيرة التي تمثل مصدر الفرصة والسوق المحتمل لها.
• متابعة التراخيص السنوية التي تمنح إلى المصانع ورصد ما يمكنه إنتاج الأصناف والخدمات التي تمت تعبئة نماذج لها سلفاً.
• بطبيعة الحال سوف يذهب المستفيد ربما لأغراض تتعلق بإعداد دراسة الجدوى لمشروعه إلى الشركة الكبيرة مصدر الفرصة أو يذهب إليها بمرحلة ما بعد إنتاجه ومحاولته تسويق منتجاته لهذه الشركة.
• من خلال دائرة المشتريات بالشركة الكبيرة يمكن التعرف على المصانع والشركات الصغيرة الموردة وبالتالي عمل تحليل لهذه الشركات وتحديد حجمها.
إن تكامل المنشآت الصغيرة مع الكبيرة، حل سحري، يكبح الاستيراد ويمنح الاقتصاد، من خلال منح نصيب عادل من كعكات استثمارية عملاقة تنتظر ملتهميها من رواد ورائدات الأعمال مالكي الحقوق وصُنَّاع الفروق بحضارات الأمم ليس في السعودية فحسب، بل في كل بلدان الوطن العربي الكبير.