من العسير محاججة جاي باباسان وغاري كلير فيما يطرحان من أفكار في كتاب The One Thing؛ ذلك لأن هذه الافكار ليست محل إجماع فحسب، ولا هي منطقية أيضًا، إنما يغلب عليها فوق ذلك كله البداهة، فهي أفكار بديهية.
لكن ما يمكن الجدال معهما بشأنه هو ذاك الذي يصران عليه، والذي يقول إن التركيز على الشيء الواحد والصحيح يمكنه أن يضبط إيقاع بقية حياتك ومهامك، بل يؤكد مؤلفا كتاب The One Thing أن التركيز على الشيء الوحيد والصحيح هذا سوف يقودك إلى تحقيق نجاحات في مجالات أخرى من حياتك.
هما يقولان بنظرية الأواني المستطرقة أو التأثير المتعدي، وهي نظرية قد تصدق في مجالات بعينها لكن القول بتعميمها يجب أن يكون محل شك وجدال.
اقرأ أيضًا: كتاب Grit.. لا تستسلم أبدًا
وهم تعدد المهام
يرفض صاحبا كتاب The One Thing فكرة تعدد المهام، ويدحضانها بكل ما أوتيا من قوة، والحق معهم في هذه النظرية، فالبديهي والمنطقي بل واقع الأشياء يقول إن القيام بأكثر من مهمة في وقت واحد وبتركيز عالٍ هو محض محال؛ ذلك لأنه يفوق القدرة البشرية في حد ذاتها، علاوة على أن القيام بالعديد من الأشياء في الوقت نفسه لا يجعلك أكثر كفاءة، وإنما يمنحك الفرصة، كما يقول المتحدث التحفيزي ستيف أوزيل؛ «لإفساد أكثر من شيء في وقت واحد».
تعدد المهام، وفقًا لأطروحات كتاب The One Thing، لا يقود إلى السرعة أو رفع معدلات الإنتاج، ولا تعزيز معدلات الجودة، والنجاح لا يتأتى إلا من خلال التركيز وليس من خلال التشتت.
يقول مؤلفا كتاب The One Thing:
«إن تعدد المهام ليس مثمرًا؛ لأن النجاح يتطلب فترات طويلة من التركيز وليس الضربات المتناثرة».
وهما يتقدمان خطوة أخرى إلى الأمام فيزعمان أن النجاح والنتائج الاستثنائية لا تتحقق إلا من خلال الأعمال البسيطة والصغيرة، ولكن يتم النهوض بها بأكبر قدر من التركيز والانتباه.
يقولان:
«الأشخاص الذين يحققون نتائج استثنائية لا يحققونها بالعمل لساعات أكثر، وإنما يحققونها من خلال إنجاز المزيد في ساعات عملهم».
وذلك لأنهم استغلوا أوقات عملهم على النحو الصحيح، ووجهوا كل طاقاتهم وتركيزهم من أجل إنجاز الأشياء الصحيحة.
اقرأ أيضًا: كتاب Simple Habits for Complex Times.. القيادة في عالم مضطرب
الشيء الواحد ونظرية الدومينو
هنا نأتي إلى أكبر قضية خلافية في كتاب The One Thing؛ حيث يرى المؤلفان إن العمل في الاتجاهات الخاطئة، كأن تعمد _على سبيل المثال_ إلى إثقال كاهلك بالمزيد من المشاريع والمهام دون أن تنجز أيًا منها، لن يؤثر سلبًا في جودة عملك وسرعة أدائك ومعدلات إنتاجك فحسب، وإنما في علاقاتك العائلية وصداقاتك ونظامك الغذائي وأنماط نومك وصحتك.
وفي المقابل فإن تطوير التركيز الفردي على هدف ضروري واحد يضع العديد من القوى الأكبر في الحركة؛ فعندما تحدد أولويات مهمتك الأساسية فإن كل شيء آخر يقع في نفس الخط، مثل الدومينو.
إذًا، يمكن القول جريًا على أطروحات مؤلفي كتاب The One Thing، إن الشيء الوحيد الصواب يجذب خلفه الكثير من الأشياء الصحيحة ويضبط الإيقاع العام.
اقرأ أيضًا: كتاب The Power of Less.. البساطة في مواجهة السرعة
الهدف الصحيح بوصلة
هنا أيضًا نجد الطرح نفسه ولكن عبر تفريعة/ نُسالة نظرية أخرى؛ حيث يذهب المؤلفان إلى أن قيامك باعتماد الشيء الوحيد الصحيح ونهوضك به سيكون بمثابة البوصلة التي تحكم إيقاع حياتك وتنظّمه، وتعرفك الطريق نحو مدارج العلو والترقي.
يقول مؤلفا كتاب The One Thing:
«تطبيق “الشيء الوحيد” على عملك وفي حياتك هو أبسط وأذكى شيء يمكنك القيام به لدفع نفسك نحو النجاح الذي تريده».
نفهم من هذا القول إن النجاح يتطلب تركيزًا للطاقة وتكثيفًا للجهد، ثم ستأتي النجاحات الأخرى متواليات.
ولعل هذا هو فحوى كلام المؤلفين في المقبوس التالي:
«حيث حققت نجاحًا هائلًا قمت بتضييق تركيزي على شيء واحد؛ وحيث تنوع نجاحي كان تركيزي كذلك أيضًا».
اقرأ أيضًا: كتاب Soonish.. اليوتوبيا أم الكارثة؟
سردية الخفة والاختصار
يتقاطع الطرح الذي يأتي به كتاب The One Thing في هذه الزاوية مع الكثير من الآراء والمذاهب الفلسفية والأدبية، يكفي مثلًا قول بول ريكور؛ ذاك المفكر الفرنسي ذائع الصيت:
«إن التقدم في الحياة ليس عملية اكتساب بل عملية تخلٍ».
أما إن تحولنا إلى ميلان كونديرا فلن تجد عنده مقبوسًا ولا جملًا متناثرة هنا وهناك حول أهمية الخفة وحتمية التبسيط والاختصار، وإنما ستجد مشروعًا أدبيًا كاملًا متمحورًا حول هذه النقطة، يكفيك أن تطالع تحفته الأدبية «كائن لا تحتمل خفته» لتتأكد من صدق مقالتنا تلك.
وما يقصده مؤلفا كتاب The One Thing فهو التجلي الأوضح لهذه الرؤية الفلسفية والأدبية؛ فعندهما أن الإنجازات العظيمة تبدأ من الانشغال والتركيز على الأشياء الصغيرة، ذاك هو طريق النجاح المعبّد.
«تريد جمع إنجازاتك لكن هذا يتطلب في الواقع عملية طرح وليس جمع. تحتاج إلى القيام بأشياء أقل؛ من أجل المزيد من التأثير بدلًا من القيام بأشياء أكثر ذات آثار جانبية».
وهذا في حد ذاته، بل ما يقدمه صاحبا كتاب The One Thing، يتطلب في البداية عملية اختيار وتصنيف ونمذجة؛ كيما نعرف ما هو الأهم وما المهم، وما هو الشيء الوحيد الذي يجب أن نكرس له حياتنا وأن ننتدب أنفسنا لإنجازه، وتلك مسألة يضيق المقام عن بسط القول فيها.
اقرأ أيضًا:
كتاب The Motive.. دوافع ومهام المدراء التنفيذيين
كتاب Company of One.. جدوى التوسع والنمو
كتاب Measure What Matters وطرق تحقيق المعجزات