أصبحت المسؤولية الاجتماعية أمرًا حيويًا، خاصة في ظل تحرر الاقتصاد، وسعي الحكومات إلى التخلي عن النهوض بدورها الاجتماعي، إيمانًا منها بأفكار وأطروحات “ميلتون فريدمان”، الذي كان يفكر اقتصاديًا فقط، وبمنطق الربح والخسارة، دون أدنى اعتبار لمسؤولية اجتماعية ولا أخلاقية؛ إذ كان يؤمن بأن قوانين الاقتصاد كقوانين الهندسة، تطبق في كل مكان وبنفس الطريقة؛ ما نجم عنه كوارث جمة.
ومن حسن الطالع، أن الشركات العاملة في الشرق الأوسط، بدأت مع مطلع هذا القرن تبني مفهوم “المسؤولية الاجتماعية للشركات”، وخاصة بعد وضع الميثاق العالمي للأمم المتحدة (UNGC) في عام 2000 ، ثم بمرور السنين، بلغ عدد الشركات التي وقَّعت على الميثاق 306 شركات.
وقد أجرت شركة BAYT.com، مسحًا على موظفي 13 بلدًا من بلدان المنطقة، أكدت نتائجه أن هناك اتجاهًا حماسيًا نحو المسؤولية الاجتماعية للشركات، ليس على مستوى مجالس الإدارات، بل شمل أيضًا الموظفين.
وأشار المسح إلى أنَّ نحو ثلثي الموظفين في المنطقة يشاركون بالفعل في العمل الخيري أو خدمة المجتمع؛ إذ أبدى 95 % منهم تمنياتهم بأن يتزايد التزامهم نحو تلك المسؤولية، وأن نحو 90 % من المستهلكين المستطلعة آراؤهم يفضلون شراء منتجات وخدمات الشركات التي تتبنى مفهوم المسؤولية الاجتماعية.
وأظهرت دراسة أخرى أجراها معهد الحوكمة (المؤشر البيئي والاجتماعي والحكم لعام 2011) حول الشركات الرئيسة، وجود مخصصات لميزانيات المسؤولية الاجتماعية للشركات وتحولها من تبرعات إلى مشاريع مستدامة مسؤولة اجتماعيًا.
تعريف المسؤولية الاجتماعية
لم يكن مفهوم المسؤولية الاجتماعية معروفًا؛ إذ كانــت المنظمــات تحــاول تعظــيم أرباحهــا بكافــة الوســائل، ولكــن مــع النقــد المســتمر لمفهــوم الأرباح، ظهـرت دوافـع لأن تضطلع بدور أكبـر تجـاه البيئـة والمجتمع.
وهناك عدة تعريفات للمسؤولية الاجتماعية أبرزها:
1. عرفهـاDurker)) بأنهـا “التـزام المنشـأة تجـاه المجتمـع الـذي تعمـل فيـه”.
2. عرفها (Holmer) بأنهـا “التـزام علـى المنشـأة تجـاه مجتمـعها بالمسـاهمة بأنشـطة اجتماعيـة متنوعة؛ مثـل محاربـة الفقـر، وتحسـين الخدمـة، ومكافحـة التلـوث، وخلـق فـرص عمـل، وحـل مشـكلة الإسـكان، والمواصـلات، وغيرها.
3. ميَّزRobbins، بــــين المسؤولية الاجتماعيــــة social responsibility والاســتجابة الاجتماعيــةResponsiveness social ، فالأولى ترتكــز علــى اعتبــارات أخلاقيــة بالنظر إلى نهايات أهدافها على أنها التزامات بعيدة المدى، بينما الأخرى تعني الرد العلمي- بوسائل مختلفة- على ما يجري من تغيرات وأحداث اجتماعية على المدى المتوسط والقريب.
4. يرى الباحثـان (flores and chang) أنها التـزام متخـذ القـرار بانتهـاج أسـلوب عمـل يـؤمِّن مـن خلالـه حمايـة المجتمع وإسعاده وتحقيق منفعته الخاصة.ويضم هذا التعريف معنيين: الأول يتمثـل في تحديـد هـدف منظمـة الأعمـال نحـو تحقيـق القـيم الاجتماعيـة مـن خـلال قـراراتها، والآخر في مواجهة التحديات الجديدة التي تواجهها والتـي يكـون لهـا تـأثير علـى قوتهـا فـي المجتمـع ومقـدار مسـاهمتها فـي تلبيـة حاجاتـه مـن خـلال الوظـائف التـي تؤديها.
5. يرى رجل الاقتصاد المعروف (Paul Samuelson) أنها تمثل البعدين الاقتصادي والاجتماعي معًا، وأن الشركات يجب ألا تكتفي بالارتباط بالمسؤولية الاجتماعية، بل تغوص في أعماقها، وتُبدع في تبنيها.
6. ويعرفها الاتحاد الأوروبي بأنها مفهوم تقوم الشركات بمقتضاه بتضمين اعتبارات اجتماعية وبيئية في أعمالهم، وفي تفاعلها مع أصحاب المصالح على نحو تطوعي، وأنها مفهوم تطوعي لا يستلزم سن قوانين أو وضع قواعد محددة تلتزم بها الشركات.
مؤيد ومعارض
وقد انقسم علماء الاقتصاد ما بين مؤيد ومعارض لفكر المسؤولية الاجتماعية؛ فيرى Friedman Milton -من الفريق المعارض- أنها تقلل من الأرباح وأنها عبء إضافي على تكاليف العمل، فيما يرى Samuelson Paul – من الفريق المؤيد- أن للمسؤولية الاجتماعية للشركات بعدين اقتصادي واجتماعي، وأنَّ على الشركات الإبداع في تبني برامجها.
أبعاد المسؤولية الاجتماعية
لقد جاءت النقلة النوعية في إغناء وتوسيع هذا المفهوم في إطار البحوث الرائدة لـ Carroll التي ميز فيها بين أربعة أبعاد رئيسة لمفهوم المسؤولية الاجتماعية، وهي ما يلي:
1. الجانب الاقتصادي: تمارس المنظمة أنشطة اقتصادية في إطار الكفاءة والفاعلية؛ وبالتالي تستخدم الموارد بشكل رشيد لتنتج سلعًا وخدمات نوعية راقية وتوزع العوائد بشكل عادل على عوامل الإنتاج المختلفة قد تحملت مسؤولية اقتصادية أفضل من غيرها التي لا تراعي هذا الجانب.
2. المسؤولية القانونية: يندرج ضمن إطار هذا البعد الالتزام الواعي والطوعي بالقوانين والتشريعات المنظمة لمختلف الجوانب في المجتمع، سواء كان هذا في الاستثمار أو الأجور أو العمل أو البيئة أو المنافسة أو غيرها.
3. المسؤولية الخيرة: تشتمل على مجمل التبرعات والهبات والإحسان للمنظمات التي تخدم المجتمع ولا تهدف للربح. وفي إطار هذا البعد قد تتبنى منظمة الأعمال إحدى القضايا الأساسية من المجتمع وتدعمها باستمرار.
4. المسؤولية الأخلاقية: تراعي من خلالها المنشأة، الأخلاق في مجمل قراراتها؛ فتتجنب الإضرار بأيٍ من فئات المجتمع.
الخلاصة:
تمثل المسؤولية الاجتماعية للقطاع الخاص واجبًا إنسانيًا والتزامًا أخلاقيًا طوعيًا تجاه المجتمع بمختلف فئاته، آخذة في الاعتبار توقعات هذه الفئات بعيدة الأمد، ومجسدة لها بمعايير ملموسة ومقاسة من قبيل الاهتمام بالزبائن والعاملين والبيئة، أو أي مفردة أخرى شرط أن يكون هذا الالتزام الطوعي متجاوزًا ما تنص عليه القوانين ومساهمًا في رفع مستوى رفاهية المجتمع.
محمد علواني