إنَّ أكبر تغيير شهده العالم في العقود الثلاثة الأخيرة هو إطلاق “أهداف التنمية المستدامة” وأجندة التنمية 2030, فعلى عكس طريقة إطلاق “الأهداف الإنمائية للألفية” التي أُعلن عنها في عام 2000, ووُضِعت قواعدها بطريقة من “أعلى” إلى “أسفل”- فخرجت مفتقرة إلى مدخلات هامة من شراكات وروابط مع المنظمات غير الحكومية والناشطين وأصحاب المشاريع الاجتماعية وقادة الأعمال في العالم- فقد استغرقت عملية التخطيط للأهداف الجديدة هذه المرة فترة طويلة, واستمرت المفاوضات والتشاور خلال السنوات الثلاث الأخيرة حتى إطلاقها في سبتمبر عام 2015.
عكست الأهداف الجديدة، المدخلات الحقيقية لمجتمع متنوع؛ وبالتالي تصبو أهداف التنمية المستدامة إلى أن تكون عالمية؛ بمعنى تجسيد رؤية عالمية متفق عليها ومشتركة للتقدم صوب إيجاد فضاء آمن وعادل ومستدام لجميع البشر؛ ليعيشوا جميعًا حالة من الازدهار؛ وذلك تحت شعار: “لا ينبغي ترك أي شخص في الخلف”، واعتبار كل فرد، وكل بلد مسؤولًا عن أداء دوره في تحقيق الرؤية العالمية.
وقد اختلفت أهداف التنمية المستدامة في مجمل تعاملها مع قضايا التنمية، ووسعت من رقعة الأهداف؛ لتشمل موضوعات: التغير المناخي، والموارد المالية، والشراكات والحاكمية، كما تغيرت المنهجية في التعامل مع القضايا, فعلى سبيل المثال، اختلفت طريقة النظر إلى سبل القضاء على الفقر- الهدف الأسمى للأهداف الإنمائية للألفية- فقد أثبتت التجربة أن الفقر لا يمكن قياسه فقط بدخل الفرد، بل بعدة عوامل تشمل الدخل، والصحة، والسلامة، والفرص الاقتصادية العريضة.
الشئ الأهم، أن الأهداف طموحة وتمثل تحديًا أمام جميع البلدان المتقدمة والنامية على السواء؛ إذ أعطت الأهداف دورًا كبيرًا للابتكار وريادة الأعمال, ليس فقط في تخصيص هدف مستقل لتنمية الابتكار، بل أيضًا في إقامة بنى تحتية قادرة على الصمود، وتحفيز التصنيع الشامل للجميع والمستدام، ووسعت المجال أمام الابتكار والإبداع وريادة الأعمال في توفير حلول لقضايا الفقر، والصحة، والتعليم، والإسكان، والمياه والصرف، والطاقة، والحفاظ على البيئة وآليات تمويل الأهداف, علاوة على إطلاق الابتكار والإبداع في تحويل كل هذه التحديات إلى فرص اقتصادية، وتوفير فرص عريضة القاعدة لمختلف الفئات والقطاعات للمشاركة الاقتصادية.
وعلى سبيل المثال، ركزت الأهداف الجديدة على رسم غايات الهدف التاسع حول كيفية النهوض بالصناعة والابتكار والإبداع وريادة الأعمال, وأعطت نقاطًا محددة للخروج من أزمة استهلاك التكنولوجيا إلى ابتكارها محليًا وعلى أيدي جميع سكان الأرض, من خلال تعزيز التصنيع الشامل للجميع والمستدام، وتحقيق زيادة كبيرة في حصة الصناعة في العمالة وفي الناتج المحلي الإجمالي، وزيادة فرص حصول المشاريع الصناعية الصغيرة على الخدمات المالية، بما في ذلك خدمات الائتمان قليلة التكلفة.
وتضمنت تلك الأهداف، تحسين البنى التحتية، وتحديث الصناعات؛ لتحقيق استدامتها، مع حث دول العالم على زيادة كفاءة استخدام الموارد، وزيادة اعتماد التكنولوجيا والعمليات الصناعية النظيفة والسليمة بيئيًا، مؤكدة على أهمية تعزيز البحث العلمي، وتحسين القدرات التكنولوجية في القطاعات الصناعية في جميع البلدان.
وطالبت الدول بتشجيع الابتكار، وزيادة عدد العاملين بنسبة كبيرة في مجال البحث والتطوير، وزيادة إنفاق القطاعين العام والخاص على البحث والتطوير، وتحسين الدعم المالي والتكنولوجي المقدم للبلدان الفقيرة؛ للإسهام في دعم تطوير التكنولوجيا المحلية، والابتكار، ودمجها في الاقتصاد العالمي.
كل هذه الغايات- بالرغم من تركيزنا على هدف واحد فقط من بين سبعة عشر هدفًا- ستعطي دورًا كبيرًا للمبتكرين ورواد الأعمال في تنفيذ أهداف التنمية المستدامة, وتدفع الحكومات إلى الاهتمام بتشجيع الابتكار وريادة الأعمال، لكن للأسف لا يملك واضعو السياسات والبيروقراطيون في الدول النامية, الخلفية اللازمة لفهم آثار الابتكار وريادة الأعمال على تنمية المجتمعات، فتجدهم لا يثقون كثيرًا في أصحاب المشاريع الصغيرة، كثقتهم في الشركات المنظمات الكبيرة. لذا, ينبغي تشجيع المؤسسات الحكومية على احتضان المشروعات الصغيرة، والعمل على دمج أفضل التكنولوجيات والابتكارات في برامجها، وإتاحة الفرص أمام أصحاب هذه المشاريع في المناقصات الحكومية.
ولا شك في أن حكومات العالم مطالبة الآن بضمان توفير فرصة عادلة لأصحاب المشاريع الصغيرة والمتوسطة والمبادرات الإبداعية لعرض واستخدام نماذجهم وتحقيق نجاحات في المجالات ذات الصلة؛ كالتعليم أو الرعاية الصحية أو الحفاظ على البيئة.
وينبغي أن توفر لهم الظروف والمنظومات المؤسسية- بتوسيع نطاق منتجاتها وخدماتها- ما يتيح حدوث نقلة نوعية في إنتاج واستحداث التكنولوجيا ونقلها بسرعة إلى مختلف القطاعات التنموية في هذه البلدان، وإنتاج منتجات جديدة مذهلة في الطاقة البديلة، والصحة العامة والتعليم, أفضل بكثير من الحلول القائمة، وبتكلفة أقل.
يجب أن يكون العالم كله – وليس الدول المتقدمة فقط – مبتكرًا لهذه التكنولوجيات؛ حتى يُتاح للجميع الفرص نفسها لتحقيق الغايات والمقاصد التي حددتها أهداف التنمية المستدامة.