شاركتُ بكثير من المؤتمرات والملتقيات والندوات التي تُعنى بوضع سياسات وآليات نشر ثقافة ريادة الأعمال، وتنمية المنشآت الصغيرة والمتوسطة، بمعظم بلداننا العربية، فكان غالبًا ما ينبثق عنها توصيات لا تُفعَّل، بل تظل حبيسة الأدراج، كما أن المستفيدين النهائيين- وهم رواد ورائدات الأعمال وأصحاب ومديرو المنشآت الصغيرة والمتوسطة- لا يعنيهم المساجلات والمناقشات المكررة، بل مُخرجات وآليات وأدوات تفيدهم في بدء وإدارة وتنمية مشروعاتهم.
فكرتُ في الاستفادة من أحد الملتقيات المتميزة، واستنباط دروس ترقَى لنشرها في دول عربية عديدة، وفي قطاعات اقتصادية مختلفة؛ حيث كان الحاضرون وزراء وأعضاء من مجلسي النواب والشيوخ، ورواد ورائدات أعمال شبابًا، وأكاديميين واقتصاديين ذوي خبرة، وشخصيات تمثل المجتمع بمختلف فئاته، وشارك فيه 150 ألف من مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي؛ حيث طُرحت توصيات نافذة عبر أربعة محاور: ثقافة ريادة الأعمال، الدعم والفرص المتاحة، التمويل والاستثمار، والتشريعات والقوانين والإجراءات.
وعلى ضوء ذلك، طُرح عشرين توصية؛ أبرزها: تأسيس هيئة حكومية مستقلة إداريًا وماليًا تابعة لرئيس الدولة مباشرة على غرار هيئة المشروعات الصغيرة بالولايات المتحدة الأمريكية، التي يقوم رئيسها بتقديم تقاريره مباشرة للرئيس الأمريكي؛ ما يعكس مدى اهتمام الدول المتقدمة بقطاع المنشآت الصغيرة، ورواد ورائدات الأعمال.
تم تضمين كافة برامج الدعم الحكومي المتعلق بهذه المنشآت تحت مظلة الهيئة الوليدة، وكان من أنشطتها إنشاء مراكز لتنمية المنشآت الصغيرة بكل منطقة جغرافية بالدولة؛ لتقدم الاستشارات المالية والفنية والإدارية، ورسم خريطة الاستثمار لكل منطقة، مع استحداث صندوق لدعم مشروعات الشباب برأسمال 10 مليارات دولار، والسماح لموظفي الحكومة- الراغبين في إنشاء منشآتهم الصغيرة والمتوسطة- بالتفرغ لمدة عام، ثم تخييرهم بعد ذلك بالاستمرار كصاحب مشروع أو العودة للوظيفة.
كذلك، تطوير برنامج تدريبي لموظفي القطاع الحكومي من ذوي العلاقة والتعامل المباشر مع رواد الاعمال، وبناء نظام معلومات إلكتروني مع مراكز اتصال قادرة على توفير المعلومات، وإعداد سجل خاص بالمنشآت التي يتفرغ أصحابها لإدارتها، ومنح جوائز سنوية تستهدف المنشآت الصغيرة والمتوسطة والجهات والأفراد الداعمين لها، وتخصيص مساحات مناسبة في مختلف المحافظات لبناء مراكز ومُسرعات وحاضنات أعمال، وتخصيص أراضٍ زراعية وصناعية وتجارية بعقود انتفاع ليستثمرها أصحاب المنشآت الصغيرة والمتوسطة.
تضمنت التوصيات أيضًا، تخصيص 10% من قيمة إجمالي المشتريات والمناقصات الحكومية، وإلزام الشركات المنفذة للمشروعات الكبرى بتخصيص نسبة 10% من قيمة المناقصة للمنشآت الصغيرة والمتوسطة، ومراقبة ذلك والتأكد من التنفيذ، مع تمكين رواد الأعمال من تأسيس أندية خاصة تُسهم في صقل تجاربهم وتعزز تبادل الخبرات فيما بينهم، ومراجعة القوانين المنظمة لمنع الاحتكار والإفلاس، ومراجعة سياسات وقوانين واجراءات التمويل.
ويُضاف إلى ما سبق، زيادة التسهيلات الائتمانية في البنوك التجارية، وتطوير وتحسين إجراءات استخراج التراخيص والسجل التجاري، والانتهاء من تقديم كافة خدماتها إلكترونيًا، ومنح إعفاء ضريبي عشر سنوات، ووضع آلية تضمن تسريع سداد الدفعات المالية للمنشآت الصغيرة والمتوسطة المرتبطة بمشروعات مع الأجهزة الحكومية.
وتضمنت أيضًا، بث حزمة برامج إعلامية اقتصادية تفاعلية ومتنوعة؛ لغرس ثقافة ريادة الأعمال وإطلاق قناة تلفزيونية متخصصة في هذا المضمار، علاوة على تضمين المناهج الدراسية والبرامج التعليمية في التعليم المدرسي- بدءًا من المرحلة الابتدائية وحتى الجامعية- مناهج ريادة الأعمال، واستخدام وسائل حديثة لغرس ثقافة ريادة الأعمال في صفوف الناشئة، وتأسيس مراكز للابتكار بكل محافظة، من بين اهتماماتها تحويل الأفكار إلى منتجات ومشروعات.
إذا ما تم تفعيل هذه التوصيات بنجاح وبجدول زمني دقيق، ستصبح الدولة “جنَّة” ريادة الأعمال في المنطقة، كما يمكن لهذه التوصيات أن تكون “روشتة” للحكومات العربية؛ للنهوض ببلدانهم؛ من خلال ريادة الأعمال، وتنمية المنشآت الصغيرة والمتوسطة؛ لتكون نموذجًا لما يجب أن يفعله صناع القرار.
اقرأ أيضًا:
الصفات السبع المشتركة بين رواد الأعمال
لقاح كورونا.. هل يعيد الأمل للبشرية؟