ليس من العسير إيجاد علاقة بين رواد الأعمال والعمل الخيري، فجوهر الريادة عمل من أجل الآخرين، إنها فلسفة الخروج من الذات، والسعي إلى صنع عالم أفضل؛ لذلك فإن المسؤولية الاجتماعية حاضرة بقوة في أعمالهم وشركاتهم.
والربح لديهم ليس مطلوبًا في حد ذاته، وإن كانوا يسعون إلى الربح فإنما يهدفون إلى استخدام هذه الأرباح في خدمة المجتمع، وتقديم المساعدات الإنسانية، والدفع بالمجتمعات الإنسانية قُدمًا.
ووفقًا لتقرير صادر عن شركة “Ernst & Young” فإن الشغف الشخصي والعمل الخيري للشركات يسيران جنبًا إلى جنب، ووجدت الدراسة، التي استطلعت آراء أكثر من 160 من الرؤساء التنفيذيين ومؤسسي الشركات، أن 89% من المستجيبين يتبرعون بالمال (عبر شركاتهم وشخصيًا) و70% آخرين يتبرعون بوقتهم أيضًا.
ونحاول فيما يلي تبيان ملامح العلاقة بين رواد الأعمال والعمل الخيري عبر الإشارة إلى بعض الأمثلة اللافتة في التبرع والمساهمات الخيرية، وذلك على النحو التالي.
اقرأ أيضًا: المسؤولية الاجتماعية تجاه المصابات بسرطان الثدي.. الدور والأثر
التبرع للمؤسسات البحثية
حين نتحدث عن المسؤولية الاجتماعية للأثرياء أو نحاول استقصاء العلاقة بين رواد الأعمال والعمل الخيري فلا يجمل بنا أن نغفل ديفيد موردوك؛ مؤسس شركة Dole Food Company ومالك Castle & Cooke، الذي تبرع بمبلغ 50 مليون دولار لمعهد “ديفيد إتش موردوك للأبحاث” في عام 2013.
وما زال الرجل المتجاوز الـ 97 عامًا مستمرًا في أعماله الخيرية، وتمويل المؤسسات البحثية في مجال الصحة والتغذية والزراعة.
فيما تبرع إبراهام ميتشل بما يزيد قليلًا على 50 مليون دولار لجامعة جنوب ألاباما، وشارك في تأسيس مجموعة ميتشل؛ وهي شركة عقارية مزدهرة في ألاباما، وتبرع بـ 25 مليون دولار إلى منحة دراسية أكاديمية، فيما يذهب النصف الآخر من هذه المنحة إلى كلية ميتشل للأعمال.
والمثير للدهشة أن ميتشل؛ البالغ من العمر 79 عامًا، لم يذهب إلى الجامعة أبدًا، ولكن كانت تربطه صداقة قوية مع الرئيس السابق للحرم الجامعي “جوردون مولتون”.
اقرأ أيضًا: المؤسسات غير الربحية.. تعريفها وأنواعها
التبرعات الطبية
وفي مجال رعاية الأطفال تبزغ عائلة برجر؛ التي تملك شركة كوفنتري، وهي شركة تأمين على الحياة في بنسلفانيا، والتي تبرعت في عام 2013 بمبلغ 50 مليون دولار لمركز رعاية طب الأطفال المتقدم بمستشفى فيلادلفيا للأطفال، فيما يعمل Reid Buerger؛ ابن المؤسس الأصلي، أمينًا لهذه المستشفى.
وتبرع الزوجان آرثر وريبيكا سامبورغ بأكثر من 50 مليون دولار لمستشفى نيويورك برسبيتريان وكلية كولومبيا للأعمال في عام 2013.
جيمس كلارك ودعم الهندسة الطبية
بصفته مؤسسًا مشاركًا لـ Netscape، غالبًا ما يتصدر James Clark المخططات عندما يتعلق الأمر بالعمل الخيري؛ حيث تبرع بمبلغ بـ 60 مليون دولار في عام 2013 لمركز “جيمس إتش كلارك للهندسة” الطبية الحيوية والعلوم بجامعة ستانفورد. كما كان أحد مؤسسي هذا القسم عام 1999 وقدم له هدية سابقة قدرها 90 مليون دولار. ومع ذلك، فإن هذه الجولة الأخيرة ستذهب نحو البحث فقط.
اقرأ أيضًا: جو رايلي.. إنسانية رائدة أعمال تدعم مريضات السرطان
وارن بافيت والمسؤولية تجاه المجتمع
فيما يتعلق بـ المسؤولية الاجتماعية للأثرياء أو عند فحصنا للعلاقة بين رواد الأعمال والعمل الخيري لا يمكن أن نغفل وارن بافيت؛ ليس لكونه أحد أثرياء العالم ذوي القدم الراسخة في المساهمات الخيرية، وإنما لأنه يرى أن أمواله مسؤولة تجاه المجتمع.
أي أن للمجتمع حق في هذه الثروة التي جمعها، بل إنه سخر كثيرًا من نظام السوق وآلياته (التي كانت، وللمفارقة سببًا في جمع هذه الثروة)، كما تبرع بأغلب ثروته قبل موته.
ولعل أبرز مساهماته الخيرية تبرعه بمبلغ 31 مليار دولار لمؤسسة بيل وميليندا جيتس، وهي مؤسسة خيرية عالمية مكرسة للحد من الفقر وتوسيع الفرص التعليمية.
Rick Schaden والتنمية المجتمعية
يُعد Rick Schaden؛ رئيس مجلس إدارة شركة Consumer Capital Partners ومؤسس العديد من المطاعم الشهيرة مثل Smashburger وTom’s Urban 24، أحد أبرز رواد الأعمال المتطوعين والمساهمين في العمل الخيري.
وهو عمل على إصلاح مجتمع المحيط (في دنفر) ومواجهة بعض الظواهر السلبية الخطيرة مثل التشرد؛ حيث تبرع في عام 2009 بمبلغ 1.5 مليون دولار لمؤسسة Mercy Housing Colorado لبناء مجمع سكني مكون من 66 وحدة للعائلات التي كانت بلا مأوى سابقًا.
وبالإضافة إلى عمله للتخفيف من حدة التشرد في دنفر -حيث يوجد حوالي 11000 شخص بلا منزل- شارك Rick Schaden أيضًا في تأسيس صندوق عائلة شادن لرعاية الجمعيات الخيرية المحلية في دنفر.
وهكذا ومن خلال هذه الأمثلة يمكن القول إن رواد الأعمال والعمل الخيري يأتيان يدًا في يد، وإن الريادة ليست محاولة لتعظيم الربح ومراكمة الثروة، وإنما هي، إن جاز القول، فن تغيير العالم وصنع عالم أفضل.
اقرأ أيضًا:
المنافسة العادلة بين الشركات.. فلسفة الربح الجماعي
ضمان العدالة بين الموظفين.. الطريق لبيئة عمل صحية
قواعد نجاح المسؤولية الاجتماعية للشركات