لا شك في أنَّ للتحول الوطني- كأحد المحاور الرئيسة لرؤية 2030 – أثره الواضح على جميع أنشطة الأعمال بالمملكة؛ لذا من الطبيعي أن يشمل هذه الأثر الكيانات الاقتصادية بأحجامها وأعمارها المختلفة الكبرى والعريقة، وأيضًا على المنشآت المتوسطة والصغيرة؛ ومن ثم الأثر الأكبر على رواد الأعمال الذين كانوا قد وضعوا ـ كغيرهم ـ خطط أعمالهم، سواء كانت هذه الخطط استراتيجية صيغت لتمتد عدة سنوات تحت ظروف مختلفة كليًا عما عليه الحال الآن، أو خطط عمل تتعلق بتحقيق أهداف محددة خصص لها موازنات مالية محددة وطرق تمويل وتقنيات تشغيل وتكاليف توظيف وغيرها من العناصر اللازمة في ظل معطيات الفترة آنذاك.
والسؤال الأهم: “هل أخذ رواد الأعمال تلك المتغيرات في الحسبان؟”؛ أو بمعنى آخر: “هل كان لدى رواد الأعمال خطط بديلة يسهل مواءمتها مع الظروف الجديدة؟”. الإجابة في رأيي: “لا” عند الأغلبية، وهو أمر طبيعي في مثل هذه الظروف الاقتصادية والاجتماعية، بل والسياسية.
من جهة أخرى، أعلنت الدولة- في نظرتها لرواد الأعمال- أنها الداعم الأول لهم؛ إذ وضعت رؤيتها على أساس الاستفادة القصوى من طاقات أبناء الوطن، وإكسابهم المهارات التي تمكّنهم من تحقيق أهدافهم؛ إذ وضعت الرؤية شعار “نتعلم لنعمل”، كما تعزز جهودها في مواءمة مخرجات المنظومة التعليمية مع احتياجات سوق العمل؛ ومن ثم أطلقت البوابة الوطنية للعمل “طاقات”؛ ليتم تأسيس مجالس مهنية خاصة بكل قطاع تنموي، تُعنى بتحديد ما يحتاجه من المهارات والمعارف.
كذلك، تعهدت الدولة بدعم المنشآت المتوسطة والصغيرة والأسر المنتجة؛ بالاعتماد على الكفاءات الوطنية، بالإضافة إلى استقدام الكفاءات الخارجية التي تحتاج إليها الدولة. كل ذلك لتحقيق أهداف رئيسة بحلول العام 2030 منها: تخفيض معدل البطالة من 11.6٪ إلى 7%، وزيادة مساهمة المنشآت الصغيرة والمتوسطة في إجمالي الناتج المحلي من 20% إلى 35%، ورفع نسبة مشاركة المرأة في سوق العمل من 22% إلى 30%.
وهنا، يجب على رواد الأعمال مواءمة أهدافهم مع هذه الاستراتيجيات، وتطويع خططهم لتحقيق الاستفادة القصوى من هذه الرؤية، وهو ما قد يكون صعبًا على رواد الأعمال الذين أسسوا أعمالهم في مجالات أو أنشطة اقتصادية على معطيات الماضي القريب دون الأخذ في الحسبان الوضع الحالي، ولكنه ليس مستحيلًا، بينما الفرصة متاحة أمام رواد الأعمال الجدد أو من هم في طور إنشاء أعمال جديدة.
وعلى سبيل المثال، لو اخذ رواد ورائدات الأعمال موازنة العام 2018 التي أعلنتها الدولة في ديسمبر الماضي بنظرة تحليلية لعناصرها، لوجدوا أنَّ قطاعات التعليم والصحة والتنمية الاجتماعية والموارد الاقتصادية قد بلغت مخصصاتها 45.3% من إجمالي الميزانية ،وتوجهت خططهم نحو كيفية الاستفادة من تلك المخصصات، سواء بالاستثمار المباشر أو غير المباشر في هذه الأنشطة؛ لتمكنوا من الحصول على حصة معقولة من سوق تلك القطاعات، علاوة على فرص في جميع الأنشطة المرتبطة بالقطاعات المذكورة بعد عمل الدراسات اللازمة لها.
ونؤكد على وجوب تغيير نمط رواد الأعمال؛ ليرتبط تخطيطهم بالاتجاه العام للدولة، مع توجيه أنظارهم إلى الأنشطة الاقتصادية العالمية ـ غير التقليدية ـ مثل الطرق الجديدة للتجارة الإلكترونية من خلال التطبيقات التي امتدت لتشمل جميع مجالات الاستثمار، وكذلك مواقع التواصل الاجتماعي كوسائل إعلام ناجعة في التسويق.
وحاليًا، نجد حلبة الاستثمار والأعمال متاحة الآن فقط للمحترفين وليس للهواة، كما كان في السابق، ونعني بالاحتراف هنا: امتلاك القدرات اللازمة لتحقيق الاستدامة؛ أي يكون لدى رائد الأعمال المقومات الكاملة للإنتاج والتشغيل والتسويق، والاحتفاظ بالحصة المناسبة من السوق في مجال عمله، وأن يُقيِّم وضعه في السوق في فترات متقاربة، مع تحديد الانحرافات بين المخطط والفعلي، والعمل على معالجتها أولًا بأول؛ أو بمعنى آخر امتلاك أسس الادارة الرشيدة والتنظيم.
قاسم حسن منصور
استشاري الدراسات وتخطيط وتطوير الأعمال