لم يسهم نشاط إنساني على مر تاريخ البشرية مثلما أسهم الابتكار والإبداع البشري في تغيير أنماط الحياة وأساليبها على وجه الأرض، وفي كل المجتمعات التي قدر لها أن توجد على وجه البسيطة كتفكير انفراجي حر جرى على مشكلة محددة بهدف الوصول إلى حلول جديدة مثيرة لدهشة الآخرين ومساهمة في إضفاء نوع من التغيير والتجديد على حياتهم اليومية، وكأحد أنواع التفكير التباعدي الذي يعني التفكير في نسق مفتوح لإعطاء حلول متنوعة لمشكلة ما أرهقت الأفراد؛ ولهذا لم يكتف المبتكرون والمبدعون على مر تاريخ التطور الإنساني بما هو موجود والعمل على تكراره، بل اهتموا بالإضافة والتغيير فكانت أعظم الاختراعات التي غيرت وجه الحياة على الكرة الأرضية نحو الأفضل، من خلال إيجاد حلول وتوفير معينات أسهمت في تسهيل حياة الإنسان، وقادت إلى الثورة الصناعية ومكنته من المضي خطوات نحو تحقيق الرفاهية وهي الهدف الذي تسعى إلى تحقيقه اليوم كل الحكومات.
لقد أصبح الابتكار أحد النشاطات الضرورية التي تميز أمما عن غيرها ومجتمعات عن الأخرى، وفعلا مهما في إدارة المؤسسات والمنظمات والمنشآت الحكومية والخاصة، ولم تعد الروتينية التقليدية مجدية في زمان صارت فيه الفكرة الجديدة هي السلعة التي يبحث عنها الكل، في ظل وجود منافسة شرسة تسود كل الأنشطة الاقتصادية والاجتماعية وحتى الثقافية، وازداد الطلب على النشاط الابتكاري حتى صار توفير القدرات الإنسانية القادرة على الابتكار والإبداع أهم استراتيجيات النشاط المتميز للمنظمات والهيئات، بل إن الحكومات الراغبة في تحقيق الرفاهية لشعوبها وجهت اهتمامها نحو المبتكرين والمبدعين وميزتهم وشجعتهم وأتاحت لهم من الفرص ما مكنهم من تطوير قدراتهم الإبداعية والابتكارية؛ لمواكبة التطور السريع الذي يشهده العالم وتتسارع فيه الخطى، حتى إن المقياس لنهضة وتقدم الأمم أصبح مرجعه الرئيس بمدى ما يتوفر لتلك الأمم من قدرات ابتكارية يسهم في تكوينها وتأسيسها أفراد المجتمع بمختلف أطيافهم، خاصة شريحة الشباب التي يعول عليها في قيادة دفة التغيير.
إن التوجه والبحث في صفات الأفراد لاكتشاف الطاقات القادرة على الابتكار والإبداع فيهم، أمر مهم يجب أن تضعه الحكومات العربية ضمن أولوياتها وضمن استراتيجياتها وخططها الخاصة ببرامج التنمية الشاملة والمستدامة، والبحث عن المعوقات التي تسهم في تأخير إطلاق الطاقات لدى الأفراد؛ بفتح مجالات جديدة للمبتكرين وتوفير مناخ وبيئة ومساحات رحبة لاستيعابهم حتى لا تتحول أفكارهم من حالة النشاط إلى حالة الجمود ويدخلون دائرة الإحباط واليأس، وبالتالي ينعزلون عن مجتمعاتهم التي كان بإمكانهم تطويرها والمساهمة في تنميتها وترقيتها، وهذا الإهمال إن حدث فقد يؤدي أيضا إلى تحويل المبتكر من الاهتمام بمجتمعه وأمته إلى الاهتمام بنفسه وتغيير كبير في اتجاهاته السلوكية من العمومية إلى الخصوصية، فالمبتكرون والمبدعون هم الآن أمل البشرية في حل المشكلات التي تواجه الإنسان، والتي تعددت أنماطها وتنوعت إشكالها وأضحت في كثير من تفاصيلها تهد حياة الإنسان كمشكلات التلوث البيئي ومشكلة الغذاء والصحة والأمن العالمي.
إن حاجة الدول العربية بما فيها مصر إلى تشجيع الابتكار والإبداع تبدو أكثر من غيرها؛ لأن الدول المتقدمة ركزت على هذا الجانب واستطاعت من خلاله وما زالت تجتهد في عبور نفق التنمية إلى الرفاهية شبه الكاملة، ونحتاج أكثر من غيرنا إلى تعميم مفاهيم تشجع الابتكار وتدعو إلى ارتياده في جميع مجالات الحياة، فغياب نشر مثل هذه الثقافة يعد من المشكلات التي يجب أن تتوافر لها حلول سريعة؛ لأن الطريق إلى التقدم والتطور يمر عبر بوابة خلق أفكار جديدة تسهم في تحقيق نقلة حضارية للمجتمعات العربية والمجتمع المصري.