قضى طفولته بمدينة الدمام؛ حيث كان والده أميرًا لمحافظة رأس تنورة، ثم أميرًا لمنطقة البريمي، ودرس الابتدائية والمتوسطة والثانوية في الدمام، ثم حصل بعدها على بعثة من الدولة لدراسة الطب في ألمانيا، فبرز بين أقرانه؛ حتى عُرض عليه عضوية الهيئة الطبية بجامعة أخن الألمانية، لكنه فضَّل العودة إلى المملكة ليفيد أبناء وطنه من العلم الذي حصَّله.. عمل بمستشفى الملك فيصل التخصصي لمدة 22 سنة بجراحات سرطان الرأس و الرقبة، وسافر إلى أمريكا، ثم سويسرا ليحصل على شهادة التخصص الدقيق في جراحة قاعدة الدماغ ..إنه الدكتور عبدالله بن تركي العطيشان؛ رائد جراحة قاع الدماغ، الذي أجرينا معه هذا الحوار…
حاوره: عبدالله القطان
كيف كانت مرحلة الطفولة؟
كان والدي- رحمه الله- حريصًا جدًا على تعليمنا، فكان يردد دائمًا: ” ليس لكم بعد الله إلا العلم”، وكان حريصًا أيضًا على تعليمنا التنظيم، وخصوصًا تنظيم الوقت، فكان يحدد لنا مواعيد النوم، وأوقات الخروج من المنزل.
الغربة في ألمانيا
كيف كانت بداية حياة الغربة في ألمانيا؟
كانت بلا شك حافلة بالصعوبات؛ فقد سافرت إليها دون أن أعرف عنها شيئًا، لا لغتها ولا عاداتها، فلم تكن المعلومات متوفرة كما في عصرنا الحالي، فسعيت لتذليل هذه الصعوبات بدراسة اللغة الألمانية بمعهد جوته في مدينة بوبارت القريبة من فرانكفورت في ألمانيا، وأقمت مع عائلة ألمانية، ثم التحقت بعدها بجامعة ماينز لدراسة الطب. و بعد تخرجي منها عملت في مستشفى جامعة ماينز، ثم في مستشفى تابع لجامعة ماربورغ. و أخيرًا، بدأت تخصصي في جراحة الأنف و الأذن و الحنجرة و الرأس و الرقبة بجامعة أخن. وهناك عُرض علي- بعد إنهاء التخصص- أن أستمر بالجامعة كعضو في المجموعة الطبية في الجامعة، لكنني رفضت.
ولماذا رفضت عرض جامعة أخن الألمانية ؟
كان عرضًا مغريًا، ولكنني فضلت الرجوع إلى الوطن وفاءً لما قدمه لنا كمبتعثين، و لأن وطننا الحبيب أولى بنا. وأود أن أذكر دعوة الملك فهد أثناء زيارته لألمانيا في مدينة بون؛ إذ اجتمع بنا- رحمه الله- و أشاد بجهودنا، فذكرنا له أن الدراسة بألمانيا طويلة و شاقة، وناقشنا معه المواضيع التي تهم المبتعثين، فكان -رحمه الله- واسع الصدر في الاستماع لمشاكلنا،؛ إذ أشاد بجهودنا ،و ذكر أن الوطن ينتظرنا.
عملت بمستشفى الملك فيصل التخصصي من عام 1987 م إلى عام 2009 م بجراحات سرطان الرأس و الرقبة، ثم سافرت إلى أمريكا، ثم سويسرا و حصلت على شهادة التخصص الدقيق في جراحة قاعدة الدماغ ، حدثنا عن هذه التجربة ؟
سافرت إلى لوس أنجلوس بولاية كاليفورنيا الأمريكية؛ حيث أسس د. وليم هاوس، والبرفسور فيش جراحة قاع الدماغ. وبعد عودتي للمملكة، قررنا- في قسمنا بستشفى الملك فيصل التخصصي- تقسيم التخصصات، كلٌ في تخصص عالٍ، فاخترت تخصص قاع الدماغ. بعد ذلك، سافرت إلى سويسرا للتدرب مع البرفسور فيش.
جراحة الدماغ
كيف ترى مستوى المملكة في جراحة قاعدة الدماغ ؟
عملية جراحة قاعدة الدماغ من العمليات المعقدة؛ إذ تستغرق من 16 إلى 18 ساعة، و في حالات أخرى تستغرق أكثر من ذلك، فهي ليست سهلة؛ لذا لايقوم بها إلا عدد محدود من الأطباء. وهناك نوعان من جراحة الدماغ: نوع يجريه أطباء الأنف والأذن والحنجرة، والآخر يجريه جراحو الدماغ، ولكن بطريقة تختلف عن طريقتنا.
هذه العمليات تستغرق وقتًا طويلًا وتبعدك عن الأسرة ولذة الحياة، فما تعليقك ؟
أبنائي كبروا ولم أتمتع بهم، فالطبيب؛ إما يكون للمرضى أو لأسرته. ونحن –كأطباء- غالب وقتنا لمرضانا. ولو خاطبت أي جراح في المملكة- وهم كُثُر- لأخبرك بأنه قليلًا ما يجلس مع أسرته، فهو إما مشغول مع المرضى، أو في البحث العلمي؛ لذا ندعو الله- عز وجل- أن يكون في عون أهلينا.
هل هناك أمراض معينة يعاني منها سكان المملكة ؟
أكثر ما يعاني منه سكان المملكة هو الحساسية؛ بسبب العوامل الجوية، وبعض أنواع الأشجار. وتنقسم أسباب الحساسية إلى قسمين: داخلي مثل العطور و البخور والموكيت، وخارجي مثل الغبار وتغيير الجو من بارد إلى حار وأثناء اللقاحات والتلوث البيئي؛ ما ينتج عنه انسداد في الأنف، وصداع، وصعوبة في البلع.
وماذا عن أبنائك، هل اتجهوا أيضًا إلى مجال الطب؟
لا، لم يتجه منهم أحد إلا ابني الأصغر.
خصخصة القطاع الصحي
تتجه حكومة خادم الحرمين إلى خصخصة القطاع الصحي، فكيف ترى ذلك؟
الخصخصة هي التأمين الطبي للمواطنين، وقد أنفقت الدولة في السابق بشكل كبير على القطاع الصحي، ولكن لم تحقق النتائج المرجوة التي تسعى إليها. وأعتقد أن التأمين الطبي سوف يطور الطب، ويحفظ حقوق المرضى، وإمكانية العلاج لكل طبيب، كما يخلق بيئة تنافسية بين المستشفيات لتقديم أفضل مالديها للمريض، لاسيما وأنَّ جميع الدول المتقدمة قد خطت هذه الخطوة؛ لذا من الأفضل أن نبدأ من حيث انتهى الآخرون.
احترام القَسَم
لكن هناك أطباء يتاجرون بالمرضى أحيانًا ؟
لا يصح أن تضع جميع الناس في بوتقة واحدة، فهناك طبيب مشهور في أمريكا أجرى تركيب دعامات للقلب لنحو 450 مريضًا ليسوا في حاجة لها. وأعتقد أن غالب الزملاء من الأطباء يراعون القَسَم الذي أقسموه بعدم إجراء عمليات أو صرف علاج لمريض لايستحق.
مستقبل الطب مع التكنولوجيا
بعد بث العمليات الجراحية عبر الإنترنت، واستخدام الروبوتات في هذا المجال، كيف ترى مستقبل الطب مع التكنولوجيا؟
كان لدينا مطالب عديدة؛ لكي نساير التطور التكنولوجي في مجال الطب؛ حتى نستطيع من خلاله إجراء عمليات جراحية لأي مريض في شتى أنحاء المملكة ونحن في الرياض؛ ما يوفر على المريض المال والوقت، كما أن دخول التكنولوجيا مجال الطب يقلل من تكلفة الجراحة ويؤدي إلى تطويرها.
الجينات الوراثية
هل تعتقد أنَّ التطور في علم الجينات الوراثية يساهم في التخلص من بعض الأمراض؟
بلا شك، فغالب الأمراض الوراثية سببها الجينات. وذات يوم سوف نصل إلى تعديل الخلل الموجود في الجينات، بحيث لا يتكرر. وعمومًا، فهو مجال واسع مازلنا في بدايته.
هل يواجه شباب الأطباء صعوبات عند إنشاء عيادات خاصة؟
لا توجد صعوبات، فإجراءات الدولة واضحة وسهلة، ولكن التحديات المالية هي التي قد تشكل عقبة؛ لأن تكلفة الأدوات والأجهزة الطبية عالية جدًا؛ لذا يفضل الأطباء السعوديون إنشاء عياداتهم في المستشفيات الخاصة.