حدد الخبير الشهير ماسلو، الاحتياجات الأساسية للبشر في ثلاثة أشياء: “الغذاء والكساء والمأوى”، بالرغم من أنها معروفة منذ خلق أبينا آدم وأمنا حواء- عليهما السلام- وتم تلبيتها بالفطرة والتأمل والتجربة والخطأ والاستكشاف، فكانت الثمار والأعشاب غذاءً، وورق الشجر كساءً، وكهوف الجبال والأشجار مأوى.
بعد أن استطاع الإنسان- بالفطرة- تلبية الحد الأدنى من احتياجاته الأساسية، بدأ عملية “التعلم” من خلال “التأمل” “والتجربة والخطأ”، ثم الاستكشاف، فتكونت لديه “معرفة” من خلال “التعلم” وليس “التعليم”.
وكان للحجر -بعد الشجر- دور كبير، حتى قبل ما سُمِّى بالعصر الحجري؛ حيث استخدم “الحجر الواحد” كسلاح للحماية، ثم اكتشفت النار من “حجرين” اصطدما معًا، وقبلها عُرفتْ النار من برق السماء الذي أشعل ساق شجرة .
وفي العصر الحجري بأحقابه المختلفة، استخدم الإنسان الأول الأحجار كسلاح للصيد من خلال نحتها، وكان قبل الصيد يلتقط غذاءه من الثمار أو أوراق الشجر. ثم من الصيد، تعلم الإنسان تدجين أو تأنيس الحيوانات، وانتقل إلى جانب الصيد لتربية الحيوانات، سواء الداجنة أو بالرعي، ومن الرعي تعلَّم الزراعة.
أي إنه بدلًا من أن يترك غذاءه من اللحم ( بالصيد) للصدفة، لجأ لرعي الحيوانات أو تدجينها. ولأن “المرعى” ينمو ويجف”، لم يترك رعي حيواناته للصدفة، فتعلم الزراعة (بالتأمل والتجربة والخطأ والاستكشاف)، ومن الزراعة لم يكتفِ بغذاء الحيوانات من المراعي، بل عرف أيضًا زراعة غذائه.
بالتوازي مع اكتشافه النار واستخدامها في التدفئة والحماية من الحيوانات المفترسة، استخدمها في “الطهي”، ثم مع اكتشاف المعادن في نهاية العصر الحجري، استخدم النار في صهر المعادن وصنع السلاح والأدوات البسيطة.
بنمو مهارات الزراعة والرعي والصيد لدى الإنسان الأول، كان لابد من المشاركة والتعاون، خاصة وأن الزراعة شجعت على التوطن والاستقرار، عكس نشاطي الرعي والصيد اللين تعتمدان على التنقل، فكان ولاء المجتمعات الزراعية “للأرض” بالأكثر بينما ولاء أو انتماء المجتمعات الرعوية للجماعة أو شيخ القبيلة.
وحتى الآن في أفريقيا، جانب كبير من الثروة الحيوانية (من الماشية / الأغنام/ الجمال) لا يمكن الحكم بملكيته لدولة إفريقية معينة، بل يسهل إثبات ملكيته لقبيلة تنتقل ما بين حدود بلدين أو أكثر . والغريب أيضًا أنه- في عصرنا الحديث- لا نستطيع أن نقول من هي الدولة الأولي في إنتاج السيارات، بل نقول إن مجموعة شركات “تويوتا” هي الأولي، ثم “فولكس فاجن” الألمانية، وكلاهما تنتج أكثر من 10 مليون سيارة / سنة في أكثر من دولة أوروبية وآسيوية وإفريقية.
الخلاصة، أن الإنسان- خلال العصر الحجري بأحقابه المختلفة- قد “عرف” “الصيد والرعي والزراعة” ومن الزراعة عرف الاستقرار، كما أن نمو إنتاج المحاصيل المختلفة أظهر ضرورة “التبادل”؛ أي “التجارة”.
وبزيادة الإنتاج الزراعي، عرف الإنسان- مع “التجارة”- حفظ فائض المحاصيل، سواء بالتخزين أو الطهي أو التصنيع البدائي؛ مثل التجفيف أو الطحن لإنتاج الدقيق، ثم الخِّبز لإنتاج الخُّبز.
وبذلك كان الطهي- باكتشاف النار- مدخلًا لحفظ الطعام؛ بتحويله “من حالة إلى أخرى”؛ وهذا مفهوم الصناعة التحويلية Manufacture. كل ما هناك أن تكوين الإنسان ” لمعرفته” من خلال “التعلم” -دون توفر منظومة التعليم، أو دون توفر معارف وخبرات سابقة- استغرق ذلك مئات وآلاف السنين؛ لذلك فإن أبطأ أنواع المعرفة تلك التي تأتي من خلال التجربة العشوائية والخطأ؛ أما “البحث العلمي” المبني على منهج بحث وتجربة مخططة فينتج معرفة عميقة.
“الفطرة والتأمل والتجربة والخطأ” ساعدت البشرية في عصورها الأولي من ” بناء معرفة” بطيئة التكوين مكنتها من الانتقال من حقبات ودورات للتقدم والتغير نحو الأفضل، من الصيد إلى الرعي، إلى الزراعة إلى إتقان صناعات بدائية لتلبية احتياجات أساسية أو للحفظ والتخزين، ثم الانتقال من حال إلى حال أفضل، وهذا هو جوهر التنمية.