إنَّ “التعليم” و”الرغبة في التعلم”، أمرٌ فطر الله- عز وجل الإنسان- عليها، فالطفل لا يفعل ثلاثة أشياء، إلا عندما يقرر هو ذلك بمفرده من خلال “التعلم”؛ إذ يقرر “متى وكيف يتكلم”، و”متى وكيف يمشي”، و”متى وكيف يلعب”.
وبقليل من الملاحظة والتجربة، نجد أنه مهما حاولنا مع طفل يحبو، أن نعلمه المشي أو الكلام أو اللعب، فإن جهدنا لا يثمر، إلا عندما يقرر هو ذلك من خلال “التعلم” بالتجربة والخطأ: كيف يمشي أو يلعب أو يتكلم؟.
في “التعلم”، تأتي التربية أولًا لتربية النفس- منذ الصغر- على كل الاتجاهات والسلوكيات الإيجابية السليمة السوية، ثم تأتي عملية إكساب المهارة من خلال “التدريب والتكرار”، وخاصة المهارات التي تثبت الاتجاهات والسلوكيات الإيجابية، ثم يأتي أخيرًا ترتيب “تنمية المعارف”؛ من خلال تزويد الطفل بمعلومات بسيطة عن الطبيعة والبيئة؛ مثل الألوان، والنباتات، والحيوانات، والطعام والشراب.
والآن، كيف يكون “التعلم” هو الطريق إلى “المعرفة”؟:
يكون كذلك؛ لأنه عادةما يكون “ثلاثي الأبعاد” أو “ثلاثي التطبيقات”، ففضلًا عن أنه يتضمن “تنمية المعارف” بالتعليم التقليدي، و”تنمية المهارات” بالتدريب، و”تنمية الاتجاهات والسلوكيات” بالتربية، فهو أيضًا يستخدم ثلاثة تطبيقات: التعلم بالسمع، والتعلم بالرؤية، والتعلم بالتجربة والفعل.
ومن الغريب، أن اليقين في “الفقه الإسلامي” ثلاثة درجات: “علم اليقين، وعين اليقين، وحق اليقين”؛ أي إن اليقين يتحقق على ثلاث درجات: بالعلم أو العين (الرؤية) أو التجربة، فإذا كان الفقه (أي الفهم) الإسلامي قد بيَّن ذلك منذ مئات السنين، فكيف لم “نتفهم” إلا قريبًا أن “اليقين” الذي هو أقرب “للمعرفة” لا يتحقق إلا بالعلم والرؤية والتجريب أو التطبيق أو الممارسة؟!.
ومن المؤكد، أن “معرفة” الشئ أو المعلومة أو الظاهرة أو الفكرة، بالعلم والرؤية والتجربة، يؤدى إلى “الفهم”، الذي بدوره يتضمن القدرة على “الشرح والتفسير والتبرير”، فقد رأينا بين بعض شبابنا وخريجي الجامعات- وكذلك بين المسؤولين والمثقفين- فارقًا كبيرًا بين “العالم بالشيء” “والعارف بالشيء”، بل أصبح سُبَّة أن نصف شخصًا بأنه يحفظ ولايفهم!.
إنَّ خريجي التعليم البائس، هم حفظة مناهج وقصائد ومعادلات ولوائح وموانع، فمن أين يأتي الإبداع، وكيف تتأتي الريادة والنجاح؟.
والآن، هل فيما استعرضناه معًا اكتشاف أو اختراع، أم محاولة “للفهم”، وسعى لمعرفة سبب تخلف التعليم عندنا، وكيف أن “التعلم” هو المستقبل؟. وليس هذا اكتشافًا، بل عرفه واستفاد منه الغرب المتقدم ودول آسيا الشهيرة بالنمور. وكثير منا- نحن العرب- من عرف ذلك، تجده في قول حكيم مجهول: “العلم درجات يصل بالناس إلى درجة “الكلمة” أو درجة “الحكمة”، فمن وقف عند تحصيل المظهر أتقن الكلمة، ومن غاص في الجوهر، وصل إلى حقيقة الحكمة. ولأمير الشعراء المصري أحمد شوقي، بيت شعر عبقري الفهم:
قُــمْ لـلمعلّمِ وَفِّـهِ الـتبجيلا كـادَ الـمعلّمُ أن يـكونَ رسولًا
لأعلمتَ أشرفَ أو أجلَّ من الذي يـبني ويـنشئُ أنـفسًا وعقولًا؟
أحمد شوقي من عشرات السنين- وقبل اليابان بزمان- وصف المعلم بأنه الذي يبني النفس. ومن غريب أن الهدف الرئيس للتعلم الياباني في مرحلة الطفولة المبكرة هو “تربية النفس”.
الأعجب، أن عميد الأدب العربي طه حسين المصري عندما كان وزيرًا، سمَّى وزارته بـ”المعارف” وليس التعليم، وكذلك كانت معظم الوزارات بعد ذلك يُطلق عليها “التربية والتعليم” فكانت “التربية” تسبق التعليم، وعندما غابت علوم وفنون التربية، غاب أيضًا التعليم، ولم يظهر التعلم.
وإذا كان “التعليم” التقليدي لم يؤدِ لإنجاح أوطاننا، ولم يستطع أن يوفر فرص العمل لشبابنا، فهل يمكن لـ”التعلم” تحقيق ما فشل فيه “التعليم”؟.
إنَّ “التعلم” هو الطريق للمعرفة، والمعرفة هي الطريق إلى “الفهم”، فأين ريادة الأعمال؟ أين فرص العمل؟ أين بارقة الأمل؟!.
“لحظة فهم .. للرواد فقط”
” ليس السوق مجرد أفراد وجماعات وشرائح (أ ، ب ، جـ)، بل هو- إلى جانب ذلك- دولة بأراضيها، ومبانيها، وبحارها، وأنهارها، وشواطئها، وسلطاتها التنفيذية والتشريعية والقضائية، دولة لها احتياجات ومتطلبات أيضًا. هكذا يجب نظر الرواد إلى السوق الكبير.