لنتعرف على قصة التنمية وبداية قصة الاقتصاد، تنناول كتاب “الرأسمالية الطيبة والرأسمالية الخبيثة”، بالنقد الموضوعي من خلال فهم باحثين وخبراء أكاديميين، لكن هل كل ما قالوه صواب يؤخذ كما هو؟!
في رأيي، أنهم أصابوا “بشجاعة” عندما أدانوا مختلف أنواع الرأسمالية، سواء الموجهة من الدولة أو رأسمالية الشركات الكبرى (احتكار القلة)، أو بالطبع إدانة رأسمالية القلة الحاكمة”.
كذلك، أصابوا عندما وضعوا أملًا كبيرًا على “رأسمالية ريادة الأعمال” لتحقيق مستقبل أفضل للتنمية والنمو بين دول العالم. ودليل أنهم أصابوا في “الإدانة”، الأزمة المالية العالمية عام 2008 (بعد ظهور الكتاب)، والتي أصابت معظم الدول الرأسمالية بنكسة كبيرة.
وقد أدى ظهور عدد كبير من “رواد الأعمال” بعد عام 2006 إلى تغيير الأسواق التقليدية في مجالات متعددة- مثل: التسويق والاتصالات والتواصل الاجتماعي والنقل والمواصلات- إلى أسواق ناشئة جديدة، اتسعت لتصبح أسواقًا عالمية، وانتقل معها مشروعات شباب “رواد الأعمال” من شركات صغيرة، إلى عالمية، تقدر قيمتها في أسواق المال بمليارات الدولارات، أشهرها : “على بابا” للتسوق الألكتروني، “وفيس بوك”، و”توتير”، و”يوتيوب” في مجال التواصل الاجتماعي، “وواتس آب”، و”سكايب” وغيرها لاتصالات المحمول واللاسلكية، ومثل شركات “أوبر” و”كريم” للنقل والمواصلات الداخلية في المدن.
وما يمكن أن نتوقف عنده هو الإدانة المبالغ فيها للرأسمالية الموجهة من الدولة؛ لأن أسباب الإدانة كانت غير مقنعة بالقدر الكافي (وقد كانت توقع فشل الدول بعد فترة من التوجيه وتتوقع ظهور الفساد الناتج عن محاباة وانحياز التوجيه) ، والدليل أن مجموعة بريكس Brics المكونة من خمس دول وهي: البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا، كلها بالصدفة دول ذات “رأسمالية موجهة من الدولة” بدرجة أو أخرى، وكلها ناجحة اقتصاديًا، أضف إلى ذلك أن نسب الفساد فيها أقل من دول رأسمالية أخرى.
وفيما عدا البرازيل، وجنوب أفريقيا، فإن الصين والهند وروسيا دول لم تتوقف حتى الآن عن توجيه رأسماليتها بكفاءة وحكمة. ويرجع استثناء “البرازيل وجنوب أفريقيا” من هذه “الكفاءة” كونهما لم تستعدا جيدًا برؤية طويلة المدى لما بعد “الانطلاق الاقتصادي” الذي حققتاه، فـ “ليس المهم الوصول إلى القمة، بل البقاء فيها” ؛ فاستمرار الانطلاق الاقتصادي يتطلب استراتيجية ورؤية وحكمة.
بقيت ملاحظة أخرى على “الكتاب”؛ وهي اهتمامه المبالغ فيه “بالنمو الاقتصادي” كهدف رئيس للرأسمالية، على حساب “بالتنمية”. والرأي عندى أن كل “المدرسة الاقتصادية الغربية” ومنها البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، تتحدث دائمًا عن “النمو” وليس “التنمية”، بينما تتحدث الأمم المتحدة ومنظماتها بالأكثر عن ” التنمية” وليس “النمو”.
وتفسير ذلك أن الدول الغربية والصناعية المتقدمة، قد قطعت شوطًا كبيرًا في التنمية (الصناعة / الزراعة / السياحة/ التعدين / التشييد/ التعليم/ الصحة / الثقافة/ حقوق الإنسان) بحيث لم يبقَ هناك فجوات في التنمية. وبدا المطلوب هو “النمو”؛ أي تقدم وتحديث ما هو قائم، أو توليد خدمات جديدة من خلال رواد الأعمال، بينما ما زال لدى الدول الناهضة والنامية، كثير من فجوات التنمية Development Gaps الواجب تغطيتها.
باختصار، أدت الدول الغربية والصناعية “واجبها” في التنمية وتتحدث عن النمو، بينما نحن -الدول العربية والإسلامية والنامية- لم نكمل بعد واجبنا تجاه التنمية، بل ما زال مبكرًا أن يكون شاغلنا هو “النمو” فقط؛ ذلك أن هناك ما يسمي بـ “عُّمر التنمية”؛ أي المرحلة السنية (درجة النضج والحداثة) التي بلغتها التنمية؛ لأن كل “مرحلة سنية للتنمية” لها احتياجات معينة ووسائل للتحقق.
لذلك قد لا تكون نظرية “البدء من حيث انتهي الآخرون” سليمة تمامًا؛ لأن للتنمية مراحل وحقبات وأعمارًا، ليس من الضروري المرور عليها جميعًا وقضاء الوقت الطويل قبل التقدم لمرحلة أخرى، بل يمكن تحقيق ما يسمي بـ “قفزة الضفدعة” في التنمية؛ أي اختصار عُّمر التنمية من مرحلة إلى أخرى، لكن “حرق المراحل” أو البدء من حيث انتهي الآخرون” قد تكون نظرية بالغة الطموح، ونصيبها من النجاح غير مؤكد.
لقد استغرق الإنسان مئات السنين للانتقال من مرحلة لأخرى، ومن عصر لآخر.. ومع تقدم المعرفة، يمكن اختصار السنين للتقدم، لكن النضج الذي يحققه “الفهم” ضروري للوصول لأي من محطات التقدم والتنمية بأمان.