د. أنور دفع الله: نسعى لإخراج الأفكار الموجودة في العقول ومشاركتها وتطبيقها على أرض الواقع
عندما نجد الشباب يعمل بدماء حامية يتجدد الأمل بمستقبل مشرق
تيد “TED” سلسلة من المؤتمرات العالمية التي ترعاها مؤسسة سابلنج الأمريكية وهي مؤسسة غير ربحية شعارها النصي هو أفكار تستحق الانتشار يعود تاريخ تأسيسها إلى عام 1984م، وقد بدأ المؤتمر السنوي العام سنة 1990م في مونتري كالفورنيا. تركز “تيد” على مجالات التكنولوجيا والتصميم والترفيه، لكن المواضيع التي تطرح في المؤتمرات السنوية تغطي مجالات أخرى كالعلوم، الفنون، الفكر، الاقتصاد، الأعمال الخيرية، القضايا العالمية والعمارة.
وحدثت نقلة نوعية كبيرة لمؤتمرات تيد في عام 2006م حين بدأ القائمون على المؤتمر بنشر مقاطع مرئية للكلمات التي يلقيها الضيوف على الشبكة العنكبوتية لتزداد شعبية المؤتمر، حيث تتوفر هذه المحادثات للمشاهدة المجانية برخصة التشارك الإبداعي على موقعها، وقد تم ترجمة المقاطع إلى مختلف اللغات من بينها العربية، حيث وصل عدد المقاطع عام 2011م نحو 1500 محاضرة وبنهاية النصف الأول من عام 2009م كانت هذه المحاضرات قد شوهدت 50 مليون مرة قفزت بعد ثلاثة أعوام فقط إلى 500 مليون بنهاية النصف الأول من عام 2011م. ومن بين أبرز المتحدثين في “تيد” رئيس شركة مايكروسوفت العملاقة بيل جيتس، ونائب الرئيس الأمريكي الأسبق آل جور، والباحثة البريطانية في علم الإنسان وسفيرة الأمم المتحدة للسلام جين جودال، والروائية الأمريكية الشهيرة إليزابيث جيلبرت، ورئيس شركة فيرجن العملاقة للسمعيات والبصريات، السير ريتشارد برانسن، والسياسي ورجل الأعمال الهندي ناندان نايلكاني، ومصمم السلع الفرنسي فيليب ستارك، ووزيرة المالية والخارجية النيجيرية السابقة نكوزا أوكونجو أيويلا، والكاتبة التشيلية إيزابيلا ألاندي، ورئيس الوزراء البريطاني الأسبق جوردن براون.
“تيد إكس” الخرطوم
بدأت “تيد” منح تراخيص لأطراف أخرى مستقلة لتنظيم مؤتمرات دولية عام 2009م شريطة ألا تكون ذات طابع ربحي، وتشير “عبارة إكس” إلى أن هذا الحدث هو حدث من أحداث مؤتمر تيد، لكنه مستقل ومنظم ذاتياً، بحيث يزوده مؤتمر تيد بالتوجيهات العامة فقط، وكانت تلك هي البداية التي وفرت الأرضية لوجود “تيد إكس” في السودان بواسطة الدكتور أنور فتح الرحمن أحمد دفع الله الأستاذ المساعد في كلية قاردن سيتي لعلوم الحاسوب قسم تكنلوجيا المعلومات الذي درس في الأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا في جمهورية مصر العربية وتخرج في عام (2003م)، ثم نال درجة الماجستير في عام (2006م)، في علوم الحاسوب من جامعة (جمبكا) الوطنية في كوريا الجنوبية، وحاز على الدكتوراه في عام (2010م) من الجامعة نفسها، حيث أسهمت هذه الفترة في تشكيل الوعي عند الدكتور، وكانت فترة كافية لتكوين شخصيته، وزادت هذه الفترة من مساحة حبه للسودان وتحول جل تفكيره إلى محاولة تقديم خدمة من نوع أو آخر لأبناء السودان، ورأى الدكتور أنور إمكانية تقديم مساهمة لبلده عبر التعليم والمنابر لتشارك المعرفة.
عمل الدكتور أنور مترجما متطوعا لمؤتمرات تيد للمحاضرات الموجودة في الموقع عام (2009م)، حيث ترجم عددا كبيرا من المحاضرات وصلت إلى (1100) محاضرة، وقد دعوه للتحدث عن تجربة الترجمة في أول مؤتمر لـ “تيد إكس” أقيم في جامعة يونساي الكورية، ومن خلال عمله في هذا المجال تمت معرفته بالمؤتمر الفرعي ( TEDx تيد إكس)، أو مؤتمر الترفيه والتصميم والتكنولوجيا والأحداث الذي ينظمه مقيمون متطوعون في مناطقهم المحلية سواء كانت (مدينة أو جامعة أو مؤسسة أو شارع أو حي… إلخ)، ما أدخل الحماس في قلبه لتنظيم مؤتمر “تيد إكس” في السودان لوجود الأفكار الخلاقة واكتشافه لأشخاص مبدعين في السودان، إضافة إلى أن الفكرة يمكن توصيلها عبر المنبر العالمي، مقتنعا بمبدأ أن العمل التطوعي يعتمد على قدر الجهد المبذول لتوصيل الأفكار الموجودة، وعاد مع مجموعة رائعة من الشباب والشابات في السودان لتنظيم أول مؤتمر “تيد إكس” في السودان برعاية كريمة من شركة (إم تي إن) في (2011م)، وعقد أول مؤتمر تحت شعار (من نحن)، وهو السؤال الذي يحتاج إلى إجابة من كل سوداني، وقد شارك في المؤتمر رواد في الأعمال والتسويق والبحوث والجينات في الفنون والموسيقى، وكان مؤتمرا ناجحا شكل اللبنة الأولى وحجر الأساس لتواصل المؤتمرات.
عن فكرة المؤتمر يقول الدكتور أنور: في عام (2011م) نظمنا أول مؤتمر (الخرطوم “تيد إكس”) للشباب تحت (شعار نعم يمكنك التغيير )، برعاية كريمة من شركة سوداتل للاتصالات، بقاعة الشارقة -جامعة الخرطوم وكنا نعني هذا المبدأ- يمكن أن تكون أنت التغيير – وشاركت فيه مجموعة من طلاب الجامعات والثانويات والمدارس والأساس لعرض أفكارهم عبر المنبر العالمي للشباب، وخلال المؤتمر تم إرسال رسالة تضامن مسجلة بالفيديو لمؤتمر “تيد إكس” أثينا في اليونان بطلب من المنظمين هناك تضامن مع مجتمعهم الذي عصفت به الأزمة الاقتصادية العالمية.
برزت فكرة التفكير الإيجابي خلال المؤتمر عبر محادثة الدكتورة الشابة وفاء الأمين التي دعت الحضور للتفكير بصورة مختلفة عن السودان وجماله والفرص الهائلة المتوافرة إذا ما وضعنا أنفسنا في دائرة الإيجابية. لاقت محادثة وفاء الأمين صدى واسعا لدى الشباب وغيرهم، وتم دعوتها لتمثيل الشباب في إفريقيا والشرق الأوسط في مؤتمر الأمم المتحدة في الدوحة والتقت بالأمين العام للأمم المتحدة.
ألهمنا ذلك النجاح أن ننظم المؤتمر السنوي الثاني تحت شعار التفكير الإيجابي، برعاية كريمة من شركتي إم تي إن للاتصالات، وشركة سيقا للاستثمار، الذي أقيم في أبريل (2012م) في قاعة الصداقة- الخرطوم، وتحدث فيه نخبة من المفكرين والمبتكرين والنساء السودانيات العظيمات ومنهن الأستاذة السبّاحة البطلة العالمية سارة جادالله التي تحدثت عن تغلبها على الإعاقة الجسدية. وكذلك الأستاذة سهام المجمّر التي تحدثت عن تجربتها كأم فقدت ابنتها الوحيدة في يوم تخرجها، ثم استطاعت تحويل المأساة إلى عمل إيجابي عبر تأسيس جائزة غادة للكُتاب الشباب. وكانت أبرز المشاركات التي لاقت صدى دوليا هي محادثة أستاذ العلوم السياسية طارق هلال بعنوان “سوداننا”، التي تم الإشادة بها على المستوى الدولي وتم اختيارها كإحدى محادثات الأسبوع في مؤتمرات “تيد إكس” العالمية (أكثر من 10.000 مؤتمر)، وكذلك أدرجت كإحدى المحادثات التي ينبغي على كل مواطن أمريكي مشاهدتها قبل الانتخابات الأمريكية عام (2012م).
تتالت النجاحات وتوسع قبول الفكرة التي تسودنت بالكامل تحت إشراف فريق العمل المتطوع والمتفاني في خدمة مجتمعه، ليتم تنظيم مؤتمر “تيد إكس” الثالث في فندق السلام روتانا تحت شعار (سلط الأضواء) على مواضيع الشباب الإيجابية، اجتمع فيه مجموعة من الشباب بمختلف الفئات العمرية للتفاكر والحديث معا في ظل وجود كثير من الأفكار المتميزة. وأضاف: تناولت طالبة في الصف الابتدائي في سن (11) عاما الديمقراطية في المنازل والمدارس، وكان شكل التقديم مميزا جدا، ومن ضمن المحادثات التي انتشرت بسرعة كبيرة، إضافة إلى المحادثة الحماسية لطالبة اسمها ريم وكانت (معقدة) من مادة الرياضيات وانتهى بها الحال أن تكون الأولى في الرياضيات في جامعة الخرطوم في كلية العلوم الرياضية.
طلبات عالمية لأفكار سودانية
يقول الدكتور أنور: عندما نجد الشباب يعمل بدماء حامية يتجدد الأمل بمستقبل مشرق، وهذا ما شجعنا على التنسيق لانعقاد المؤتمر الثالث، تحت شعار (تطبيق المعرفة) وكان مؤتمرا دوليا بكل المقاييس بشهادة الحضور، وتم دعوة خبراء دوليين من (إنجلترا، فرنسا، مصر، أوغندا، الهند، البرازيل، المملكة المتحدة بريطانيا) وخلف وراءه نتائج إيجابية من ضمنها مشاريع إبداعية أميزها (الكتب)، عبارة عن كتاب خلاصة لمساهمات الحضور كافة للمؤتمر، وفيديوهات لكيفية عمل شيء محدد، وتم تسجيل فيديو عن (كيف لبس العمامة ) وانتشر بصورة كبيرة جدا خاصة في دول المهجر أواسط المغتربين والطلاب وطرق ارتدائها ليقول للجميع (أنا زول سوداني) إلى جانب تسجيل فيديو عن طريقة كي الجلابية، ونجد رواجا كبيرا وردودا كثيرة جدا خاصة في موسم الأعياد، و(كيف تعمل الطبيخ) السوداني، وواصل حديثه قائلا نريد إخراج الأفكار الموجودة في العقول ومشاركتها وتطبيقها على أرض الواقع، فجميع العمل عبارة عن أفكار، والشيء الوحيد الذي نبحث عنه المورد الأساسي، وهو موجود عند كل شخص في (المخ) ويمكن تفاعله مع الأشياء التي يمكن أن يتفاعل معه بصورة طوعية وكاملة، والشيء الوحيد الذي نأخذه الحب الكبير للوطن والناس، والمؤتمر عبارة عن متنفس للشباب في وقت لا يوجد متنفس، ليتلاقوا مع بعضهم لطرح الأفكار الجديدة وأخذها معهم للأمام.
أشخاص تحدو المستحيل
مؤتمر( “تيد إكس” خرطوم) أخذ رواجا عالميا على الصعيد العالمي فوق ما يتصوره الجميع هناك أشخاص لأول مرة يسمعون عن السودان عبر محادثة من محادثات مؤتمر “تيد إكس”، خاصة التي كانت باللغة الإنجليزية والتي مثلت بعضها مصدر إلهام مثل المحادثة (سوداننا) تم اختيارها كواحدة من القصص التي يجب على كل مواطن أمريكي الاطلاع عليها قبل أن ينتخب.
مؤتمر (“تيد إكس” الخرطوم) قام بعمل شراكات كبيرة جدا عالمية، وتوأمة مع مؤتمر “تيد إكس” أمستردام في هولندا و”تيد إكس” برلين في ألمانيا، ووارسو في بولندا، وميدت لانتك في واشنطون وإسبيكن إسليت في بوسطن، و”تيد إكس” سيور في كوريا الجنوبية، وطوكيو في اليابان، وكوالا لامبور في ماليزيا، سلكرود في تركيا ولدينا شراكات كثيرة جدا تم إنشاؤها عبر المؤتمر، فهو فكرة كبيرة جدا لإبراز المواهب والأفكار، ولتلاقي والتعارف، والاستفادة القصوى.
يقول الدكتور أنور: أنا شخصيا ثقتي بوطني تتزايد عند طرح أفكار وإيجاد أشخاص مبدعين تحدو المستحيل رغم الإحباطات الموجودة في كل مكان وأتمنى أن تصل الرسالة إلى الناس أجمع وكل من يحاول تنفيذ فكرة لمؤتمر ما محاولة تقديمها خلال مؤتمر موجود مسبقا أو ترشيح شاب أو شابة يستحق أن تنتشر إلى العالم أجمع، نحن أمة بخير لكن نحتاج إلى إزالة الغبار من المعدن النظيف الموجود.
وعن خطط المؤتمر يقول أنور: من الخطط أن يكون المؤتمر محميا من قبل المجتمع لضمان استمراريته والجودة بدعم المجتمع له، فالمؤتمر يمكن أن يستفيد منه الجميع إذا تم فهمه بالصورة الكبيرة، فهو مؤتمر متجرد لا يشمل السياسة أو الترويج لمعتقدات، هو مؤتمر للأفكار إذا لم تنفعك فلن تضرك، ويجب على الناس إذا لم تشارك في المؤتمر بصورة إيجابية ألا يكون لها تحرك سلبي ضد المؤتمر.
إتاحة فرصة للأفكار المجردة
وقال إن الهدف من المؤتمر هو إبراز السودان في أبهى حلة، فالسودان يحوي الكثير من الأشياء الجميلة التي يمكن تقديمها للعالم وللثقافات الأخري وعبر المؤتمر يمكن الوصول إلى
أماكن وقلوب وأفئدة لأشخاص لا يعرفوننا كبلد أصلا، ولهذا يجب أن تعمل على تقديم نفسك لهم بصورة أفضل، كما يسهم المؤتمر في عمل تجاري كبير على مستوى الأشخاص وليس شرطا أن يرتبط ذلك بالحكومات فهو يزيد حجم السياحة بحضور أشخاص مع عائلاتهم من دول مختلفة لحضور المؤتمر، ويعمل جميع ذلك بتحريك الاقتصاد المحلي، مثلا إذا افترضنا (“تيد إكس” بورت سودان) سيذهب الجميع لحضور المؤتمر لعكس المنطقة بصورة جميلة، وإبراز أفضل العقول والأشخاص فيها وتغيير المفاهيم وهذا أمر مختلف إذا كانت الزيارة منفردة أو مع الأهل، فالجميع حدد أهدافه لتغذية العقل الذهني المفقود، ففي كثير من الأحيان المتحدث يتناول أقصى فترة لتلخيص إنجازات حياته في (18) دقيقة فقط، يخرج فيه العصارة، ويعطي فرصة للتطوع في الترجمة والتسويق وغيرها، وهناك أشخاص قاموا بالترجمة على أساس فكرتهم التطوعية، فالعلاقات الدولية شيء لا يستهان به والآن يوجد الكثير من الطلبات لفيديوهات تم نشرها مسبقا.