أيًا كانت طبيعة المؤسسة، فإن مديرها هو محور دوران الأحداث فيها، ومركز ثقلها؛ كونه قائد فريق العمل الإداري والفني والخدمي؛ لذا يفترض أن يكون هو العقل المفكر، والمحرك الرئيس، والقدوة الحسنة، التي يستقيم معها سيرة الأفراد ونظام العمل.
وتحتل مسألة إعداد القادة والمديرين صدارة اهتمام أصحاب المؤسسات ودوائر الإصلاح الإداري، مع التركيز على التقدير الواعي، والبناء القيمي، والمستوى الثقافي للمدير؛ كون هذه الأمور المصدر الأساسي لكل ما يبوح به من أفكار، وما يتخذه من قرارات، وما يصدر عنه من سلوكيات.
قيم النجاح
وثمة أصول إدارية تتعلق بالجانب القيمي، تتفرع منها قيم أخرى كلما تعمقت في نفس المدير، كانت آثارها قوية على شخصيته أدائه وسببًا مباشرا لتحقيق نجاحه الوظيفي، ونجاح المؤسسة، أهم هذه القيم ما يلي:
* الحكمة: أي القدرة على الاستغلال الأمثل للموارد المالية والإمكانيات المادية والقدرات البشرية والطاقات المتاحة؛ لبلوغ أفضل النتائج بأقل التكاليف وفي أسرع وقت. ويتفرع عن الحكمة قيم إدارية فرعية؛ مثل: حسن التدبر، الكياسة، سداد الرأي، الموضوعية، إصابة الظن، والرؤية الاستراتيجية طويلة الأجل.
* الشجاعة: ولا تعني بالضرورة المخاطرة؛ وهي بعيدة تمامًا عن التهور والمقامرة، لكنها قد تلامس حدود المغامرة الموضوعية المحسوبة التي قد تتطلبها أشد المواقف تعقيدًا. ومنها تتفرع قيم أخرى؛ مثل: الشهامة والمروءة، كظم الغيظ، ضبط النفس، التحمل والثبات، الكرم، الوقار؛ وهي قيم ذاتية مرتبطة بأساس التربية وجوهر الشخصية، وتتعلق برباطة الجأش، وجرأة المواجهة، وعدم وجود استعداد نفسي للتراجع أمام التحديات.
* العفة: بمعنى الكف عما لا يستحق له من منافع مادية ومكاسب معنوية، مباشرة أو غير مباشرة. ومن مظاهرها: السخاء، القناعة، الصبر، الورع، التسامح، والإيثار. وقد تنصرف العفة إلى عفة اللسان من بذاءة القول والنفاق والنميمة، وعفة السلوك من كل تصرف يشين صاحبها. وتُكسِب العفة صاحبها مسحة من الرضا، وتدفعه إلى التضامن المادي والأخلاقي المحبب للنفوس.
* العدل: أي إعطاء كل ذي حق حقه، ويتفرع عنه: الاستقامة، المراقبة والمحاسبة، الإحسان، العفو، الشكر، والتراحم. وينصرف كل منها إلى تشكيل الوازع الديني والأخلاقي الكابح لغرور النفس ونزغ الشيطان. وتجلب الاستقامة، النعم، وتدوم بالشكر. ومن العدل إجراء مراقبة داخلية دورية، ينال بناءً على نتائجها كل مجتهد نصيبه المستحق.
* الصدق: بمعنى مطابقة ما في القلب لما يقوله اللسان. ويتفرع عنه الإخلاص، الوفاء، الاحترام، حسن التواصل مع الآخرين، والسلام. وهي قيم تسمو بشخصية صاحبها وتُكسِبه احترامًا يؤهله لمكانة مهنية واجتماعية مرموقة، وتُعد مدخلًا لقلوب زملاء العمل وباعثًا على الشعور بالراحة في العمل والطمأنينة في التعامل وبالأمن والاستقرار الوظيفي.
أصول أخلاقية
ونلاحظ مما سبق، أن كل الجوانب القيمية، هي في حقيقتها أصول أخلاقية ثابتة يجب توفرها في شخصية كل إنسان، ولاسيما لشخص المدير؛ إذ بفقد إحداها يحدث خلل كبير في مختلف مستويات المسؤولية وعلى سير العمل؛ ما يستوجب مراجعة الذات لتقويم الشخصية كقادة ومديرين وفق ما تتطلبه مهام المنصب وبما يتناسب مع حجم مسؤولياته.
الإصلاح الإداري
إنَّ النقلة النوعية الهائلة التي تمر بها شعوب الدول المتقدمة تؤكد عدة حقائق: الدور الكبير للإصلاح الإداري الشامل، وخطط التنمية البشرية، وجهود الارتقاء بالعنصر البشري في تحقيق التقدم الحضاري، فليس كافيًا وفرة الإمكانيات المادية والقدرات والمواهب البشرية لتحقيق التقدم ما لم يحسن إدارتها. وفي الوقت نفسه، فإن التخلف الإداري سببه الجهل بأسس ومهارات القيادة الإدارية؛ وبالتالي استهلاك الطاقة دون جدوى، وإضاعة القدرات، وهدر الموارد بغير طائل.
تأثير التكنولوجيا
وتغير المؤسسات دومًا من طريقة عملها، فبعد أن كان الرئيس يجلس على قمة الهرم ويجبر مرؤوسيه على تنفيذ تعليماته بدقة وصرامة، حدث تغيير بفضل التكنولوجيا التي أدت إلى الاستغناء عن أعداد كبيرة من العمالة؛ أي لن يستطيع أي موظف أو مرؤوس الاختفاء وراء منصبه أو وراء البيروقراطية، بل أصبحت مساهمته واضحة ومحددة، وأصبح ” الزبون” هو الهدف الرئيس لكل شركة؛ لذلك انقلب الهرم، وتغير شكل العمل في المؤسسات عن ذي قبل؛ فأصبح أكثر مرونة وتعددية؛ وبالتالي على المدير أن يميز بين أداء العمل بكفاءة، وبين وجود حافز قوي للنجاح؛ فهما معياران مترابطان، وليسا متطابقين، فقد أصبح الحافز الموجود لدى الفرد لالتماس عمل، ليس فقط أن يكون مناسبًا لإمكانياته وفي حدود قدراته، وليس فقط لأنه يحبه، بل ويعده أيضًا بفرص ترقٍ أفضل وأسرع.
وانطلاقًا من هذا الاعتبار، تلقي استراتيجيات التطوير الإداري على عاتق القادة والمديرين، مهمة التخطيط والإعداد المستقبلي الجيد لتوفير الاحتياجات المستقبلية للمؤسسة من العناصر البشرية، بالعدد والمواصفات المطلوبة، وفي الوقت المحدد؛ بما يضمن سلامة سير العمل، وعدم تعرضه للتقلبات والهزات.
اقرأ أيضًا:
تطوير عادات جديدة.. استراتيجية علمية
الذكاء العاطفي لدى القادة.. فن إدارة المشاعر
المهارات الناعمة.. كيف تُغيّر حياتك؟