لعل إحدى أكثر القضايا التي تشغل بال المستثمرين وأصحاب رؤوس الأموال هي تنافسية الشركة، خاصة في عالم يمور بالمنافسين مورًا، فإذا لم تكن هذه الشركة أو تلك تتمتع بقدرة تنافسية عالية فلا شك أنه لن يكون لها وجود في السوق عما قريب.
وعندما أمعن الباحثون النظر في هذه المسألة _أعني تنافسية الشركة_ فإنهم بشكل عام حاولوا تحليل الأمر من جهتين: تأثير المسؤولية الاجتماعية في تنافسية الشركة، وهذا هو التحليل الأشهر والأكثر تداولًا.
فيما حاول آخرون سبر أغوار العلاقة بين انخراط الشركة في المنافسة بالسوق وبين زيادة أو نقصان معدلات التزامها بالمسؤولية الاجتماعية؛ ما يعني أن تنافسية الشركة لم تكن هي منطلق التحليل ولا غايته، وإنما كان الهدف هو تحليل مدى تأثر المسؤولية الاجتماعية بأنشطة الشركة واستراتيجياتها التسويقية المختلفة.
اقرأ أيضًا: القيمة الاجتماعية للأعمال وجذب الاستثمارات
معطيات المجتمع المعاصر وإكراهاته
لا شك أن ربط تنافسية الشركة بالمسؤولية الاجتماعية ما هو إلا نتاج معطيات جمة تمخض عنها المجتمع المعاصر وسيروراته التحديثية والصناعية المختلفة؛ إذ إن المسؤولية الاجتماعية في حد ذاتها توجه حديث لم يبزغ إلا في خمسينيات القرن الماضي تقريبًا.
يعني ذلك أن تنافسية الشركة منظورًا إليها من زاوية المسؤولية الاجتماعية ما هو إلا خيار الضرورة، فكيف نعمل على تعزيز تنافسية الشركة من دون أخذ المسؤولية الاجتماعية بعين الاعتبار؟! لا سيما إذا أردكنا أن المجتمع المعاصر يراجع بشكل متزايد مفهوم التنمية المستدامة.
لذا أمست فكرة الأعمال المسؤولة اجتماعيًا لا تقل أهمية عن المنتجات أو الخدمات التي تقدمها الشركة.
اقرأ أيضًا: ريادة الأعمال الواعية.. فلسفة مستدامة
تنافسية الشركة وعناصرها
واعتمادًا على الطرح السالف بيانه يمكن القول إن تنافسية الشركة هي التحدي الرئيسي للشركات في عالم ديناميكي حديث.
وقد ركزت بعض الدراسات على جوانب معينة، مثل تأثير المسؤولية الاجتماعية في أداء الشركة أو في قيمة الشركة واسمها التجاري، في حين أن القدرة التنافسية هي نهج أوسع بكثير، وقد اجتذب قدرًا كبيرًا من اهتمام العلماء في مجالات الأعمال التجارية الدولية والاقتصاد الصناعي.
وتُعرف تنافسية الشركة أو القدرة التنافسية للشركة بأنها القدرة على تقديم المنتجات والخدمات بشكل أفضل أو أكثر فعالية وكفاءة من المنافسين المعنيين.
وتضمن تنافسية الشركة، التي تتحقق من خلال الأنشطة المستدامة، ميزة تنافسية طويلة الأجل لا يمكن تكرارها بسهولة من قِبل الشركات المنافسة في السوق.
ولكي نفهم على نحو أفضل ماهية تنافسية الشركة، ومدى تأثيرها/ تأثرها بالمسؤولية الاجتماعية سيحاول «رواد الأعمال» معتمدًا على الإرث النظري والكثير من الدراسات المتخصصة رصد مكونات هذه التنافسية وعناصرها المخلتفة، وذلك على النحو التالي..
-
رضا العملاء
أخلق بنا أن نصدّر عناصر تنافسية الشركة بهذا العنصر قبل سواه؛ فهو المحك الأساسي، وما دونه قد يكون تابعًا له، وإذا نجحت الشركة في اجتذاب رضا العملاء فإنها لا شك ستتفوق على كل منافسيها دونما عناء يذكر، لكن حدوث ذلك ليس بالأمر الهين.
علاوة على أن رضا العملاء هذا هو التجلي الإيجابي الأمثل لالتزام الشركة بمسؤوليتها الاجتماعية، فكيف تحصل شركة على رضا العملاء إذا لم تكن هي نفسها خادمة لمجتمعهم راعية له؟!
اقرأ أيضًا: سمعة الشركات.. الباب الخلفي لنجاح رواد الأعمال
-
جودة المنتج
ويرتبط هذا العنصر من عناصر تنافسية الشركة أيضًا برضا العملاء من ناحية، وبالمسؤولية الاجتماعية للشركات من ناحية أخرى، فالعملاء لا يوالون شركة بعينها لأنها تقدم للمجتمع خدمات جمة فحسب، وإنما لأنها تمنحهم أيضًا منتجات عالية الجودة.
ويمكن الدفع بأن ثمة علاقة طردية بين التزام الشركة بالمسؤولية الاجتماعية وبين جودة منتجاتها، فكلما كانت أكثر التزامًا بحدود ومعايير المسؤولية الاجتماعية كانت منتجاتها أكثر جودة وأعلى كفاءة والعكس كذلك صحيح.
ولا شك أن جودة المنتجات، وهذا أمر لا يحتاج إلى إشارة أو بيان، تضمن ولاء العملاء والمستهلكين وصنع صورة إيجابية وسمعة طيبة لدى الجمهور عن الشركة.
-
القدرة المالية
توفر القدرة المالية فرصة للشركة لتكون مستقلة عن الدائنين، وتسمح بتعزيز القدرة التكنولوجية، وإدخال الابتكارات، وتقوية العلامة التجارية، وفي الوقت نفسه اتخاذ مكانة قوية في سوق أكثر تنافسية.
لكن كيف يمكن أن تؤثر المسؤولية الاجتماعية في القدرة المالية للشركة؟ لا شك أن الشركة المسؤولة اجتماعيًا ستكون صاحبة معدلات مبيعات، ومن ثم أرباح، أعلى من منافسيها، وهو ما يمنحها فرصة الاستقلال عن الممولين، وعدم اللجوء إلى الاستدانة من المؤسسات المالية الأخرى. وأنعم بهذه من فائدة وميزة.
-
الموارد البشرية
تُعد الموارد البشرية أيضًا عنصرًا مهمًا من عناصر تنافسية الشركة؛ حيث يوفر العمال الجيدون والمدربون كفاية الكثير من المزايا للشركة، والتي من بينها: القدرة على استخدام التقنيات المتقدمة، وإطلاق المشاريع الحديثة؛ من خلال متابعة استراتيجية الشركة طويلة الأجل بنجاح.
ويمكن الإشارة، في نهاية المطاف، إلى أن جميع هذه العناصر تساعد المؤسسات في إنشاء وتطوير ميزتها التنافسية، وتمنحها قدرة أعلى على التكيف مع معطيات السوق ومتغيراته، فضلًا عن منحها فرصة البقاء وتعزيز موقفها في السوق الحالي.
اقرأ أيضًا:
البيئة النظيفة وحدود المسؤولية الاجتماعية
المسؤولية الاجتماعية للشركات.. كيف لرائد الأعمال أن يخطو للأمام؟
المأمول من المسؤولية الاجتماعية.. رد على كوارث عولمية