شكّل قرار إنشاء وزارة للصناعة والثروة المعدنية داعمًا حيويًا لمسار الاقتصاد السعودي المتطور؛ حيث يلعب قطاع الصناعة والثروة المعدنية دورًا كبيرًا في تحقيق سياسة الدولة لتنويع مصادر الدخل؛ وذلك من خلال منظومة كبيرة من الهيئات والجهات المهمة التابعة له.
في هذا اللقاء، يبدو بندر الخريف؛ معالي وزير الصناعة والثروة المعدنية، متفائلًا بمستقبل الاستثمار والصناعة السعودية، في ظل الدعم غير المحدود والمستمر من القيادة؛ حيث كشف عن قرارات ومبادرات مهمة تعكف عليها وزارته، مشيرًا إلى أن توفير الفرص الوظيفية والتوطين يُعد أحد أهم أهداف الوزارة، باعتبار أن تحقيقها يقود إلى التوسع في الاستثمار بالقطاع الصناعي بشكل عام.
وخص معالي وزير الصناعة والثروة المعدنية “رواد الأعمال” بهذا الحوار…
*هل يمكن اعتبار صدور الأمر الملكي بإنشاء وزارة الصناعة والثروة المعدنية، نقطة تحول وأثر إيجابي على القطاع الصناعي؟
– إن إنشاء وزارة الصناعة والثروة المعدنية يدل على جدية الحكومة في التركيز على هذين القطاعين، اللذين يشكلان أهمية كبيرة في خطة المملكة لتنويع القاعدة الاقتصادية، وتنويع مصادر الدخل. ولا شك في أن وجود وزارة خاصة للصناعة والثروة المعدنية محفّز كبير لتحقيق النتائج المرجوة من هذين القطاعين من خلال الأنظمة والتشريعات والممكنات من جانب، وتفعيل الجهات التابعة للمنظومة بشكل عام من جانب آخر؛ إذ تضم منظومة الصناعة والثروة المعدنية: الهيئة الملكية للجبيل وينبع، وهيئة المدن الصناعية ومناطق التقنية، وصندوق التنمية الصناعية السعودي، وهيئة تنمية الصادرات السعودية، والبرنامج الوطني لتطوير التجمعات الصناعية، وهيئة المساحة الجيولوجية. كما يباشر بنك الاستيراد والتصدير مهامه قريبًا ليعزز منظومة الصناعة والثروة المعدنية.
ونعول كثيرًا على برنامج الصناعة الوطنية والخدمات اللوجستية (ندلب)، الذي يعمل على تكامل منظومتي الصناعة والثروة المعدنية مع بقية القطاعات ذات العلاقة؛ مثل الخدمات اللوجستية والطاقة.
ويضاف إلى ما سبق من قدرات للمنظومة وبرامج الرؤية المساندة، القدرة الكبيرة لوزارة الصناعة والثروة المعدنية على التفاعل مع القطاع الخاص والمستثمرين المحليين والأجانب؛ وذلك من خلال التواصل المستمر وتذليل التحديات وجذب الاستثمارات، والعمل على تنفيذ الممكنات على المدى الطويل. ونتيجة لذلك؛ فإننا نتوقع أثرًا إيجابيًا كبيرًا من شأنه المساهمة في تحقيق أهداف رؤية 2030م إن شاء الله.
*كيف ترون اختياركم كأول وزير للوزارة الأولى من نوعها؟
– لا يسعني في هذا المقام ألا أن أتقدم بالشكر الجزيل لمولاي خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين على هذه الثقة، داعيًا الله عز وجل أن يعينني على أن أكون عند حسن الظن، وأن أقدم ما لدي من خبرة لخدمة هذا القطاع الواعد، وتحقيق تطلعات القيادة. وإنه لشرف عظيم خدمة الوطن، خاصةً في هذه المرحلة المفصلية التي تمر بها المملكة، في ظل الحراك الاقتصادي والتنموي الكبير على كافة الأصعدة؛ من خلال الرؤية التي رسمها سيدي سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان – حفظه الله- والذي نعتبره حامل مشعل تحول المملكة تحت قيادة مولاي خادم الحرمين الشريفين حفظهما الله.
*ما تصوركم لبرامج الوزارة الجديدة؟
– أود الإجابة على هذا السؤال من خلال جانبين؛ الجانب الأول هو جانب القطاعات المستهدفة والتي نجد فيها فرصًا استثمارية كبيرة انطلاقًا من المقومات التي تتميز بها المملكة؛ مثل: المزايا النسبية من الثروات الطبيعية، سواء من النفط أو الغاز أو الثروات المعدنية. أضف إلى ذلك الموقع الجغرافي المتميز، والذي يؤهل المملكة بأن تكون جسراً بين الشرق والغرب، بالإضافة إلى أسواق المنطقة وسوق المملكة الكبير، كما تتمتع المملكة بقوى بشرية وتركيبة سكانية تميزها النسبة الكبيرة لفئة الشابات والشباب، الذين تعول عليهم رؤية 2030 في قيادة القطاعات المختلفة.
كذلك، يمكن النظر للقطاع الصناعي من خلال ثلاثة مقومات نعمل عليها؛ وهي: المحافظة على المكتسبات، والعمل على تعميق القيمة المضافة من الصناعات الأساسية، وتوطين المنتجات المستوردة وتحويلها إلى إنتاج محلي للاستفادة من الطلب الداخلي بشكل خاص، والمنطقة بشكل عام. وأخيرًا، اغتنام فرصة الثورة الصناعية الرابعة؛ لما تتمتع به المملكة من قدرات بشرية ومادية تمكّنها من اقتناص فرص الاستثمار في هذه التقنيات، والانطلاق بها إلى المستقبل، وكذلك الاستفادة من هذه التقنيات لتطوير عمليات الإنتاج بشكل عام ومستدام.
أما الجانب الثاني فيمثل النظرة التطويرية الشاملة؛ إذ نطمح – بإذن الله- إلى أن تكون وزارة الصناعة والثروة المعدنية مثالًا لوزارات المستقبل، من حيث كيفية العمل بأسلوب أكثر فاعلية مع القطاعات التي نخدمها، وبقدرات وكفاءات عالية تعمق أسلوب المبادرة.
نظام التعدين يعطي المستثمرين مرونة أكبر
*ما الجديد في نظام التعدين الذي سيصدر قريبًا، وهل يعالج إشكاليات القطاع؟ وما أهم مطالب رجال الأعمال في هذا الصدد؟
– نظام التعدين الجديد مهم جدًا لرسم صورة واضحة عن توجه الدولة تجاه تنمية هذا القطاع؛ إذ يعطي للمستثمرين تصورًا لمتطلبات الاستثمار في الثروة المعدنية، كما يعطي مرونة أكبر من خلال التشريعات وطريقة تنفيذها، ويوضح العلاقة بين الوزارة كمشرّع، والمستثمر والجهات الأخرى ذات العلاقة؛ مثل إمارات المناطق والبيئة والمياه وغيرها.
ومن المهم الإشارة هنا إلى ما تقوم به الدولة لجذب الاستثمار للقطاع التعديني؛ إذ نعمل على مشروع المسح الجيولوجي، الذي يعد نقطة الأساس التي يستند عليها المستثمر؛ حيث ننفذ حاليًا مشروعًا ضخمًا للمسح الجيولوجي لمنطقة الدرع العربي بمساحة 700 ألف كيلو متر مربع، والذي يفوق ثلث مساحة المملكة. وسوف يوفر المشروع كمًا هائلًا من البيانات والمعلومات التي يستطيع المستثمر في قطاع التعدين الاستفادة منها، وبناء قراره الاستثماري واختيار مواقع الاستثمار.
وأود التأكيد على ما قامت به المملكة في السنوات الماضية لتمكين هذا القطاع، وتحديدًا من حيث البينة التحتية؛ إذ تم استثمار ما يزيد على 100 مليار ريال في البنية التحتية المختلفة للقطاع، سواء في السكك الحديد أو تحلية المياه أو الكهرباء، لتمكين المستثمرين في هذا القطاع؛ ما جعل شركة وطنية مثل “معادن” تقفز من المرتبة 128 إلى المرتبة 11 في التصنيف العالمي بناء على القيمة السوقية. وتعتزم المملكة الاستمرار في هذا الاتجاه لتمكين المستثمرين في هذا القطاع لتعظيم العائد الاقتصادي منها.
دعم مجلس الصناعيين
*أعلنتم من قبل عن دعمكم لمجلس الصناعيين، فما نوع هذا الدعم؟
– للتوضيح، هناك مجلسان قد يلتبس الفهم والتفرقة بينهما؛ مجلس الصناعيين يضم رجال أعمال ومستثمرين ورواد أعمال من القطاع الصناعي، وهو محفل- في تقديري- من أهم المحافل التي تربط القطاع الخاص بالجهاز الحكومي؛ حيث يتم عبره لقاء مفتوح يناقش تحديات وتوجهات الصناعة الوطنية، يحضره عدد كبير من المهتمين؛ لذا ندعم هذا المجلس؛ لأنه يشكل أهمية للقاء المباشر والاستماع للقطاع الخاص.
أما المجلس الصناعي فهو مكون من 25 عضوًا يشكل الأغلبية منهم القطاع الخاص بواقع 15 عضوًا، بينما يمثل القطاع الحكومي 10 أعضاء، ويرأس المجلس وزير الصناعة والثروة المعدنية، ويضم الجهات ذات العلاقة؛ مثل الهيئة العامة للمواصفات والمقاييس والجودة، والهيئة العامة للجمارك، والهيئة العامة للموانئ، وهيئة المحتوى المحلي والمشتريات الحكومية، وغيرها من الجهات ذات العلاقة.
ويهدف المجلس- من خلال حوكمة معينة ولقاءات دورية- إلى متابعة عدد من الملفات، وتنبثق عنه لجنة تنفيذية وفرق عمل تجتمع بشكل دوري؛ لمعالجة التحديات بشكل منتظم، وتُرفع للمجلس بعد ذلك؛ لتقديمها إلى الجهات ذات العلاقة بالحلول.
*أعلنتم من قبل عن توظيف 35 ألف سعودي في القطاع الصناعي خلال عامين، فكيف سيتم ذلك؟
– لا شك في أن لتوفير الفرص الوظيفية والتوطين من أهم أهداف الوزارة، وأن التوظيف هو نتيجة توفير الوظائف. وأعتقد أن الأدوات التي نعمل على تحقيقها والسياسات وسبل التمكين ستقود إلى التوسع في الاستثمار في القطاع الصناعي؛ وبالتالي توليد الفرص الوظيفية. ولعلي أعطي مثالًا على أن قرار تحمل الدولة حفظها الله، للمقابل المالي عن القطاع الصناعي، والذي بدأ منذ أكتوبر الماضي، وفر حتى الآن ما يزيد على 10 آلاف فرصة وظيفية منها 5 آلاف وظيفة للسعوديين، ونعتقد أن هذا العمل سوف يستمر- بإذن الله- ما يمكننا بالتالي من تحقيق الهدف.
*كان لقراراتكم الأخيرة وقع إيجابي على رجال الصناعة والتي أهمها إعفاء العمالة الوافدة في المصانع من رسوم المقابل المالي، وتثبيت أسعار مزيج الطاقة والكهرباء بالمنشآت الصناعية، فما تعليقكم؟
– هذا بفضل الله، ثم بفضل قيادتنا حفظها الله، ودعمها الدائم والمستمر لهذا القطاع، ولكن للتوضيح، ما زالت أسعار مزيج الطاقة والكهرباء، تحت الدارسة لدى لجنة حوكمة أسعار الطاقة، التي يرأسها سمو وزير الطاقة الأمير عبد العزيز بن سلمان حفظه الله، ونتوقع أن تكون هناك نتائج إيجابية تخدم استدامة القطاع وتنافسيته. أما فيما يتعلق بالعمالة فإن الهدف الأساسي والمرجو هو أن تكون هناك استدامة؛ عبر منح القطاع الصناعي فترة زمنية للتأقلم خلال هذه السنوات الخمس؛ وبالتالي فلدى أصحاب المصانع والمستثمرين أحد ثلاثة خيارات:
1. العمل على إدخال الميكنة لاستبدال العمالة الوافدة الرخيصة؛ وبهذا يقدم صندوق التنمية الصناعية السعودي قروضًا صناعية لخدمة هذه الحزمة من الحلول.
2. بالنسبة للمصانع التي لا يمكن إدخال التقنية أو الأتمتة عليها؛ فسوف نعمل مع وزارة العمل وصندوق تنمية الموارد البشرية على إيجاد حلول من خلال التدريب، أو المساعدة لإيجاد حلول مستدامة.
3. أن تكون هذه الصناعة ذات هوامش ربحية تؤهلها لتحمل المقابل المالي بعد خمس سنوات.
أما بالنسبة للأثر، فبجانب الوظائف التي ذكرت أعلاه؛ تم بحمد الله الترخيص لأكثر من 196 مصنعًا جديدًا باستثمارات تجاوزت ثلاثة مليارات ريال، موزعة على عدة أنشطة صناعية في عدة مناطق حول المملكة.
*هناك 20 جهة يحق لها التدخل في القطاع الصناعي، أليس هذا من معوقات النشاط الصناعي؟
– بالفعل هناك عدد كبير من الجهات التي تتقاطع مع القطاع الصناعي، إلا أنه بفضل الله، ثم بدعم خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين، أصدر مجلس الوزراء قرارًا يوجه بالتنسيق مع وزارة الصناعة والثروة المعدنية قبل اتخاذ أي إجراء من شأنه إغلاق، أو إيقاف، أو تغريم، أو زيادة التكاليف على المنشآت الصناعية المرخصة من قبل وزارة الصناعة والثروة المعدنية.
وهذا بلا شك سيخفف الأثر السلبي لهذه التداخلات، كما أننا نعمل يدًا بيد مع شركائنا من القطاع العام على تصميم الحوكمة الملائمة التي تضمن دعم النشاط الصناعي، وفي نفس الوقت عدم المساس بأدوار هذه الجهات التشريعية والحفاظ على المتطلبات المختلفة.
وأختم بأن قرار إنشاء وزارة الصناعة والثروة المعدنية دليل على أن التوجه المستقبلي للصناعة والتعدين هو مزيد من القيمة المضافة؛ إذ سوف تركز المملكة على تصنيع المنتجات النهائية بشكل كبير بجانب تصديرها للمنتجات الأساسية.
اقرأ أيضًا:
سمو الأمير وليد بن ناصر بن فرحان آل سعود: 79 مليار ريال حجم سوق المطاعم في السعودية
رائد الأعمال والإعلامي ياسر السقاف: الإعلام الرقمي مُكمِّل للإعلام التقليدي وليس منافسًا له
الأمير عبد العزيز بن تركي الفيصل : تخصيص الأندية الرياضية يخضع لبرنامج التخصيص الوطني