– نستهدف الطبقة الفقيرة النشطة اقتصاديا التي لديها مهارة ورغبة في الإنتاج
– تم تنفيذ الكثير من المشاريع الضخمة كمشروع ربط صغار المزارعين بالأسواق
– لم نترك مسألة التمويل الأصغر للبنوك والمؤسسات بل وضعنا إطارا قوميا
– هناك حراك كبير جدا يتم في مجال التمويل الأصغر سيعود بالنفع والخير للسودان
– نحن نبني في نموذج عالمي يحتاج إلى الصبر
– نريد إيجاد تجربة وتمويل للعملاء النشطين اقتصاديا عبر مشاريع إنتاجية وخدمية يستفيد منها المجتمع
– سيكون السودان الرائد في التمويل الأصغر الإسلامي في هذه الحالة
كانت بعض وظائف البنك المركزي قبل قيام بنك السودان مقسمة بين وزارة المالية والاقتصاد، لجنة العملة السودانية وفرع البنك الأهلي المصري، فقد كانت وزارة المالية تحتفظ بجزء من الأرصدة الأجنبية الرسمية وتديرها عن طريق حسابين للإسترليني والدولار يديرهما على التوالي البنك الأهلي المصري وبنك باركليز (C. O. D)، أما لجنة العملة فقد كانت تقوم بمهمة إصدار وإدارة العملة والاحتفاظ بالجزء الآخر من أرصدة البلاد بالعملة الأجنبية كغطاء للعملة، بينما كان فرع البنك الأهلي المصري يقوم بإدارة الأعمال المصرفية للحكومة إلى جانب قيامه بمهمة العمل كمصرف للبنوك التجارية. وكانت العملتان البريطانية والمصرية هما السائدتين حتى أنشئت لجنة العملة السودانية في عام (1956م)، حيث أصدرت أول عملة وطنية في ( 1958م).
وبعد أن نال السودان استقلاله في ( 1956م) برزت الحاجة إلى وجود بنك مركزي يحل محل الجهات التي تقوم بتنفيذ مهامه؛ وذلك لتنظيم عملية إصدار النقود ورسم السياسات النقدية والتمويلية بغرض توجيه التمويل لخدمة القطاعات الاقتصادية ولحفظ حسابات الحكومة وليكون مستشارا لها في الشؤون المالية وتوفير النقد الأجنبي اللازم لإعادة تأهيل المشاريع التنموية القائمة، ولبناء جهاز مصرفي قوي وفاعل لخدمة متطلبات التنمية الاقتصادية في البلاد، ومما زاد الحاجة إلى وجود بنك مركزي تبني الدولة لبرامج اقتصادية طموحة في ذلك الوقت؛ ما حتم ضرورة إيجاد سياسات نقدية وتمويلية تواكب وتلائم تلك البرامج الطموحة للاقتصاد السوداني.
لتحقيق ذلك وفى أواخر ديسمبر(1956) تم تشكيل لجنة من ثلاثة خبراء من بنك “الاحتياطي الفيدرالي” الأمريكي وهم Oliver Weale نائب رئيس الاحتياطي الفيدرالي لسان فرانسيسكو رئيسا وعضوية كل من Alan R. Holmes وAndrew F. Primer من “الاحتياطي الفيدرالي” لنيويورك لعمل دراسة مستفيضة في هذا الشأن والنظر في إمكانية إنشاء بنك مركزي بالسودان، بعد أن فرغت اللجنة من الدراسة ورفعت توصياتها تبع ذلك إصدار قانون بنك السودان لسنة (1959م)، وفتح البنك أبوابه للعمل في (22 فبراير 1960) كهيئة قائمة بذاتها لها شخصيتها الاعتبارية وصفة تعاقدية وخاتم عام يجوز لها التقاضي باسمها بصفتها مدعية أو مدعى عليها.
بعد إنشاء بنك السودان تولت الإدارة شخصيات سودانية ومن ثم تم إعفاء كبار موظفي البنك الأهلي المصري ذوي الجنسيات المصرية، وكان أول محافظ هو مأمون بحيري وتم الإبقاء على صغار الموظفين الذين كانوا يعملون مع البنك الأهلي، كما تم تعيين عدد مقدر من حملة الشهادات الجامعية إلى جانب استيعاب عدد من الموظفين الذين كانوا يعملون في وزارة المالية.
رواد الأعمال التقت بروفيسور بدرالدين عبدالرحيم إبراهيم رئيس وحدة التمويل الأصغر ببنك السودان المركزي في الحوار التالي حول ماضي وحاضر ومستقبل التمويل الأصغر في السودان.
حاورته: هدى حسين المحسي
متى بدأ التمويل الأصغر في السودان؟
إن التمويل الأصغر ليس بجديد فالسودان غني بإرثه فيما يختص بالتمويل الأصغر. وفي التسعينيات كان وأحدا من أهم أدوار المصارف الإسلامية في السودان لتقديم التمويل للشرائح الضعيفة والفقيرة، وبدأ كثير من البنوك بتجارب مختلفة في التسعينيات، كنت مستشارا في واحدة منها وهي تجربة البنك الإسلامي السوداني لفروع الأسر المنتجة. كان هناك ثلاثة فروع للأسر المنتجة تستقطب موارد من الأحياء وتسخرها في شكل تمويلات صغيرة في فروع صغيرة، وجزء من الأرباح يتم توزيعها في مناطق جغرافية محددة في شكل خدمات. ويقدم التمويل بثلاثة طرق: تمويل المشاريع الفردية والجماعية، ومشاريع يتم تمويلها من البنك، مثلا نقوم بفتح محل تجاري نجلب فيه كل الأغراض الضرورية للمنطقة أو مكتبة يتم فيها بيع الأدوات المدرسية بسعر التكلفة زائد هامش ربح ضعيف. هنالك تجربة الحرفيين في بنك فيصل الإسلامي عبر فرع يدار لمصلحة الحرفيين في المنطقة. وبعد عام (2006م) ارتأت إدارة بنك السودان المركزي عمل رؤية تنمية وتطوير قطاع التمويل الأصغر قامت بها شركة (يونيكونز) بتمويل من بنك السودان المركزي، واقترحت وجود جهة داخل البنك المركزي تقوم بدور تنمية وتطوير القطاع في جانب السياسات والمتابعة والمنشورات. وواصل دكتور بدر الدين قائلا كان بنك السودان سريع الاستجابة، وفي عام (2007م) تم إنشاء الوحدة، علما بأن هنالك تجارب مماثلة في أكثر من دولة بما فيها (ماليزيا، مصر، اليمن، إثيوبيا) يدار فيها القطاع عبر البنك المركزي، لكن الغريب أن بنك السودان المركزي قام بجميع الأدوار، ولكن التجارب الأخرى يكمن دورها في التصديق للمؤسسات وبعض المتابعة، ولكن يقع على عاتق وحدة التمويل الأصغر ببنك السودان المركزي عمل كبير جدا، فالوحدة جهة منظمة للقطاع ليس في المصارف فقط، بل في مؤسسات التمويل الأصغر، وأضاف نعمل على إصدار المنشورات المنظمة للقطاع ونصدق للمؤسسات ونتابع أداءها ونمولها تمويلا بالجملة، كما لدينا دور ترويجي لتصحيح المفاهيم، وكذلك التدريب ورفع القدرات، وتطوير تجربة التمويل الأصغر الإسلامي وغيرها من الأدوار. وأضاف تم إنشاء مؤسسات للتمويل الأصغر عبر الإطار الرقابي والتنظيمي الذي أصدر في عام (2011م) وتجري التعديلات في هذا الإطار في العام الجاري (2014م). عموما وحدة التمويل الأصغر جهة رقابية وإشرافية وتطويرية، تقوم بأدوار لم يقم بها أي بنك مركزي نعترف بذلك، وهذه المسألة مهمة جدا؛ لأنه لا يمكن بناء قطاع إذا لم نقم بكل هذه الأدوار، وإن كان ذلك مؤقتا ومن ثم يمكن أن تسلم بعض الوظائف التي نقوم بها للجهات المعنية. أصدرت وحدة التمويل الأصغر بالبنك عديدا من السياسات أهمها مطالبة البنوك بتسخير نسبة (12%) من إجمالي المحفظة المصرفية للقطاع، وتدرجت هذه النسبة صعودا من 1% سنويا، والعام الماضي وصلت النسبة إلى (5%)، نعتقد أن المستقبل أفضل بتسخير هذه النسبة بعد توسيع الضمانات، وتمويل مشاريع مختلفة، إضافة إلى إنشاء مؤسسات التمويل الأصغر التي بلغ عددها 30 مؤسسة حتى تاريخ اليوم. ونحاول عبر وكالة ضمان التمويل الأصغر بالجملة التي ستنشأ قريبا، ضمان أي أموال من المصارف والمانحين وبنك السودان المركزي لمؤسسات التمويل الأصغر عبر هذه الوكالة، هذه الوكالة يسهم في رأسمالها بنك السودان المركزي ووزارة المالية والاقتصاد الوطني، وبقيام وتفعيل هذه الوكالة نكون قد حققنا نسبة (12%) عبر المؤسسات، ولكن بأموال المصارف. ولكن يقع على عاتقنا البحث في القضايا الأخرى كالضمانات والمشاريع ذات الجدوى الاقتصادية، خاصة في الريف؛ لأن مؤسسات التمويل الأصغر أغلب وجودها في الريف، حيث لديها شرائح كبيرة من المنتجين الزراعيين وصغار المنتجين والحرفيين، حتى القطاع الريفي الصناعي يمكن دخوله، ونتوقع من المؤسسات عبر مساعدة وكالة الضمان عمل أفضل ما لديها؛ لرفع نسبة التمويل بالمصارف بعد معالجة التحديات الأخرى.
سياسات بنك السودان المركزي
وفيما يختص بسياسات بنك السودان المركزي أوضح بروفيسور بدرالدين أن بنك السودان المركزي أصدر وثيقة التأمين الشامل كضمان فضلا عن (15) نوعا من الضمان، سميت باقة الضمانات (العمد والشيوخ، المرتب، المنقولات، الحلي الذهبية وغيرها)، ويمكن للمصارف أيضا اللجوء لضمان أخرى حسب ما تراه مناسبا. ولسوء الحظ كثير من البنوك لجأت لضمان الطرف الثالث (الشيك) ولم تعمل بالضمانات المطروحة؛ لذلك أصدرت الوحدة بالبنك المركزي وثيقة التأمين الشاملة كضمان. وهذه الوثيقة تغطي التمويل والأصول وهنالك جزء تكافلي في حالة العجز أو الوفاة. واستخدمت كوثيقة كضمان لأكثر من (3) آلاف مشروع في محفظة تمويل مشاريع الخريجين الثانية، وفي برنامج ربط صغار المنتجين بالأسواق وعلى مستويات فردية في البنوك. وحاولنا عمل توعية للمواطنين بأهمية الوثيقة واستخدامها كضمان، لسوء الحظ أغلب طالبي التمويل ليسوا على علم بها، ونتمنى عبر وسائل الإعلام المختلفة الترويج لهذه الوثيقة، باعتبارها من الأشياء المميزة التي نظمها القطاع.
وقد حاول بنك السودان المركزي وضع أطر محددة لقيام تمويلات على أسس إسلامية عالمية، ولا نعتبر التمويل غير مسترد أو منحة، بل تمويل وفق أسس مجموعة الاستشارية التابعة للبنك الدولي لمساعدة الفقراء. المؤسسات السودانية للتمويل الأصغر لا تقبل الودائع، وتأخذ تمويلات بالجملة من بنك السودان المركزي أو تمويل من الشراكات والمانحين والمصارف على نسبة (12%). وتمويل الشراكات يأتي من شراكتنا مع (بنك التنمية الإسلامي في جدة). وفي هذا البرنامج تم تمويل (10) مؤسسات بنسبة تعسر 2.6% فقط بمبلغ 20 مليون دولار (بالعملة المحلية)، ويتم التمويل في شكل مضاربة مقيدة بتقاسم الأرباح، وهذه الشراكة جزء من السوق الكبير التمويل بالجملة، الجزء الأخير للتمويل بالجملة يتم عبر موارد مؤسسات التمويل الأصغر الذاتية. ويوجد قرابة (200) فرع لهذه المؤسسات منتشرة بشكل كبير في الولايات، يوجد ولايات بها أكثر من مؤسسة واحدة. والمؤسسات مقسمة إلى ثلاث مؤسسات (اتحادية تعمل في كل السودان، ولائية تعمل في الولاية المعنية، وهناك مؤسسات محلية تعمل في المحليات. كما هنالك مؤسسات لاتحادات (المرأة، الشباب،... إلخ )، يوجد مؤسسات أجنبية (بنك الإبداع).
حدثنا عن الاستراتيجيات والهياكل التي وضعت للتمويل الأصغر؟
قمنا بوضع الاستراتيجية الأولى في عام (2007م), وانتهت عام (2011م). هذه الاستراتيجية وضعت أساسا جيدا وقامت بوضع الأسس الكفيلة لبناء قطاع مستدام للتمويل الأصغر في السودان، ولولاها ما وصلنا إلى ما وصلنا إليه اليوم؛ لأنها وضعت اللبنة الأولى للسياسات. وأنجز السودان متطلبات هذه الاستراتيجية بنسبة عالية. وآن الأوان بتوسيع التجربة لتكون استراتيجية متكاملة، وأنجزنا الآن وضع الاستراتيجية الشاملة للتمويل الأصغر الممتدة من العام الماضي إلى (2017م) التي أجازها المجلس الأعلى للتمويل الأصغر. ونحن حاليا نرصد أداء هذه الاستراتيجية وفق سياسات ونشاطات محددة. والهدف من هذه النشاطات والسياسات تحقيق مؤشرات معينة منها: رفع نسبة القطاع في الناتج المحلي الإجمالي من (1%) إلى (3%). والمتوقع في الاستراتيجية الوصول بالعملاء الممولين إلى 1.5 مليون عميل في عام 2017م مقارنة بــ (494 ألف) عميل في عام 2012م (سنة الأساس). وفي هذا العام حققنا أكثر من المليون عميل، كما أن بعض المؤشرات الأخرى في الاستراتيجية إما تحققت أو في طريقها إلى التحقيق. وفي الحقيقة نشاطاتنا أكبر بكثير مما هو موضوع في الاستراتيجية. واحد من الإنجازات قومية التجربة. لم نترك مسألة التمويل الأصغر للبنوك والمؤسسات وضعنا إطارا قوميا يشارك فيه كل الوزارات ذات الصلة، لدينا المجلس الأعلى للتمويل الأصغر الذي يضع السياسات ويشمل وزارة المالية والوزراء المعنيين والولايات، والبنك المركزي مقرر لهذا المجلس الذي يرأسه السيد النائب الأول لرئيس الجمهورية. ولدينا أيضا المجالس الولائية برئاسة الولاء. وكذلك وحدات للتمويل الأصغر في كل فروع بنك السودان المركزي الولائية، للمتابعة والإجراءات ووحدة تمويل في رئاسات المصارف ووحدات تخطيط المشاريع في الوزارات ذات الصلة بالتمويل الأصغر. وبخصوص استقطاب الموارد المالية عقدت شراكة مع الشركة السودانية لتنمية التمويل الأصغر برأس مال من بنك السودان المركزي والبنك الدولي من أجل توفير البرمجيات والتمويلات بالجملة والتدريب ورفع القدرات وكل ما يخص الدعم الفني لمؤسسات التمويل الأصغر، لدينا أيضا شراكة مع بنك التنمية الإسلامي (جدة) قوامها (60) ألف دولار سخرت لرفع القدرات والبرمجيات والتمويل بالجملة. وهذه الشراكة وجدت إشادة من البنك الإسلامي للتنمية ويعمل البنك على تطبيقها لكل الدول الأعضاء.التجربة السودانية في التمويل الأصغر قدمت بعض التجارب في التمويل الأصغر الإسلامي نجملها في التالي: أول تجربة إسلامية متكاملة تدعم بواسطة البنك المركزي، من أوائل التجارب الإفريقية التي وضعت استراتيجية شاملة لتنمية وتطوير القطاع، يشارك فيها كل الشركاء، أول تجربة ذات بعد قومي (وحدة التمويل الأصغر، المراكز ووحدات تخطيط المشاريع ومجالس التمويل الأصغر)، أول تجربة تستخدم التكافل الإسلامي الأصغر عبر وثيقة التأمين الشاملة، أول تجربة تنشئ وكالة ضمان حكومية للتمويل الأصغر بالجملة، وأخيرا، أول تجربة تستخدم صيغة المضاربة المقيدة في التمويلات بالجملة من المصارف للمؤسسات.
كيف تتعامل الوحدة في حالة حدوث مشكلة ما؟
نحن نبني في نموذج عالمي يحتاج إلى الصبر وأخيرا بدأنا نجني ثمار هذه التجربة وهناك حراك كبير جدا يتم للتمويل الأصغر يعود بالنفع بالخير للبلاد. ومن الأعمال الكبيرة التي قام بها بنك السودان المركزي تغيير المفاهيم مع جميع الجهات المطلوبة للتوعية وتغيير المفاهيم عبر وسائل الإعلام المختلفة، بأن مثل هذا النوع من التمويل له خصوصيته، ولا بد أن يفهم بصورة صحيحة بافتراض أنه عمل مربح للأطراف كافة البنك وبنك السودان المركزي والعميل. فكرة التمويل الأصغر كدعم فكرة سالبة ويمكن أن تؤثر في القطاع بصورة سالبة ودائما نحاول تصحيح المفاهيم المغلوطة التي يروج لها الكثيرون في السودان عن التمويل الأصغر، وما زال العمل مستمرا فيها باعتباره برنامجا طويل المدى، نحاول توضيح الفكرة بأن التمويل لأي شريحة في المجتمع بصرف النظر عن وجودها الجغرافي، لكن شروطها كالآتي: تطلب من الشريك الضمانات المناسبة وتقدم له تمويلا معقولا يمكن إدارته كمبتدئ، كما أن هناك دعما فنيا وتوعويا، ولكن هناك شيء وحيد لا نتنازل عنه تماما وهو أن أي شخص أخذ تمويلا يجب أن تسترده الجهة الممولة بهوامشه المعروفة، إذا كان الشخص غير قادر على أخذ المال وليس له مشروع منتج فهو ليس مستهدفا بالتمويل الأصغر. نريد إيجاد تجربة وتمويل للعملاء النشطين اقتصاديا الجادين عبر مشاريع إنتاجية وخدمية يتم تقديمها كنموذج يستفيد منه المجتمع والبنك في تحقيق الأرباح وتحريك الاقتصاد القومي، وتحريك الإنتاج عبر صغار المنتجين باعتبارهم طاقة معطلة. الإنسان قادر أن ينتج لكنه في كثير من الأحيان لا يجد تمويلا. بالتدخل نريد أن نفيد هذا الشخص عبر المصارف بالأسس المعروفة عالميا ولا نريد أن نقدم له التمويل كدعم؛ لأن أموال المصارف عبارة عن ودائع أشخاص يجب إرجاعها عند الحاجة وأموال مؤسسات التمويل الأصغر تمويلات بالجملة مأخوذة من بنك السودان المركزي والمصارف والشراكات والقطاع الخاص وهي أموال مستردة وبهامش الربح.
هل البنك أخرج الفقراء عن دائرة الفقر؟ وهل تم تمويل أعداد كافية بالقدر المطلوب؟
رد دكتور بدرالدين قائلا: لا يستطيع النظام المصرفي تمويل كل هذا الكم الهائل من العملاء علما بأن عدد السكان أكثر من 34 مليون ونسبة الفقر 46%. التمويل الأصغر لا يستهدف جميع الفقراء وليس مناسبا للطبقات ذات الفقر المدقع ولذوي الحاجات من الفقراء. ولكننا نتحدث عن الطبقة الفقيرة النشطة اقتصاديا التي لديها مهارة ورغبة في الإنتاج. تم تحديد العدد المستهدف في التمويل الأصغر وفق دراسات بالوحدة في حدود (7.2) مليون كحد أقصى، الحديث الآن عن تحقيق مليون من العدد الكلي هذا العام. وفي رأيي أن هذه الشريحة من حيث العدد يمكن الوصول إليها؛ لأنها ليست بالحجم الذي يتصوره الجميع، ويبقى السؤال هل كل شخص تم الوصول إليه خرج من دائرة الفقر؟ وهل العدد يتزايد أم يتناقص؟ العدد في تزايد مستمر، لكن السياسات القومية أثرت إيجابا في فرص التوظيف. والحل لقضايا الفقر ليس بالتمويل الأصغر فقط، بل بتوسيع المواعين الإنتاجية وخلق وظائف في القطاعين العام والخاص. التمويل الأصغر وضع لمساته الإيجابية في ظل وجود كثير من المشكلات ليس لديها صلة بالتمويل الأصغر. وقياسات الأداء الاجتماعي للتمويل الأصغر معدومة إن لم تكن ضعيفة. وفي العام 2013م تمت دراسة متكاملة للبنك الدولي عبر (460) استبانة في (15) ولاية، ووصلت إلى نتائج جيدة فيما يخص زيادة حجم التمويل الأصغر وزيادة الدخول وفتح فرص التشغيل وتحسين المستوى المعيشي للمواطنين، ووصلت النسب بين (50-80%) في هذه المؤشرات حسب الاستبيانات التي تمت. تزايدت فرص التشغيل في الحالات التي طلبت التمويل للتوسع (أكثر من 50%). كما ترى نسبة 80% أن دخولهم زادت، وكذلك ترى نسبة نحو 50% أن أرباحهم قد زادت ونسبة 32% يرون أن مشاريعهم قد نمت. وأوضحت الدراسة أن هنالك تطور إيجابي في الرفاهية بالنسبة للزبائن الذين منحوا تمويلا في مجال التغذية (نحو 50%) والحصول على فرص التعليم (36%)، وفرص الخدمات (34%)، وشراء الأغراض الضرورية. كما أن 45% أوضحوا أنه في وضع مادي أفضل من بقية المجتمع المحلي. ونرى أن تقوم الجامعات بدراسات أكثر تعمقا على مستوى الماجستير والدكتوراه، إذا سخر جزء من هذه الدراسات لقياس الأثر الاجتماعي لمؤسسات التمويل الأصغر والمصارف في الولايات. وربما تكون هذه الدراسات الدقيقة والحقيقية تكامل بين بنك السودان المركزي والقطاع التعليمي في السودان إلى جانب الدراسات الخاصة. ووضعنا مقترحا للمؤسسات والبنوك بأخذ المعلومات الخاصة بالوضع الاقتصادي للممول قبل وبعد تنفيذ العملية للمقارنة، وهذه المنهجية لقياس الأثر الاجتماعي تعمل به كثير من المنظمات ومصارف التمويل الأصغر.
* هل أداء الممولين ينساب بصورة جيدة؟
إجمالي الممولين بالمؤسسات والمصارف في عام 2011م، بلغ 244 ألف، وفي عام 2012م بلغ 494 ألف، وارتفع إلى 770 ألف في عام 2013م ومتوقع خلال عام (2014م) أكثر من مليون عميل. وعن أداء المؤسسات في عام (2011م) كان عدد العملاء (9) آلاف فقط مقارنة بالوضع الحالي بهذا العام بأكثر من نصف مليون عميل. وقبل (3) سنوات كان عدد المؤسسات (7) فقط، ووصلت الآن إلى (30) مؤسسة عاملة، مع تطور في الأرقام للعدد الممول. ومتوسط التعثر بالمؤسسات (2%) فقط، وهو أقل من المستوى العالمي في الحدود الآمنة الذي حدد بنحو 5%. ومؤشر العمل بالمؤسسات جيد بفضل الرعاية والدعم الفني من بنك السودان المركزي والتمويل وفق الأسس العالمية بالمضاربة المقيدة بالعقد النموذجي والمشاركة بالأرباح بين البنك والمؤسسات، وجميع التمويلات التي تأتي من بنك السودان تمويلات بعائد ويجب وجود عائد للتمويل وأثر إيجابي بحكم عدد الممولين. ووصف صندوق النقد الدولي في تقريره عن السودان (لفقرة الرابعة، مشاورات في عام 2013م) التطور الكبير الذي حدث في قطاع التمويل الأصغر في السودان بالإيجابي. ويرى الصندوق أنه وفي حالة استمرار هذا المنهج مع المؤسسات والاهتمام القومي بالتجربة وقيام الأطر الرقابية والتنظيمية سيكون السودان الرائد في التمويل الأصغر الإسلامي. على نطاق العالم. وتقرير البنك الدولي، المجموعة الاستشارية لمساعدة الفقراء (سيجاب) الذي أصدر في عام 2013م وشمل (19) دولة تقدم تمويلا أصغر على النهج الإسلامي أشاد بالتمويل الأصغر الإسلامي بالسودان. واحتل السودان المرتبة الثانية في عدد الممولين من دول العالم بعد بنجلادش، كما احتل المرتبة الرابعة في المحفظة القائمة، وأطلق التقرير على التجربة السودانية في التمويل الأصغر التجربة الفريدة والمختبر في التمويل الأصغر الإسلامي. كما أشاد البنك الإسلامي للتنمية ببرنامج الشراكة بينه وبين السودان في محال التمويل الأصغر وصنفت من ضمن أفضل (10) شراكات للبنك العام الماضي. ويعمل البنك على تعميم هذه الشراكة الناجحة على جميع الدول الأعضاء ونرى أن توثق التجربة السودانية لمصلحة الدول الأعضاء. وهنالك أيضا إشادة بتجربة التمويل الأصغر الإسلامي في السودان نشرت في موقع مركز الشمول المالي بتاريخ 26 أبريل 2013م جاء فيها أن التمويل الأصغر الإسلامي بدأ في التصاعد، ولكن بوتيرة ضعيفة حتى في الدول التي تبنت هذا النوع من التمويل، فيما عدا السودان الذي يعتبر الحالة الشاذة والمثيرة والجديرة بالاهتمام حيث ارتفع عدد عملاء التمويل الأصغر إلى أكثر من 400 ألف مقارنة بنحو 9500 عميل فقط في عام 2006م، ويرجع الفضل، حسب رؤية المقال، إلى الدفع الحكومي لتقديم خدمات مالية وإلى القوانين التي تتطلب أن تكون المنتجات المالية المحلية متوافقة مع أسس الشريعة الإسلامية.
ما المشاريع التي نفذتها وحدة التمويل الأصغر بالبنك حتى الآن؟
تم تنفيذ الكثير من المشاريع الضخمة كمشروع ربط صغار المزارعين بالأسواق، ومشروع مبادرة البنك الزراعي (آبسمي) وهي عبارة عن شراكة مع البنك المركزي في التمويل وتستهدف التمويل الأصغر في القطاع الزراعي والرعوي التقليدي بالريف. معدل السداد في هذا المشروع وفي مرحلته الثانية (100%). وبدأ مشروع مبادرة البنك الزراعي السوداني للتمويل الأصغر (آبسمي) في منتصف عام 2011م مستهدفا مليون أسرة في السودان. وصمم هذا المشروع لتقديم تمويل متناهي الصغر للمزارعين في الريف وفق صيغة المضاربة والمشاركة لتمويل النشاطات الزراعية (تسمين الحيوان، النشاطات الزراعية الصغيرة، والأنشطة المدرة للدخل). قام المشروع في المرحلة التجريبية في 2011م بتمويل 11988 أسرة لعدد 677 مجموعة نسائية بحجم تمويل 13 مليون جنيه سوداني وحجم مدخرات بمبلغ مليون جنيه سوداني، تنفيذ المشروع تم بواسطة فروع متخصصة. في مارس 2014م تم تمويل المرحلة التوسعية ليستهدف 1439 مجموعة نسائية، وذلك بتأسيس خمس وحدات في خمس ولايات، إذ تم تقديم تمويل بمبلغ 39 مليون جنيه سوداني (6.8 مليون دولار أمريكي)، بمتوسط تمويل 930 جنيه سوداني (163 دولار أمريكي) لعدد 25,000 امرأة بسداد 100%، وبمكون ادخاري أكثر من ثلاثة ملايين جنيه في مارس 2014م، وارتفع عدد المدخرين إلى 27000 مدخر مقارنة بعدد 1000 خلال الفترة السابقة. قام مشروع (آبسمي) بتوظيف 87 شابا، هذا التوسع الملحوظ نتيجة لنجاح المرحلة التجريبية ولحماس الشركاء للتوسع لسد العجز بين الطلب والعرض في خدمات التمويل الأصغر في المناطق الريفية. وهنالك أيضا مشاريع خاصة بالمرأة كالجمعيات النسوية بالقضارف ومشاريع إنتاج المحاصيل (الكركديه) ومشروع ربط صغار المزارعين بالأسواق ويعني هذا المشروع بربط صغار المزارعين بالأسواق ويهدف المشروع إلى تحويل صغار المزارعين من متلقين للغذاء والإعانات (دائرة العجز في الإنتاج) إلى مرحلة الإنتاج والاكتفاء الذاتي, إضافة لتحقيق أرباح لصغار المزارعين؛ وذلك عن طريق ربطهم بأسواق (التمويل الأصغر- التأمين الأصغر- أسواق المحاصيل إضافة لخدمات الإرشاد الزراعي). وهنالك مشروع المرأة الريفية الذي يستهدف النشاط الزراعي للمرأة الريفية بشقيه النباتي والحيواني إضافة إلى الصناعات المحلية التي تتقنها المرأة الريفية بالولايات وتم تنفيذ المشروع عبر مصرف الادخار، بالتنسيق مع اتحادات المرأة.
وربما يكون السودان من الدول الناجحة في مشاريع التمويل الأصغر ذات البعد الاجتماعي. وفي مدينة بورت سودان مثلا تم توصيل الكهرباء للمنازل في الأحياء الطرفية عبر التمويل الأصغر بتمويل من المصارف إلى شركة الكهرباء بضمان الولاية. وتم مد الكهرباء خلال شهرين فقط لآلاف المنازل. ويتم الدفع عبر أقساط تسدد عند شراء الكهرباء (الدفع المقدم). وهنالك مشروع مماثل لإنارة قرى محلية شرق سنار، حيث قام مصرف المزارع التجاري لتمويل مشروع إنارة 70 قرية بمحلية شرق سنار بصيغة المشاركة. برأسمال قدره مبلغ 10.4 مليون جنيه وذلك عبر التمويل ذي البعد الاجتماعي، حيث يقوم فيه البنك بدفع مبلغ توصيل الكهرباء وتسدد شهريا بالأقساط. كما تم تعميم المشروع في ولاية الخرطوم وذلك بتنفيذ المشروع عبر مصرف الادخار والبنك العقاري ومؤسسة التنمية الاجتماعية، لإنارة الأحياء الطرفية بالعاصمة القومية. وجار العمل حاليا لتنفيذ المشروع نفسه بولاية الخرطوم مع عدد من البنوك ليتم تغطية جميع المناطق الطرفية عبر هذه الآلية. ودخول الكهرباء يعني الاستقرار والدخول في دائرة الإنتاج والابتعاد عن الجريمة، وإدخال طاقات جديدة ومتجددة في المجتمع لتحريك الإنتاج والاقتصاد.
التحديات التي تواجه التمويل الأصغر في السودان؟
يوجد الكثير من التحديات الماثلة أمامنا بتكرار المشاريع وعدم كفاية الضمانات. بحمد الله هناك جهود تتم مع بنك السودان المركزي لإدخال (الموبايل بانكن) بالتمويل الأصغر، ومن المعوقات التي تواجهنا مشكلة الفهم الصحيح للتمويل الأصغر نتيجة للمفاهيم المغلوطة، لكن الآن المجتمع بدأ يستوعب أهمية التمويل الأصغر وفاعليته وكيفية إدارته وطريقة سداده.هذه ثقافة كاملة يجب على الجميع معرفتها. وكل شخص جاد وكفؤ ينبغي أن يحصل على التمويل الأصغر ومن مصلحة البنك وجود مشروع قائم يعمل على توسعته، خاصة أن معدلات الفشل بالمشاريع الجديدة عالية لعدم قيامه على أسس سليمة، ويحتاج للتسويق والترويج والعمالة لنجاح التجربة، كما تصحبه تأثيرات اقتصادية خارجية وداخليه جمة. لكن المشروع القائم مسبقا أثبت نجاحه لذلك من السهل توسعته. كثير من الأشخاص وجهوا انتقادات بعدم كفاية التمويل، وفي الوقت ذاته الكثير من العملاء نالوا التمويل ولم يردوه أو تأخروا في التسديد، من المعروف أن المؤسسات التمويلية تعمل وفق قوانين وتنظيمات من البنك المركزي ولا تمد التمويل إلا بعد الضمانات المناسبة.
كثير من الشكاوى وردت عن تأخر تمويل العملاء؟
يوجد تأخير حقيقة في تسليم العميل التمويل في عديد من البنوك والمؤسسات التمويلية، ويرجع ذلك لتأخر العميل نفسه في تكملة الإجراءات في بعض الأحيان، وفق شروط يجب الاستيفاء بها إضافة إلى عدم كفاية الضمانات التي تأخذ أكثر من شهرين أو ثلاثة وربما أربعة أشهر. والتمويل الأصغر يحتاج لترتيبات كثيرة. ومن أسباب تأخر التمويل أيضا عدم تمويل بعض المشاريع خلال فصل (الصيف والشتاء)، كما أحجمت المصارف عن تمويل عديد من المشاريع مثل (الركشات)؛ لأن هناك كثير من المشاريع الإنتاجية، فالتمويل الأصغر ارتبط بأشياء محددة بين العميل والبنك وفي النهاية هذا عمل عائد على الطرفين بأرباح محددة، النظام الإسلامي يجعل التعامل جيدا مع العميل، ولا نريد من البنوك التعامل بهامش ربح عال أو متدن جدا على حساب ربحيتها. ونطالب بالفهم الصحيح من قبل العميل وإدارة التمويل الأصغر بصورة جيدة من قبل المصارف. ولدينا بعض التحديات سيتم مراجعتها عبر الزمن.