ترفض النفس البشرية- بطبيعتها- الخطأ، حين ترى من الطرف الآخر تصرفًا مناهضًا للصواب، أو تصرفًا خاطئًا مستمرًا؛ فتبادر على الفور إلى تقديم النصيحة؛ إما من باب المحبة- وهذا أمر حسن- أو من باب التهكم والتشفّي؛ وذلك أمر غير مقبول.
وبافتراض حسن النية دائمًا، فإننا بناءً على ذلك، نضع محاور يجب مراعاتها والأخذ بها، في مقدمتها أن للنصيحة أوقاتًا، وأسسًا يجب ألا تحيد عنها. ولاشك في أن النصيحة تعظم فائدتها ويوضح أثرُها قبل حدوث التصرف، بينما تكاد تنعدم فائدتها، وتقل أهميتها بعد حدوث التصرف؛ لأنه قد حدث فعلًا.
كذلك، من المهم مراعاة أوقات النصيحة، فليس من المنطق أو اللائق، تقديمها في وقت ذروة حدوث التصرف؛ حيث يكون الحديث إلى مرتكب التصرف، كمن يقود سفينة وسط العاصفة، بل إن اختيار الوقت الأمثل قبل حدوث التصرف هو الأهم والأفضل.
ولايضر حين تُكثِر من الحديث وتقديم النصائح، فكله ذو فائدة؛ لأن السلوك لم يحدث فعلاً، ولكن إن حدث، فلعلّ كلمة واحدة تكفي.
وهناك أمر هام، يجب أيضًا مراعاته؛ ألا وهو: هل لمقدم النصيحة قبول من الطرف الآخر؟؛ فقد يكون حديث مقدم النصيحة في محله تمامًا في إطاره ومضمونه، ولكنَّ الخطأ الوحيد في أنه هو من يقدم النصيحة، أو أن تكون لديه مشكلة في توصيل النصيحة، فيكون من الأفضل حينها أن يقدمها لطرف ثالث يستعين به لإسدائها.
وليس في ذلك حرج، فنبي الله موسى- عليه السلام- حينما أرسله الله- عزَّ وجلَّ- إلى فرعون، سأل اللهَ أن يبعث معه أخاه هارون ليساعده، ويعينه ويشد من أزره؛ إذ يقول سبحانه وتعالى في محكم تنزيله: (وَاجْعَل لِّي وَزِيرًا مِّنْ أَهْلِي (29) هَارُونَ أَخِي (30) اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي (31) وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي) وهذا تأكيد من القرآن الكريم على أهمية إيصال الرسالة والنصيحة بالشكل الصحيح.
هناك أيضًا، أمر مهم؛ وهو الأسلوب الراقي المهذب الذي يجب أن يتم توجيه النصيحة من خلاله؛ فذلك من الأسباب الرئيسة في قبول النصيحة، ويفضل أيضًا أن يصاحب النصيحة حلول أخرى؛ لتكون الخيارات مفتوحة أمام متلقي النصيحة.
ختامًا، يجب أن تكون النية عند إسداء النصيحة، رضا الله سبحانه وتعالى، وألا يُراد منها منفعة أو مصلحة شخصية أو معصية لله عزَّ وجلَّ، ويجب على متلقي النصيحة أن يقبلها، وألا يشخصنها، فإن آفة النصيحة شخصنتها، وأن يعمل المرء بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ”.