لاشك في أنَّ الخطوات الناجحة التي اتخذتها المملكة العربية السعودية للإصلاح الاقتصادي، قد دفعت بالاقتصاد الوطني نحو النمو السريع؛ وهو ما جاء على عكس توقعات صندوق النقد الدولي، الذي توقع حالة من الانكماش في النمو العالمي؛ بسبب الحرب التجارية بين أمريكا والصين(التعريفات الجمركية)، وكذلك مزيد من الضغوط التي تعاني منها الأسواق الناشئة وعدة عوامل أخرى؛ ما دفع صندوق النقد الدولي إلى إصدار تقرير بعنوان: “آفاق الاقتصاد العالمي”، أشاد فيه بالاقتصاد السعودي.
والسؤال الذي يطرح نفسه بقوة: لماذا جاءت معدلات النمو في الاقتصاد السعودي مرتفعة، على عكس توقعات صندوق النقد الدولي بالانكماش في النمو العالمي؟.
رؤية 2030
والحقيقة، أن الإجابة تكمن في عدة عوامل؛ منها التقدم الملحوظ الذي حققته السعودية في معدلات انكماش وعجز الحساب الجاري وتحوله إلى فائض، والتحسن في معدلات النمو، وما حققته من إصلاح اقتصادي وفق رؤية 2030، لاسيما فيما يرتبط بضبط المالية العامة التي بدأت تؤتي ثمارها.
ولعل من بين أهم العوامل التي ساهمت أيضًا، ارتفاع أسعار النفط، وعمليات هيكلة الاقتصاد الكلي؛ ليتحول من اقتصاد يعتمد على النفط إلى اقتصاد متنوع، وكذلك تحسين معدلات النمو على المدى المتوسط.
ويتوقع صندوق النقد الدولي، أن يساهم ارتفاع أسعار النفط الحالية حتى نهاية 2018- والتي قد تستمر لمنتصف 2019 بسبب عوامل العرض والطلب وعوامل التوترات الجيوسياسية- في دفع أسعار النفط للارتفاع؛ وبالتالي تحسن موازنة المملكة العربية السعودية.
معدلات النمو
شهد عام 2017 انكماشًا؛ إذ بلغ معدل النمو (- 0.9 %)، ثم حدث ارتفاع بعد ذلك؛ ليصل إلى 2.2 % في عام 2018، الأمر الذي فاق توقعات الخبراء؛ وهو ما يبشر أيضًا بمزيد من الارتفاع في عام 2019؛ إذ يُتوقَّع ارتفاعه إلى 2.4 %، لسعي المملكة جاهدًة إلى العمل على نمو كافة القطاعات إلى جانب القطاع النفطي؛ ما يشكل أحد عوامل زيادة مدخلات الدولة.
التضخم ومؤشر أسعار المستهلكين
لوحظ انكماش واضح في عام 2017، ولكن ما يدفع أسعار التضخم إلى الارتفاع حسب توقعات صندوق النقد الدولي؛ هو ارتفاع تكلفة المعيشة؛ وبالتالي تضخم أسعار المنتجات الأساسية من السلع والخدمات، مع توقع انخفاض مؤشرات التضخم في عام 2019 إلى 2 %، كما رصد الصندوق عدة عوامل ستؤدي إلى انخفاض التضخم، أبرزها عمليات هيكلة الاقتصاد السعودي.
الحساب الجاري
تسبب تراجع أسعار النفط في عجز الميزان الجاري؛ إذ بلغ (- 8.7 %) في عام 2015، ثم انخفض في عام 2016 إلى (-3.9 %)، ثم تحسن في عام 2017؛ ليبلغ 2.2 %، فيما يُتوقَّع في عام 2018 أن يبلغ 8.4 %؛ وذلك لارتفاع مبيعات النفط ، والقطاعات الأخرى غير النفطية.
عوامل داعمة
ووفقًا لرؤية صندوق النقد الدولي، هناك عوامل ستدعم نمو الاقتصاد السعودي؛ وهي:
1- المحافظة على استقرار النظام المالي، ومزيد من الشمولية؛ أي حرص السعودية على الإشراف على جميع العمليات الداخلية والخارجية.
2- لجوء السعودية إلى تطوير أسواق الدَّيْن؛ إذ تم مؤخرًا رفع السندات وأدوات الدين الحكومية إلى مؤشرات عالمية في الأسواق الناشئة؛ لبيعها في الخارج.
3- زيادة تمويل المشاريع الصغيرة والمتوسطة التي يُعتقد أنها ستكون الوجهة القادمة للاقتصاد السعودي.
4- إزالة العوائق الهيكلية أمام المؤشرات؛ أي ما يعيقها من البيروقراطية والروتين.
تحسين بيئة الأعمال
وبناءً على ما تقدم يمكننا القول إن هناك أثرًا إيجابيًا للإصلاحات الاقتصادية التي تنفذها السعودية، من بينها الإصلاحات الرامية إلى تحسين بيئة الأعمال، وتحسن النمو الكلي الإجمالي للناتج المحلي في الأجل المتوسط، والإصلاحات الهيكلية الهادفة إلى تحقيق توازن الميزانية، وتحسين كفاءة الإنفاق الحكومي؛ بتقليص النفقات، مع تحقيق مزيد من مكاسب الكفاءة؛ نتيجة تحسين إدارة الاستثمارات العامة، علاوة على ضرورة توسيع نطاق ترشيد الإنفاق؛ ليشمل جميع الوزارات والهيئات؛ لتحقيق مزيد من الوفر في النفقات.
إنَّ للإصلاحات الهيكلية دورًا كبيرًا في تعزيز نمو القطاع غير النفطي بالمملكة؛ من خلال الحّد من العقبات التي تعترض نمو القطاع الخاص والصادرات، بما في ذلك تقليص الوقت اللازم لإتمام إجراءات التخليص الجمركي، وتيسير إجراءات بدء أنشطة الاعمال، كما أنَّ لتنفيذ جدول مشاريع الخصخصة دورًا كبيرًا في النمو، علاوة على تفعيل الشراكات بين القطاعين العام والخاص.