حظيت العلاقة بين المسؤولية الاجتماعية وتحفيز الابتكار باهتمام بحثي وأكاديمي موسع، وقاد هذا الاهتمام النظري إلى الدفع بنموذج جديد من المسؤولية الاجتماعية، ليس بصفتها توجهًا خيريًا/ تطوعيًا، ولا حتى بوصفها استراتيجية تسويقية ولكن باعتبارها توجهًا حاملًا للابتكار وحافزًا عليه.
وبعيدًا عن الانخراط النظري ذاك، فإن تجسير الهوة بين المسؤولية الاجتماعية وتحفيز الابتكار تبدو محتمة، خاصة من جهة تعزيز الابتكار واعتماده كاستراتيجية أساسية لعمل الشركات.
وذلك لأن الشركات اليوم تعمل في بيئة سريعة التغير، تجبرها على البحث باستمرار عن حلول جديدة تضمن اكتساب ميزة تنافسية أو الحفاظ عليها، وفي ضوء ذلك يُعد الابتكار أمرًا ضروريًا وحتميًا لكل كيان اقتصادي أو تجاري.
وتنبع الأهمية المتزايدة لتعزيز الآصرة بين المسؤولية الاجتماعية وتحفيز الابتكار من المنافسة العالية التي تواجهها الكيانات العاملة في السوق المعاصرة، علاوة على ذلك، فإن التطوير المستمر، مع مراعاة احتياجات جميع أصحاب المصلحة، يبدو ضرورة مطلقة.
اقرأ أيضًا: تنمية المسؤولية الاجتماعية والارتقاء بأداء الشركات
معادلة المسؤولية الاجتماعية وتحفيز الابتكار
حين نتحدث عن المسؤولية الاجتماعية وتحفيز الابتكار يبدو أننا أمام طرفي معادلة لا بد من ضبطهما معًا، وضمان تناغمها أيضًا؛ إذ تتطلب الممارسة الناجعة للمسؤولية الاجتماعية نوعًا من الابتكار في الأداء، طالما فهمنا أن الهدف ليس مقصورًا على أداء بعض الأنشطة والممارسات التطوعية، وإنما الدفع بكل من المجتمع والشركة قُدمًا على حد سواء.
والابتكار ذاته يجب أن يكون مسؤولًا من الناحية الاجتماعية، وإلا فما جدوى ابتكار يضر بالمجتمع ويلقي به في مهاوي الدمار؟!
وعلى ذلك يمكن القول إن المسؤولية الاجتماعية للشركات والابتكار في الوقت الحاضر هما أساس الكفاءة التجارية.
وجادلت المفوضية الأوروبية بأن المسؤولية الاجتماعية للشركات قد تساهم في تنمية الاستدامة، وفي الوقت نفسه تزيد من القدرة التنافسية للشركات من خلال تحفيز الابتكار.
وعندما نتعمق أكثر في سبر أغوار العلاقة بين المسؤولية الاجتماعية وتحفيز الابتكار سنجد أن الابتكار، بشكل عام، يغطي أربع عناصر رئيسية في عمل الشركة هي: المنتج، العملية، التنظيم والتسويق، وكل منها يتميز بجوانب مسؤولة اجتماعيًا بشكل مختلف.
وبالتالي فإن كلًا من الابتكار والمسؤولية الاجتماعية موجودان في صلب أي عملية تجارية تطمح في أن تلعب دورًا فاعلًا على الصعيدين الاجتماعي والاقتصادي، وأن تعمل على تحقيق أهدافها التجارية مع الحفاظ على تنمية المجتمع وتقدمه.
اقرأ أيضًا: أهمية المبادرات التطوعية.. كيف تستفيد الشركات؟
الابتكار والقيمة السوقية للشركات
وعلى الناحية الأخرى تفصح الأدبيات النظرية والبحثية التي تطرقت إلى العلاقة بين المسؤولية الاجتماعية وتحفيز الابتكار عن أن الشركات التي لم تأخذ في الاعتبار احتياجات جميع أصحاب المصلحة والمجتمع سوف تتعرض قيمتها السوقية لتدمير تدريجي.
يعني هذا أن الابتكار هو طوق نجاة الشركات، وأنه لا سبيل كذلك إلى ممارسة المسؤولية الاجتماعية من دون هذا الابتكار ذاته. إننا هنا إزاء حلقة مفرغة على ما يبدو؛ إذ لا ندري هل تبدأ العلاقة من الابتكار وتنتهي بالمسؤولية الاجتماعية أم أن العكس هو الذي يحدث.
بيد أنه يمكن القول إن الابتكار هو نقطة البداية عندما نفكر في الشركة على الصعيد الداخلي؛ فمنبع أي مبادرة اجتماعية يجب أن يكون الابتكار، سوى أننا على الصعيد الخارجي (العام) يبدو أن المسؤولية الاجتماعية (كممارسة) تدفع بالابتكار قدمًا؛ فإذا كانت المسؤولية الاجتماعية حافزًا للابتكار فإن هذا الابتكار ذاته هو شرطها الأساسي، ومن دونه لن تكون هناك ممارسة اجتماعية معتبرة يمكن أن تؤتي ثمارها المرجوة.
اقرأ أيضًا: تطبيق المسؤولية الاجتماعية.. خطوات عملية
مبدأ تعظيم القيمة
وفي الأخير يمكن القول إن العلاقة بين المسؤولية الاجتماعية وتحفيز الابتكار تنتظم حول مبدأ تعظيم القيمة (للمجتمع وللشركات على حد سواء)؛ فعادة ما يتم تعريف المسؤولية الاجتماعية للشركات بأنها مسؤولية الشركات عن آثارها في المجتمع؛ بهدف تعظيم صنع قيمة مشتركة لأصحابها/ والمساهمين وأصحاب المصلحة الآخرين والمجتمع ككل.
ولا يبعد الهدف النهائي للابتكار عن هذا المسعى كثيرًا؛ فكل الجهود الابتكارية تصب في النهاية في تعظيم القيمة السوقية للشركة، وما ينطوي عليه ذلك من زيادة ممارسة الأنشطة الاجتماعية والمبادرات الطوعية، وتعزيز سمعتها في السوق، وما إلى ذلك.
ومن ثم يبدو أن العلاقة بين المفهومين تم تأسيسها على أساس مبدأ تعظيم القيمة، وهي تلك الزاوية التي نظرنا من خلالها في «رواد الأعمال» إلى العلاقة بين المسؤولية الاجتماعية وتحفيز الابتكار من خلالها.
اقرأ أيضًا:
المسؤولية الاجتماعية في بيئة العمل
المسؤولية الاجتماعية والمجتمع.. أي دور في القرن الـ 21؟
المسؤولية الاجتماعية للشركات.. تطوع أم إلزام؟