هناك اتجاهان سائدان فيما يخص الدور الذي يجب أن تلعبه الشركات في محيطها الاجتماعي؛ فهناك من يرى أن هذه الشركات يجب أن تعمل على تحقيق الرفاه العام، والدفع بالتنمية في المجتمعات التي تعمل فيها قُدمًا، لاسيما وأن هذه المجتمعات وضعت ثرواتها ومقدراتها ومواردها في خدمة هذه الشركات والمؤسسات الصناعية والتجارية المختلفة، وهو الاتجاه الذي بات يُسمى، مؤخرًا، المسؤولية الاجتماعية للشركات.
وعلى الجانب الآخر، هناك من يذهب إلى أنه لا يجب على هذه الشركات إلا الربح، ولا يتعين عليها أن تضع نصب أعينها سوى مراكمة الأموال والثروات.
هيمنة الربح Profit- Maximizing والرأسمالية المتوحشة:
كانت الثورة الصناعية شاهدة على هيمنة مفهوم الربح على كل مناحي الأنشطة الاجتماعية والإنسانية المختلفة، فكان أسبوع العمل، وقتذاك، يصل إلى 100 ساعة، فضلاً عن أن أصحاب هذه الشركات والمؤسسات الصناعية المختلفة كانوا يؤمنون ويرددون دائمًا أن “ما هو مهم لشركتي مهم للمجتمع” أو “ما هو مهم لي مهم للجميع”.
بيد أن هذه الطريقة، والتي امتدت لأعوام طويلة، أدت إلى المزيد من الكوارث الإنسانية والمجتمعية، بل إنها أدت، في بعض الأحيان، إلى نشوب بعض الحروب في مناطق مختلفة من العالم.
غير أن اللافت في الأمر أن هذه الطريقة في التفكير، والرغبة الجارفة في تعظيم الربح ومراكمة الثروات، دفعت الكثير من الكتاب والمُنظّرين الاقتصاديين والمُفكرين العالميين إلى إعادة التفكير في الآثار المختلفة لهذه الرأسمالية المتوحشة، والتي نظّر لها طويلاً عالم الاقتصاد الراحل ميلتون فريدمان؛ خاصة في كتابة “الرأسمالية والحرية”.
حاصل القول: إن ما نتج عن الرأسمالية في صورتها العليا، والأكثر توحشًا، والاتجاه الأناني في تعظيم الثروات، كان مدعاة لإعادة النظر في الطريقة التي تعمل بها الشركات ذات نفسها، والطريقة التي تتعامل بها مع مجتمعاتها المحيطة بها، وهو الاتجاه الذي بات يُعرف مؤخرًا بـ المسؤولية الاجتماعية.
المسؤولية الاجتماعية.. الاتجاه المضاد:
لم يأت الإيمان بالمسؤولية الاجتماعية للشركات ودورها في المجتمعات التي تعمل فيها دفعة واحدة، بل كانت هناك الكثير من المبادرات والإرهاصات التي أمست الشرارة التي انطلقت منها الجذوة الأساسية للفكرة الأساسية لـ المسؤولية الاجتماعية للشركات.
فعلى سبيل المثال، كان الرأسمالي الخيّر روبرت أوين؛ أول من نادى، في مطلع القرن التاسع عشر، بضرورة الاهتمام بالآلة البشرية “الإنسان”، ومده بكل مقومات الحياة الإنسانية اللائقة، وتقليل ساعات العمل، وتقديم وجبات للعمال أثناء فترات الدوام وهكذا.
وقد يظن البعض أن هذه الطريقة أو هذه النظرة المتعلقة بدور الشركات في المجتمعات المحيطة بها، والعمل على تقديم أفضل سبل لراحة العمال، قد تؤثر في معدلات الإنتاجية سلبًا، سوى أن المؤكد عكس ذلك.
فقد أجرى ألتون مايو؛ عالم النفس والإدارة الراحل والمتخصص في البحوث الصناعية، في وقت مبكر من القرن العشرين، عدة دراسات حول مصانع هاوثورن في الولايات المتحدة الأمريكية، وتوصل، من خلالها، إلى أن منح العمال بعض الراحة على فترات متقطعة أثناء وقت العمل، وتغيير الإضاءة؛ لتكون أكثر راحة، أديا إلى تعظيم معدلات إنتاجهم.
جملة القول هنا: إنه من الواجب على الشركات أن تدرك أمرًا في غاية الأهمية مفاده: إن المجتمع إذا أيقن أنها (أي هذه الشركات) لا تعمل لصالحه، ولا لصالح تقدمه وتطوره، فإنه سيحاربها، وبالطبع هي لن تفلح في هذه الحرب، فقوامها أبناء هذا المجتمع.
وثمة أمر آخر؛ يمكن أن يتم تحقيق الربح وخدمة المجتمع في ذات الوقت، لكن شرط أن يتعامل أصحاب الشركات والمؤسسات الصناعية المختلفة بذهنية منفتحة، وأن يأخذوا كل الأمور بعين الاعتبار، وألا يكونوا حسيري النظر ضيقي الأفق.
اقرأ أيضًا:
الميزة التنافسية.. والمسؤولية الاجتماعية للشركات