لم تواجه الرأسمالية نقدًا (اقتصاديًا واجتماعيًا وأخلاقيًا حتى)، خلال العشرين سنة الأخيرة، أعنف من ذاك الذي وجهته لها الباحثة الكندية “Naomi Klein” في كتابها الصادر عام 2007، ذي العنوان الصادم واللافت: The Shock Doctrine أو “عقيدة الصدمة”، وتنصب مُحاجّة ” Klein” على الغياب التام لـ المسؤولية الاجتماعية للشركات .
بل ليس هذا فقط، وإنما _وهنا تظهر مُحاجّة “كلاين” واضحة جلية_ تصنع هذه المؤسسات الرأسمالية، خاصة تلك التي تتبع تعاليم عالم الاقتصاد الشهير ميلتون فريدمان؛ الأزمة؛ أملًا في استثمارها، أو _في أفضل الأحيان_ استثمار هذه الأزمات وتلك الكوارث.
كان من الممكن أن تتفادى المؤسسات الرأسمالية ذاك النقد اللاذع إن هي أدت دورها تجاه مجتمعها المحيط، أو فعّلت مبدأ المسؤولية الاجتماعية للشركات، لا أن تصنع كارثة هنا أو أزمة هناك؛ لكي تتدخل في وقت لاحق وتحاول البحث عن أفضل طريق، حتى وإن كان غير أخلاقي؛ من أجل الربح ومراكمة الثروة.
اقرأ أيضًا: نموذج العمل التجاري.. ثورة تطوير دائمة
الأزمة صارت مجانية
لكن الآن، وبعد مرور حوالي 13 عامًا على صدور الطبعة الأولى من كتاب “Naomi Klein” تغيرت الأمور وتبدلت الأحوال؛ إذ لم تعد رأسمالية “ميلتون فريدمان” وأشياعه بحاجة إلى صنع الأزمة لكي تستثمر فيها؛ فهي صارت بالمجان.
وخير دليل على عمومية الأزمة، وأن الجميع أمام الكارثة سواء، هو «فيروس كورونا المستجد»؛ فما من أحد الآن إلا ويطاله من الكارثة جانب؛ لذا فإن دور الرأسمالية وشتى المؤسسات الصناعية والتجارية المختلفة لا أن تصنع أزمات جديدة؛ فالأزمات تتكالب على الكوكب الفقير، وتأتيه من حيث لا يحتسب، وإنما أن تتفادى الأزمات الراهنة.
على الرأسمالية أن تفكر، الآن، في كل ما هو كوني، وأن تعتبر الأرض بيتًا مشتركًا لبني البشر، نتقاسم جميعًا أجزاءه، ولا بد من أن نركز جهودنا على خلاص الجنس البشري من أزماته ونكباته، وهل هناك تجلً لـ المسؤولية الاجتماعية للشركات أهم وأبلغ من هذا؟
اقرأ أيضًا: المشروع الناشئ.. تعريفه وخصائصه
سيرورات العولمة: آلية تصحيح المسار
يذهب إريك هوبزباوم؛ في كتابه “العولمة والديمقراطية والإرهاب”، إلى أن العولمة في نموذج رأسماليّة السّوق الحرّة، الّذي بات الآن طاغيًا جلبت زيادات رهيبة في التّفاوت الاقتصاديّ والاجتماعيّ، وهو ما قد يؤدّي إلى انفجار على الصّعيدين المحليّ والدّوليّ.
وعلى الرغم من هذا الوضع المأساوي الذت بات يعاني منه كوكب الأرض _يكفي أن نقول إن «فيروس كورونا المستجد» ليس إلا أحد تجليات عولمة كل شيء حتى المرض ذاته؛ إذ لو بات العالم عبارة عن جزر منعزلة لما كان الفيروس تعدى حدود الصين_ فإن عالم الاجتماع الراحل “زيجمونت باومان” ينصحنا بعدم الوقوف في وجه العولمة؛ فمضادّاتها والوقوف في وجه سيرورات تحقّقها غير مجديّة على الإطلاق، فالسّؤال، حسب “باومان” بطبيعة الحال، ليس عن كيفيّة إعادة نهر التّاريخ، ولكن عن كيفيّة الكفاح ضدّ تلوّثه بالبؤس الإنسانيّ، وكيفيّة توجيه تدفّقه؛ لكي يحقّق توزيعًا أكثر تساويًا لما يحمله من فوائد.
وعلى ذلك، فإن آلية تصحيح المسار التي نحاول الإشارة إليه في هذا الصدد تتمثل في استغلال الشركات والمؤسسات الرأسمالية الكبرى والصغرى _على حد سواء_ ما لديها من أدوات وإمكانيات للتخفيف من حدة الأزمات والكوارث التي تضرب كوكب الأرض من وقت لآخر.
ووفق آلية كهذه، سنحقق مكسبًا ثنائي الأبعاد؛ فلن نتخلى عن العولمة وما تنطوي عليه من مكاسب، وفي ذات الوقت، سنعمل على حماية كوكب الأرض والإنسان على حد سواء.
اقرأ أيضًا:
الاقتصاد الأخلاقي.. المسؤولية الاجتماعية كمخرج من أزمات الرأسمالية