إذا كانت المسؤولية الاجتماعية تعني، في أبسط تعريفاتها، خدمة المؤسسة للمجتمع الذي تعمل فيه، عبر الكثير من الأنشطة والمشروعات الخدمية التي من شأنها العمل على دفع عجلة التنمية بالمجتمع. باختصار هي وضع بعض موارد وأرباح الشركة في خدمة المجتمع، فهل هذا مفيد للشركة في ذات نفسها؟
يجيبنا عن هذا السؤال الكاتب الألماني أولريش شيفر؛ صاحب كتاب “انهيار الرأسمالية”، والذي قال فيه “إن مستقبل النظام الرأسمالي يتوقف على مدى التغير الذي سيطرأ على الأخلاقية السائدة في المجتمع، وعلى إدراك الجميع بأن مبدأ المسؤولية الاجتماعية لا يقل أهمية عن مبدأ السوق الحر، أما إذا تجاهل المجتمع هذه الحقيقة، فإن اقتصاد السوق مُعرّض للمصير نفسه الذي تعرضت له الاشتراكية: الانهيار والاختفاء من الوجود”.
وفي عام 1973، كتب هيرمان جوزيف آبس؛ رئيس دويتشه بنك، وقتذاك، قائلاً “إن الربح شرط ضروري لبقاء المشروع على قيد الحياة، وأن أهمية الربح بالنسبة للمشروع كأهمية الهواء الذي يستنشقه الإنسان، ولكن كما أن الإنسان لا يعيش من أجل استنشاق الهواء فقط، كذلك لا يعمل المشروع من أجل تحقيق الربح؛ فوظيفة المشروع تقديم خدمات للمجتمع، وخلق فرص عمل وليس تحقيق ارتفاع أسعار الأسهم”.
نخلص من هذا إلى أن قيام المؤسسة/ الشركة بلعب دور إيجابي في المجتمع والعمل على خدمة أفراده ضرورة من جهتين؛ أولاً: هي تضمن بذلك بقاءها؛ نظرًا لأنها بهذه الخدمات التي تقدمها للمجتمع تضمن ولاء أفراده، وثانيًا: أن هذه الطريقة (المسؤولية الاجتماعية) هي الوسيلة الوحيدة أمام هذه الشركات المختلفة؛ لتلافي الأخطاء الكارثية التي وقعت فيها الرأسمالية المتوحشة، واقتصاد السوق، ونظريات السوق الحر.
والتي كانت، أي هذه الأخطاء، أحد أبرز الأسباب التي أدت إلى ظهور ما سُمي بعد ذلك بـ “دولة الرفاه”، وهي نفسها الأخطاء والكوارث التي حتمت، فيما بعد، ظهور ما نسميه اليوم في عالم المال والأعمال بالمسؤولية الاجتماعية للشركات.
اقتصاد السوق الاجتماعي
يرتبط الاقتصاد بالمجتمع على نحو صميمي؛ فكلاهما يؤثر في الآخر ويتأثر به، بل قل، إن شئت، إن العلاقة بينهما جدلية؛ يقود كل منهما للآخر ويؤدي إليه. وليس بمستغرب، والحال كذلك، أن يعنون عالم الاجتماع الألماني الراحل ماكس ڨيبر؛ أحد أهم كتبه بـ “الاقتصاد والمجتمع”.
وبعيدًا عن هذا وذاك، فإنه من الممكن القول، باختصار غير مخلٍ، إن اقتصاد السوق الاجتماعي، ودولة الرفاهية، بل حتى كل الاتجاهات المختلفة للمسؤولية الاجتماعية للشركات كانت عبارة عن رد فعل على السوق المفتوح/ الحر، والاقتصاد الحر، والرأسمالية المتوحشة ورديفتها السياسية: النيوليبرالية.
إن هذه البدائل أو ردات الأفعال المختلفة جاءت من أجل محاولة إنقاذ ما يمكن إنقاذه، ومعالجة الأضرار الكارثية التي سببتها الرأسمالية المتوحشة على كل الأصعدة، خاصة الصعيد الاجتماعي.
فالمسؤولية الاجتماعية، باختلاف تنويعاتها وتفريعاتها، تندرج تحت اقتصاد السوق الاجتماعي؛ فكلاهما يسير في نفس الاتجاه، وهو محاولة إصلاح الخلل الحادث في توزيع الثروات، وتوفير سبل عيش كريم للجميع، على حد سواء.
دولة الرفاهية ومسؤولية الحكومات
لم يكن ظهور ما سُمي سابقًا بـ “دولة الرفاهية” ولا المناداة بوجود دور مجتمعي للشركات والمؤسسات الصناعية والتجارية بديلاً عن الحكومات، بل إن هذه الاتجاهات الحديثة جاءت لتُكمل ما أخفقت فيه النظم السياسية التي آمنت، على الصعيد الاقتصادي، بمبدأ الربح وحده دون سواه وميكانيزمات السوق الحر.
باختصار، تطالب هذه الاتجاهات الاجتماعية الحديثة، سواء كانت المسؤولية الاجتماعية أو دولة الرفاهية أو غيرها من النظريات الاجتماعية والاقتصادية المختلفة، بأن تصلح المؤسسات الرأسمالية المختلفة ما أفسدته على الصعيد الاجتماعي وليس أكثر.
اقرأ أيضًا:
أخلاقيات المنافسة.. حرب بلا سلاح!