القيادة المستندة إلى عدم التدخل، أو ما يُعرف أيضًا بـ “القيادة التفويضية”. هي أسلوب قيادي يركز على منح أعضاء الفريق قدرًا كبيرًا من الاستقلالية في اتخاذ القرارات وتنفيذ المهام. وفي هذا الأسلوب يؤدي القائد دور المرشد والداعم بدلًا من المدير المباشر.
هل تعتقد أن لكل عضو في الفريق نقاط قوة فريدة يمكنها أن تحفز الابتكار وتحَلّ التحديات المعقدة؟ إذا كانت إجابتك نعم فقد ترغب في استكشاف أسلوب القيادة المستندة إلى عدم التدخل (laissez-faire).
لذا نستعرض في “رواد الأعمال” مفهوم تلك القيادة والذي يرتكز على ثقافة عدم التدخل. وذلك وفقًا لدراسة “أفضل 6 حالات استخدام للقيادة المتساهلة” المنشورة على مدونة IMD العالمية.
كما نرشدك إلى الجوانب الأساسية لهذا النوع من القيادة المستندة. ونسلط الضوء على السيناريوهات التي تبرز فيها؛ ما يساعدك في تحديد ما إذا كانت مفيدة لأهدافك أم لا.
كما نتعرف على جذورها وخصائصها. ثم نغوص في مزايا هذه القيادة ومخاطرها المحتملة. ونستكشف أمثلة واقعية والصناعات التي تستفيد منها. ونتيح لك تقييم ما إذا كان هذا الأسلوب القيادي مناسبًا لك من عدمه.
تعريف القيادة المستندة إلى عدم التدخل
تعد القيادة المستندة إلى عدم التدخل نوعًا من أسلوب القيادة الذي يركز على التفويض والإشراف الأدنى. تُترجم عبارة “laissez-faire” من الفرنسية إلى “اتركهم يفعلون”.
وذلك يؤكد هذه الفلسفة الأساسية في بيئة القيادة. كما يتمتع أعضاء الفريق بمستوى عالٍ من الاستقلالية ويكونون غالبًا صناع القرار الأساسيين. وبدلًا من توجيه كل عمل يتراجع القائد إلى الخلف، ويتدخل فقط عند الضرورة.
ولكن على الرغم من أن القائد يتبع نهجًا غير متدخل، فإن دوره ليس سلبيًا تمامًا. فهو لا يزال يقدم التوجيه والدعم. وذلك مما يخلق نظامًا بيئيًا متوازنًا حيث يشعر أعضاء المجموعة بالتمكين لاتخاذ قراراتهم الخاصة، مع وجود شبكة أمان عندما يحتاجون إليها.
الأصول وأساليب القيادة البديلة
كما أنه غالبًا ما يُشار إلى القيادة المستندة إلى عدم التدخل باسم “القيادة التفويضية”. وهي متجذرة في تصنيف ليوين الأساسي لأسلوب القيادة الذي تم تطويره في عام 1939.
كما يميز هذا الأسلوب بنهجه غير المتدخل؛ حيث يركز على تفويض صنع القرار لأعضاء الفريق؛ ما يمنحهم استقلالية متزايدة. ومع ذلك يحتفظ القادة بالمسؤولية العامة والمحاسبة.
أنواع أخرى من القيادة
على عكس الأسلوب المستند إلى عدم التدخل هناك:
• القيادة الاستبدادية (أو السلطوية): يركز هذا الأسلوب على المركزية في صنع القرار. وذلك يمنح أعضاء الفريق مدخلات ضئيلة. كما أنه في القيادة الاستبدادية. يمارس القائد سيطرة صارمة، ويتولى توجيه كل جانب من العملية.
• القيادة التشاركية (الديمقراطية): هي نهج تعاوني حيث يشارك القادة أعضاء الفريق بنشاط في عملية صنع القرار. كما يقدّر هذا الأسلوب مدخلات أعضاء الفريق؛ ما يعزز الشعور بالملكية الجماعية للقرارات.
وبينما يتميز كل أسلوب بنهجه الفريد في صنع القرار ومشاركة أعضاء الفريق. فإن فهم الاختلافات بينها يمكن أن يساعد القادة في اختيار الطريقة الأكثر فعالية لسياقهم المحدد.
مزايا ومساوئ القيادة المستندة إلى عدم التدخل
إذا كنت تفكر في أسلوب القيادة المستند إلى عدم التدخل لمنظمتك، فخذ في الاعتبار الجانب الإيجابي والسلبي لهذا الطريق. لذا نقدم تفصيل كليهما لك:
الإيجابيات:
• النمو الشخصي في الشركات الناشئة: تعد بيئات الشركات الناشئة أرضًا خصبة للنمو الشخصي. وذلك من خلال تجنب التدخل المفرط. كما يسمح النهج المستند إلى عدم التدخل لأعضاء الفريق بالازدهار والتحول إلى قادة فعالين.
ويعد هذا التطوير القيادي أمرًا بالغ الأهمية لفريق يحتاج إلى الاستجابة بمرونة للتحديات واتخاذ قرارات سريعة.
• الابتكار في صناعات التكنولوجيا: كما تستفيد صناعات التكنولوجيا، التي غالبًا ما تتجنب أنماط الإدارة التقليدية. من مزايا القيادة المستندة إلى عدم التدخل. وذلك من خلال الابتعاد عن التدخل المفرط. كما يسمح القادة بالإبداع؛ ما يفتح الأبواب للحلول الرائدة.
• الإنتاجية في القطاعات السريعة الخطى: في الصناعات التي تتطلب اتخاذ قرارات أسرع، مثل التجارة الإلكترونية. لا مثيل للقيادة المستندة إلى عدم التدخل. إذ تعني الحواجز الإدارية الأقل أنه يمكن للأفراد الانتقال من القرار إلى التنفيذ بوتيرة نادرًا ما نراها في الهياكل الهرمية الأكثر صرامة.
السلبيات:
-توجيه أقل في المشروعات الجديدة:
احتمال وجود نقص في التوجيه، خاصة بالنسبة للأفراد الجدد في الفريق. كما قد يجد أعضاء الفريق، خاصة الأقل خبرة منهم، أنفسهم يبحثون عن مزيد من التوجيه.
– التدخل الخارجي في الشركات الكبيرة:
إذا كنت تفكر في تبني نهج مستند إلى عدم التدخل في شركة كبيرة فكن حذرًا. قد لا يتشارك القادة الأعلى أو أصحاب المصلحة في كراهيتك للتدخل المفرط. ما يؤدي إلى تعارض مع أسلوبك المستند إلى عدم التدخل ويقيد الاستقلالية التي تسعى إلى تعزيزها.
– ضرورة الملاحظات في صناعات الخدمات:
في حين أن الأسلوب المستند إلى عدم التدخل يوفر العديد من الحريات. فإن القطاعات مثل الرعاية الصحية لا تزال تتطلب لمسة عملية عندما يتعلق الأمر بالملاحظات. كما تضمن الملاحظات المنتظمة والقابلة للتنفيذ أن تحافظ الفرق على معايير خدمة عالية وتستمر في النمو كقادة فعالين.
والنهج المتوازن الذي يجمع بين عناصر من مختلف أنماط القيادة يمكن أن يساعدك في التخفيف من التحديات دون فقدان المزايا الفريدة.
أمثلة للقيادة المستندة إلى عدم التدخل
عندما يتعلق الأمر بفهم هذا النوع من القيادة في سياق واقعي. تبرز بعض الشخصيات الرئيسية. ومن الأعمال التجارية إلى السياسة نستكشف كيف تم تنفيذ هذا الأسلوب القيادي من قبل قادة ناجحين في القيادة المستندة إلى عدم التدخل.
1. وارن بافيت
يُعرف وارن بافيت بأنه أحد القادة الأكثر نجاحًا في القيادة المستندة إلى عدم التدخل لإدارة شركات مختلفة تحت شركة بيركشاير هاثاواي. كما يضع ثقة كبيرة في مدرائه ويمنحهم حرية واسعة في إدارة عملياتهم.
أثبت هذا النهج نجاحًا ملحوظًا. ما سمح لشركات ناجحة بالتوحد تحت مظلة واحدة. كما يعد أسلوبه مثالًا ممتازًا على كيف تؤدي القيادة المستندة إلى عدم التدخل لنجاح ساحق.
2. ستيف جوبز
كان ستيف جوبز قائدًا تحوليًا اتبع نهجًا معقدًا للقيادة. بينما كان يمنح الاستقلالية في تطوير منتجات شركة أبل. ما يسمح للأفراد بالابتكار، كان معروفًا أيضًا بأنه متدخل للغاية، وفي بعض الأحيان، متعصب للتفاصيل.
كما أدى هذا المزيج من الأنماط إلى بعض الصراعات الداخلية وتأخيرات المشاريع. ومع ذلك كان نهجه الفريد في القيادة حاسمًا في ترسيخ مكانة أبل كقوة رائدة في الابتكار.
3. هيربرت هوفر.. قصة تحذيرية
غالبًا ما يُشار إلى هيربرت هوفر كنموذج تحذيري عند مناقشة المزالق المحتملة للنهج الحرّ في القيادة. وذلك خلال فترة رئاسته، خاصة في بداية الكساد الكبير. كما أدى تردد هوفر في التدخل بالاقتصاد واعتماده على هذه الطريقة غير التدخلية إلى عواقب وخيمة.
ويجادل العديد من النقاد بأن سياساته لم تنجح فقط في تخفيف الأزمة الاقتصادية. بل عمقتها أيضًا. وهذا يوضح أنه بينما يمكن أن يصبح الأسلوب الحرّ مفيدًا في بعض السيناريوهات. إلا أنه قد يكون ضارًا في البعض الآخر، خاصة عندما يكون التدخل المباشر والتوجيه أمرًا حاسمًا.
3 صناعات ملائمة للقيادة الحرّة
يمكن أن تختلف فعالية القيادة الحرّة اختلافًا كبيرًا حسب الصناعة. ولكن هناك بعض المجالات التي يمكن أن يعمل فيها هذا النهج غير التدخلي بشكل رائع.
1. الرعاية الصحية
في قطاع الرعاية الصحية غالبًا ما تتجاوز خبرة المهنيين الطبيين خبرة المديرين التقليديين. خاصة عندما يتعلق الأمر باتخاذ القرارات الفورية المتخصصة.
كما يمنح أسلوب القيادة الحرّ الممرضات والأطباء وغيرهم من المهنيين الصحيين الاستقلالية التي يحتاجونه. وذلك يسمح لهم بتسخير معرفتهم المتخصصة العميقة لتوفير رعاية مثالية للمرضى.
2. الشركات الناشئة
وتعمل الشركات الناشئة، بطبيعتها، في بيئة متقلبة؛ حيث تعد التحولات السريعة والتكيف أمرًا حاسمًا. كما يسمح النهج الحرّ لأعضاء الفريق بالمخاطرة. واختبار استراتيجيات جديدة، والتكرار السريع دون قيود العقبات البيروقراطية.
في حين تُحفز هذه الحرية الابتكار. وهو أمر حيوي للشركات الناشئة التي تسعى إلى الاستحواذ على حصة السوق بسرعة وتمييز نفسها عن المنافسين.
3. الموارد البشرية
وفي مجال الموارد البشرية. يعتمد نجاح الفريق غالبًا على رضا الموظف الفردي، والدافع، والشعور بالانتماء. كما يشجع الأسلوب الحرّ مديري الموارد البشرية على الوثوق بفرقهم لاتخاذ قرارات بشأن التوظيف والتدريب وحل النزاعات.
كما تحفز هذه الثقة ثقافة يشعر فيها الموظفون بالقيمة والفهم. ما يعزز الاحتفاظ بالموظفين ورضا الوظيفة. ومع ذلك فإن إجراءات المراجعة الدورية والتواصل الشفاف أمر حيوي لضمان توافق استراتيجيات الموارد البشرية. وذلك مع الأهداف العامة للشركة، وأن يتلقى الموظفون الحوافز والدعم الذي يحتاجونه للنجاح.
هل يناسبك أسلوب القيادة الحر؟
يتطلب جوهر القيادة الحرّة، مع نقاط قوتها وتحدياتها الفريدة، مراعاة دقيقة. من فهم مزاياها وقيودها إلى تقييم قابليتها للتطبيق في قطاعات متنوعة، ومن المهم أن تدرك إذا كان هذا الأسلوب يتماشى مع أهداف مؤسستك وطموحاتك القيادية الشخصية أم لا.