يتطلب القائد الإداري في أي عمل، مهارات أساسية مكتسبة، وصفات شخصية لا ضرورية لأداء مهامه الوظيفية بنجاح، في مقدمتها “الفراسة” التي تجمع بين الدقة وعمق النظر والتأمل والتبين والتثبت والفطنة والانتقال من ظاهر الأمر إلى باطنه.
والفراسة علم هام أشار إليه القرآن الكريم، في قوله تعالى: “إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّلْمُتَوَسِّمِينَ” (الحجر/75)، ورسم معالمه الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، حين قال: “اتقوا فراسةَ المؤمن؛ فإنَّه يرى بنور الله” وأوضحها العلماء بأنها نور يقذفه الله تعالى في قلب من يشاء من المؤمنين؛ فيفرق به بين الحق والباطل، والصدق والكذب، والسمين والغث، ويكتشف به محاولات الالتواء والبتر والتخفي والخداع والتغييب والتعتيم.
تطبيقات وظيفية
ولعلم الفراسة تطبيقات وظيفية متعددة، واستخدامات عملية مختلفة، سواء على مستوى الحياة الشخصية أو العملية، فالمرء يحتاج أثناء معاملاته المختلفة مع أهله وأصدقائه وجيرانه إلى ما يرشده إلى الحق في القول والفعل، وما يعينه على الاختيار والمفاضلة بين الأعمال، وما يوفقه إلى حسن الاختيار في إدارة شؤونه، بما يوفر له أقصى ظروف النجاح والإبداع.
وينصرف أثر الفراسة إلى المجال التعليمي، ولكل من يعمل بمجال تربية النفس وإصلاحها من آباء وأمهات ومعلمين ودعاة ومشرفين؛ وذلك لمعرفة الواقع التربوي للأفراد، وتحديد احتياجاتهم، وتحديد أنسب الوسائل التربوية اللازمة لهم، والقدرة على رصد مختلف الظواهر التربوية.
ويحتاج القادة الإداريون عند توظيف الأكفاء، إلى الفراسة لاختيار الأنسب لكل مكان وزمان وفق مؤهلاته، فالإداري الناجح، والقائد المبدع ينجزان الأعمال بشكل صحيح؛ وعليه فإن القيادة الناجحة هي نتاج جهد إبداعي يصنعه قادة مبدعون.
السلوك الإبداعي
ويكمن جوهر القيادة في السلوك الإبداعي في القيادة؛ حتى تحقيق النجاح والتميز، في وسط تنافسي، فقد أوجدت التغييرات الحديثة في عناصر البيئة التنافسية- التي تواجهها المؤسسات- الحاجة إلى الإبداع؛ إذ يدرك القائد المبدع أن هناك تفاوتًا بين أداء المؤسسة الفعلي وبين الأداء المطلوب.
مبادئ تحقيق الإبداع
ويحدد الخبراء ومديرو الشركات عدة مبادئ؛ لتحقيق الإبداع؛ منها ما يلي:
* إفساح المجال أمام كافة الأفكار التي تتعلق بالعمل.
* الاعتناء بالأفراد – الذين هم مصدر قوة المؤسسة- وتنميتهم ورعايتهم.
* تشجيع الأفراد بالمكافآت على أساس الجدارة والكفاءة واللياقة، واحترامهم وإشراكهم في مناقشة القرارات.
* تخفيف حدة الإجراءات الروتينية، واتباع النظام اللامركزي في التعامل.
* تحويل مناخ العمل إلى بيئة ممتعة، وتحويل النشاط إلى مسؤولية، والمسؤولية إلى طموح.
* التجديد المستمر للنفس والفكر، وترسيخ شعور الفرد بأنه يتكامل في عمله ويبني نفسه وشخصيته.
ولا يخفى على أصحاب الفراسة من الإداريين أن الميل لدى أصحاب القرار يكون إلى إبقاء الوضع على ما هو عليه؛ كون بعضهم يشعر بالراحة أكثر مع الأعمال الروتينية، وكون التغيير يتطلب همة عالية؛ إذ يبرز التخوف من كل جديد؛ لأنه قد يكون مجهول المصدر والمصير.
والابتكار بطبيعته حذر ويتطلب شجاعة ومجازفة؛ لذا على الإداري الناجح ذي الفراسة، أن يرسخ الاعتقاد لدى الأفراد بأن أعمالهم الإبداعيةـ ستعود بمنافع أكثر عليهم وعلى المنظمة، وستجعلهم محط الرعاية والاحترام.
اقرأ أيضًا:
استراتيجيات الخروج من الأزمات.. كيف تتخطى الكارثة؟
رسول الله مؤسس الإدارة الحديثة