الخوف من المستقبل، على عكس ما يراه كثير من المحللين والخبراء، مفيد، بل إن نفعه متعدٍ كذلك، وسوف نبسط ححجتنا على ذلك، فأولًا: الخائفون من المستقبل أكثر الناس استعدادًا له، بل يمكن الدفع بالاستخلاص الذاهب إلى أن الخائفين من المستقبل أكثر الناس قدرة كذلك على التأقلم مع نوائب الدهر وصروف الزمان.
علاوة على أن الخوف من المستقبل يكسب صاحبه حدسًا قويًا واستبصارًا شديدًا بما ستؤول إليه الأمور، وقال باولو سورنتينو في رائعته «كلهم على الحق»:
«وهكذا أكتشف أن المتشائمين على حق دائمًا في هذه الحياة».
فحساب اللامتوقع، وتوقع أسوأ الحالات، يعفيك، أولًا، من عنصر الدهشة والمفاجأة حال وقوعه، وعندئذ ستتعامل مع الأمور تعاملًا عقلانيًا حكيمًا بعيدًا عن تخبط الدهشة وهول المفاجأة.
ثم، وهذا أمر مهم، يساعدك الخوف من المستقبل في الانتقال إلى الخطوة التالية حال وقوع أمر لا تخشاه أو ترغبه. لا تتصور أننا ندعو إلى التشاؤم واليأس ولكننا على العكس من ذلك ننادي بأن تكون متأهبًا طوال الوقت، وإن كان لدى آرثر شوبنهاور رأي آخر في موضوع اليأس ذلك، وترافع بما يكفي في «تهمة اليأس» عن اليأس بما هو منهج في الحياة وترافع عن نفسه أيضًا نظرًا لكونه مشهورًا بأشد الفلاسفة يأسًا في التاريخ.
فالحياة، على أي حال، حالة حرب بيننا وبين ذاك الذي لم يأت بعد، وبما أن المستقبل خاف علينا ومجهول فحقيق بنا أن نتأهب له، وألا ندع حيواتنا رهنًا بنوائب الدهر وصروف الزمان كريشة في مهب الريح.
اقرأ أيضًا: كيف تُصقِل مسارك الوظيفي في ظل التحول الرقمي؟
الخوف من المستقبل
ولكن إذا كنت تريد أن تتبع نصيحة ديونيزيوس وأن «تتملك ألق الموت المحتوم»، أن تعيش في الراهن، فلا تتعلق بما فات ولا تخشَ ما هو آت وإنما تحيا في الحاضر فسيطرح عليك «رواد الأعمال» بعض الخطوات التي تساعدك في التغلب على الخوف من المستقبل وذلك على النحو التالي..
-
التحيز المتأخر
أحد الأمور التي تحول بينك وبين التغلب على الخوف من المستقبل هو تلك الظاهرة التي تسمى «التحيز المتأخر»، وهي ظاهرة تدفعنا إلى مقارنة الحاضر بالماضي؛ أي قياس الحاضر على الماضي.
وعلى الرغم من أن الماضي قد يتوفر على بعض النجاحات إلا أن هذا القياس لن يكون مناسبًا لاسيما أن ظروف الراهن تختلف عن الماضي، على الرغم من أن خبرات الماضي قد تكون مفيدة في التعامل مع الحاضر.
اقرأ أيضًا: هل أنا على حق؟.. تقييم دائم للذات
-
قد لا يحدث الأسوأ
صحيح أنه من المهم أن تتخيل الأسوأ؛ أي أن تتوقع أسوأ الحالات، لا لكي تعيش حالة من الغم والاكتئاب والإحباط، وإنما لكي تستعد لها، وأن تتعاطى معها على النحو الأمثل.
ولكن هذا لا يمنع أن تتوقع الأفضل، بل إن الطريقة المثلى هنا أن تتوقع الأسوأ وتستعد له، بهذه الطريقة سوف تتمكن من التغلب على الخوف من المستقبل بشكل عملي، ليس هذا فقط وإنما ستتمكن أيضًا من العيش في الحاضر.
اقرأ أيضًا: الهواتف الذكية.. اضطرابات نفسية تهدد نشاطك
-
الانفتاح على اللايقين
انعدام اليقين أمر غير مريح على أي حال، لكن من الممكن أن تنظر للأمور من زاوية أخرى، فإذا كان انعدام اليقين فيما سيكون عليه الحال في المستقبل فلمَ لا تعتبر ذلك دافعًا للمغامرة، وإضفاء نوع من الجدة والدهشة على حياتك؟!
صحيح أن الخوف من المستقبل يستحوذ علينا جميعًا لكن من المهم أن نعرف كيف ندير الأمر ونتعامل معه على النحو الأمثل الذي يعيننا على التعامل مع هذا المستقبل المجهول بطريقة أكثر حكمة.
اقرأ أيضًا: كيف تدير المحادثات الصعبة؟
-
الثقة في الذات والقدرة على التحكم
من المهم أن تدرك _في سبيل رغبتك في التغلب على الخوف من المستقبل_ أنك قادر على التعامل مع كل سيعرض عليك من ظروف وأحداث، والأهم أن تثق في قدرتك على مواجهة هذه الأمور والتغلب عليها.
فرغم أن اللايقين أزمة فإن التغلب عليه مهارة، ويتطلب قدرة من نوع ما وتدريبًا أيضًا، لكنك في النهاية ستتمكن من مجابهة ذاك الخوف من المستقبل، وستحيا الحاضر في كل كيانك.
اقرأ أيضًا:
محاربة الشعور بالفشل.. الإدراك الموضوعي للذات
5 دروس حياتية تعلّمها قبل فوات الأوان
الشخصية القوية.. ما هي صفاتها؟