ليس مهمًا أن تعمل بحماس، وإنما الأهم أن تعرف كيفية الحفاظ على الشغف، كما أن العبرة ليست في البدء أو إطلاق الشرارة، بل في إبقاء الجذوة مشتعلة، وهي مهمة جِد عسيرة؛ ففي منتصف الطريق _سواءً كان ذلك في علاقة إنسانية (أيًا كان توصيفها) أو في العمل أو حتى ممارسة هواية من الهوايات_ نسقط جميعًا أو على الأقل الجزء الأكبر منا فريسة ضجر لا يرحم؛ والضجر عدو الشغف اللدود.
والنفس كذلك عدو ما ألفت، فإذا كنتُ آتيًا إلى العمل كل صباح لأنفّذ ذات المهام فمن المرجح أن أسقط أنا أو أنت فريسة لهذا الملل، الذي يمكن أن نسميه «ملل الشيء نفسه»، وتلك معضلة كبرى؛ فأغلب الناس لا يخشون البدء أو يتنكبون عنه، وإنما لا يستطيعون الإكمال، لا يقوون على السير حتى النهاية. البدايات دومًا مهمة، سوى أن المُعَول على النهايات حصرًا.
طرق الحفاظ على الشغف
ولكي تدرك أهمية الحفاظ على الشغف إليك تلك الدراسة التي أجرتها مؤسسة “جالوب”، والتي أفصحت عن أن 13% من الموظفين فقط في 142 دولة متحمسون لعملهم، أما الباقون فقد علقوا في فخ الملل وفقدان الشغف بما يفعلون. ما الحل إذًا لمشكلة يبدو أنها إحدى أبرز سمات عصرنا الراهن؟ فلو أننا رمنا تحديد الصفات التي تميز هذا العصر لقلنا إنها السرعة والملل.
ومن ثم ليس بغريب أن تكون قضايا مثل السأم والملل تتواتر في كتابات الشعراء المحدثين والروائيين والأدباء، لكن ما الحل أيضًا؟ إن تشخيص القضية لا يعفينا من تقديم العلاج، وها نحن ذا في «رواد الأعمال» سنخطو خطوة إلى الأمام في محاولة تبيان بعض طرق الحفاظ على الشغف، وذلك على النحو التالي:
اقرأ أيضًا: جذوة الشغف.. 7 طرق لإبقائها مُتقدة
-
فكّر في الأثر
لا تبقيك الأهداف طويلة الأمد على المسار الصحيح، ولا تضمن لك ذلك، هي فقط ترسم لك الطريق الذي يجب عليك انتهاجه، لكنها لا تضمن استمرار السير، أما الأثر (أثر ما تفعل) قد يشحذ همتك، ويعينك في الحفاظ على الشغف.
فإذا فكرت في الأثر الإيجابي الذي يحدثه عملك في محيطك الصغير أو حتى في المجتمع ككل فقد يكون ذلك دافعًا لك لبذل مزيد من الجهد، كما أنك، بهذه الطريقة، ستضمن ربط عملك بشيء/ قيمة أعلى منه. فأنت الآن _بعد تفكيرك في الأثر الإيجابي ذاك_ لا تعمل من أجل العمل، وإنما من أجل غاية أكبر وأرفع شأنًا، أنت تعمل من أجل إصلاح العالم أو تغييره، وأنعم بها من غاية.
اقرأ أيضًا: الفرق بين التملق والاحترام
-
غامر ولا تخشَ المخاطر
نحن ندرك أن نصيحة كهذه ليست سهلة بحال من الأحوال، فالناس دومًا أوفياء لما ألفوه واعتادوا عليه، كما أن المغامرة ليست مضمونة العواقب دومًا، لكن إذا أردت حقًا أن تحيا حياة غير تقليدية، ملؤها الشغف والأشياء الجديدة فما عليك سوى أن تغامر وأن تفعل ما يتخلف الآخرون عن فعله.
ستضمن بهذه الطريقة _شرط أن تخاطر مخاطرات محسوبة_ أمرين: الأول أنك ستكون شغوفًا، وتطلع كل يوم على خبرات ومهارات ومعارف جديدة، كما أنك، وهذا هو الأمر الثاني، ستكون مؤهلًا للحصول على الفرص التي ارعوى الآخرون حتى عن إدراكها.
ففي النهاية:
«يفوز باللذة كل مغامر … ويموت بالحسرة كل من يخشى العواقب».
بل إنه يمكننا ومن زاوية ما أن نقول مع الأديبة الأمريكية هيلين كيلر: إن «حياتك مغامرة كبيرة أو لا شيء».
اقرأ أيضًا: مفاتيح السعادة العملية.. تخلص من الفوضى
-
أحط نفسك بالمتحمسين
هل تريد أن تكون متحمسًا وتعرف كيفية الحفاظ على الشغف؟ حسنًا لا عليك سوى مصاحبة الإيجابيين ومخالطتهم، فكل الأمور _الإيجابي منها والسلبي على حد سواء_ مُعدية، والمرء دائمًا ابن بيئته ومحيطه، وتلك قضية يدركها علماء الاجتماع عن ظهر قلب.
ومن ثم عليك، إذا كنت تحاول الحفاظ على الشغف، أن تفر من المحبطين والخاملين فرارك من الأسد، وأن تضع حدودًا بينك وبينهم، وأن تلجأ، على الناحية الأخرى، إلى الأشخاص المتحمسين الذين يحدوهم الشغف والطموح لركوب الصعاب وبذل المجهود الشاق؛ من أجل الوصول إلى أهدافهم وتلبية طموحاتهم.
وإذا كنت محظوظًا حقًا فستدرك أن العمل الجاد والمضني هدف في حد ذاته، بل، في أحيان كثيرة، سيكون مجرد هذا العمل حافزًا ذاتيًا لك.
اقرأ أيضًا: صفات الموظف المتنمر.. كيف تتجنبه في العمل؟
-
تعلّم ولا تكن مثاليًا
يأتي الشغف، أحيانًا، في مرحلة لاحقة، ففي البداية كل ما عليك فعله هو العمل الجاد وبنزاهة، دون تسويف أو خديعة، ابذل قصارى جهدك ولا تنتظر مجيء الشغف، سيأتي في مرحلة لاحقة.
والأهم: لا تتعامل مع العمل بصفتك خبيرًا، بل كن منفتحًا على وجهات النظر الأخرى، خاصة تلك التي تنتقد أداءك، وتعلم منها. لا تكن مثاليًا، ولا تتصور أن ذلك هو الصواب، تسامح مع الأخطاء، أخطائك الشخصية، واتخذها فرصة لتحسين أدائك، هكذا يمكنك الحفاظ على الشغف والتعلم الدائم.
اقرأ أيضًا:
فخ الكمال.. لماذا لا يجب أن تكون مثاليًا؟
مخاطر ممارسة اليقظة الذهنية في العمل
أهمية التنوع الثقافي والاستفادة منه