بالنظر إلى التحديات التي تجتاح كوكب الأرض المنهك (من حيث الأصل) ذا الموارد المحدودة، وما يعانيه هذا الكوكب من كوارث؛ لعل أبرزها النقص الحاد في الموارد الطبيعية، نتأكد من أن موضوع التنمية الاقتصادية المستدامة موضوع جوهري، وهو كذلك بالفعل.
فالسعي إلى التنمية الاقتصادية المستدامة هو سعي إلى إنقاذ الكوكب، أو بالأحرى إلى إنقاذ ما يمكن إنقاذه، ولعل ما يميز هذا النوع من التنمية أنها تأخذ في اعتبارها الجوانب الاقتصادية والبيئية على حد سواء؛ أي أنها لا تُغلّب إحداها على الأخرى بل تعمل على إحداث نفع في الناحيتين، والعمل على الاستدامة بشكل عام.
ومن نافل القول إن التطرق إلى التنمية الاقتصادية المستدامة أتى بعد الممارسات الاقتصادية الخاطئة التي تسببت في إنهاك الكوكب، واستنزاف موارده، والسطو على حقوق الأجيال القادمة في هذه الموارد التي يجري السطو عليها وإتلافها يومًا بعد آخر.
اقرأ أيضًا: 7 مبادئ للمسؤولية الاجتماعية
نمو مسؤول أخلاقيًا
والسعي إلى النمو الاقتصادي المستدام ليس دليلًا على الرغبة في حماية موارد الكوكب والحفاظ عليها فحسب، وإنما هو، في الوقت ذاته، دليل على المسؤولية الاجتماعية والأخلاقية تجاه الأجيال القادمة؛ فليس معنى وجودي قبل هذه الأجيال أن لي الحق في السطو على حقها ونصيبها من موارد وخيرات كوكب الأرض، التي هي ملك للجميع.
ولعل هذا هو فحوى تعريف التنمية الاقتصادية المستدامة، والتي هي عبارة عن ذاك النوع من التنمية الذي يعمل على تلبية احتياجات البشر ولكن بطريقة تحافظ على الموارد الطبيعية والبيئية للأجيال القادمة.
وتشير هذه النظرة إلى أن الاستدامة الاقتصادية والبيئية، على حد سواء، هي دليل على تلك النظرة الكلية للكون، وإلى اعتبار الجميع شركاء في هذا البيت (كوكب الأرض) ومسؤولين عن صيانته والحفاظ على موارده، وإلا ستكون العواقب وخيمة.
اقرأ أيضًا: علي الغدير: المملكة ساندت المنشآت الصغيرة والمتوسطة منذ بداية الجائحة
الاقتصاد والبيئة
عند الحديث عن النمو الاقتصادي المستدام لا يمكن فصل الاقتصاد عن البيئة بحال من الأحوال؛ فهدف هذا الاقتصاد هو الحفاظ على النظام البيئي وحمايته من أي تعدٍ أو أي ممارسات خاطئة، كما يوفر النظام البيئي عوامل الإنتاج التي تغذي النمو الاقتصادي: الأرض والموارد الطبيعية والعمالة ورأس المال (التي يتم إنشاؤها بواسطة العمالة والموارد الطبيعية).
يدير النمو الاقتصادي المستدام هذه الموارد بطريقة لن يتم استنفادها وستبقى متاحة للأجيال القادمة، وهنا تكمن ميزته وفضيلته، حتى إنه من الممكن القول إن التنمية الاقتصادية المستدامة، من حيث الجوهر، ما هي إلا إدارة حكيمة لمجموعة الموارد المتاحة والتي هي قليلة وآخذة في التآكل من الأساس.
اقرأ أيضًا: العدالة الاجتماعية للشركات.. تطور جديد ومنظور متصاعد
فلسفة الحل الوسط
إن التنمية المستدامة، حين نمعن النظر في جوهرها وفحواها، ما هي إلا تكريس لفلسفة الحل الوسط، فهي لا تعارض مراكمة الربح، والسعي إليه، كيف لها أن تفعل ذلك أصلًا طالما كان الاقتصاد مكونًا أساسيًا من مكونات الحياة؟! وإنما هي، وبشكل موازٍ، تنادي بأخذ الاعتبارات البيئية والاجتماعية في الاعتبار.
أي أن المسألة، ببساطة، لا تعدو كونها دمج المعطيات والمفاهيم البيئية والاجتماعية في قلب البنية الاقتصادية؛ فمن خلال ذلك لن نتمكن من تحقيق الربح ومراكمة الثروة فحسب، وإنما سنضمن، في الوقت ذاته، الحفاظ على الموارد أيضًا، وهو ما يعني استدامة حصولنا على الربح والثروات، فهل من سبيل آخر للحصول على المال سوى هذه الموارد في صورتها الخام؟!
اقرأ أيضًا:
الاستدامة المؤسسية.. أهميتها وأبعادها
المسؤولية الاجتماعية وقت الأزمات.. أدوار وفرص
الاستثمار الاجتماعي المسؤول.. الربح والأثر