باتت فروع البنوك، في زمننا الحالي، أشبه بمشاهد من أفلام الماضي، بينما تملأ تطبيقات الخدمات المالية شاشات هواتفنا المحمولة، وهذا التحول الجذري يُشكل علامة بارزة على فجر حقبة جديدة في عالم المدفوعات، مدعومة بقوة هائلة تُعرف باسم “التكنولوجيا المالية”.
مع كل نقرة على شاشة هاتفنا، نفتح أبوابًا لعالم من الخدمات المالية التي تُقدم لنا تجربة سلسة وفعالة، تتحدى الطرق التقليدية للتعامل مع الأموال، ولعل هذا التطور السريع يمثل ثورة حقيقية في عالم المال، تشبه إلى حد كبير الثورة التي أحدثتها الثورة الصناعية في مجالات أخرى من حياتنا.
فمن خلال التكنولوجيا المالية، أصبح بإمكاننا تحويل الأموال، وإدارة حساباتنا، والاستثمار، والتسوق، وغيرها الكثير من المعاملات المالية، كل ذلك بلمسة زر واحدة، وبفضل هذه التطورات المتلاحقة، أصبح عالم المال في متناول الجميع، حتى أولئك الذين لم يتمتعوا بفرصة الوصول إلى الخدمات المالية التقليدية.
ما هي التكنولوجيا المالية؟
يشير مفهوم التكنولوجيا المالية إلى مجموعة واسعة من التطبيقات والخدمات الإلكترونية التي تقدم حلولًا مبتكرة لإدارة الأموال والمعاملات المالية، وتتراوح هذه الحلول من تطبيقات الهاتف الذكي للخدمات المصرفية إلى منصات التداول الرقمي، مرورًا بمنصات الإقراض الجماعي، وغيرها الكثير.
وفقًا لتقارير صندوق النقد الدولي، فإن صناعة “فينتيك” شهدت نموًا كبيرًا خلال السنوات الخمس الأخيرة، مدعومة بتزايد اعتماد المستهلكين على التكنولوجيا الرقمية، متوقعًا أن يستمر هذا النمو بوتيرة متسارعة، مدفوعًا بالعديد من العوامل، مثل: تزايد انتشار الهواتف الذكية، ارتفاع الوعي الرقمي، البحث عن حلول مخصصة.
الأهمية والتأثير
في ظل التطورات المتلاحقة التي يشهدها العالم الرقمي يومًا بعد آخر، تحدث ثورة التكنولوجيا المالية زلزالًا قويًّا في عالم المال؛ فمع ازدياد اعتمادنا على التكنولوجيا بشكلٍ كبير، تتغير طريقة تعاملنا مع الأموال بشكلٍ جذري.
تقدم العديد من البنوك حول العالم، في الوقت الحاضر، خدماتها عبر الإنترنت؛ ما يوفر للمستهلكين راحة أكبر ورسومًا أقل، كما تسهل تطبيقات الهاتف الذكي مثل: المحافظ الرقمية، وتطبيقات الدفع من نظير إلى نظير عمليات الدفع وتجعلها أكثر سلاسة.
واستنادًا إلى كل ما سبق، يمكن القول إن صناعة “فينتيك” لم تعد مجرد بديل، بل أصبحت ضرورة لا يمكن تجاهلها أبدًا؛ ففي ظل قلة الخدمات المالية المتاحة في بعض المجتمعات، تلعب هذه الصناعة دورًا حاسمًا في سد هذه الفجوة؛ فأكثر من 90 % من المستهلكين من أصل إسباني يستخدمون نوعًا ما من التكنولوجيا المالية، يليهم 88 % من المستهلكين من أصل إفريقي و79 % من المستهلكين من أصل آسيوي.
لا تقتصر فوائد صناعة “فينتيك” على الأفراد فقط، بل تفيد الشركات أيضًا؛ فمع خدمة العملاء على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع، وتقييم المخاطر بدقة، والتواصل مع المستثمرين بكل سهولة، تسهم هذه الصناعة بشكلٍ متزايد في تحسين كفاءة الشركات، وزيادة أرباحها إلى حدٍ كبير.
ومع ازدياد عدد شركات التكنولوجيا المالية الناشئة “يونيكورن” من 39 إلى 272 بين عامي 2019 و 2023، وازدياد إجمالي قيمتها السوقية، يتضح أن هذه الثورة الرقمية ليست مجرد ظاهرة عابرة، بل هي مستقبل الخدمات المالية.
كيف تعمل هذه التكنولوجيا؟
في الأساس، تعمل صناعة “فينتيك” على تبسيط العمليات المالية للمستهلكين والشركات، ويتم ذلك عادة من خلال واجهات برمجة التطبيقات (APIs) التي تسمح بتبادل البيانات بين التطبيقات المختلفة، وهذا بدوره يمّكن تطبيقات التكنولوجيا المالية من أتمتة تحويلات الأموال، وتحليل بيانات الإنفاق، وإجراء العديد من المهام الأخرى.
ولا شك أن هذه البيانات تستخدم بطرق مختلفة، فمثلًا، يمكن لتطبيقات التأمين تقديم نصائح شخصية، ويمكن لتطبيقات الخدمات المصرفية إرسال المدفوعات الرقمية، ويمكن لتطبيقات التمويل الشخصي مراقبة السجلات الائتمانية.
ولكن لا تقتصر هذه التكنولوجيا على التطبيقات المستقلة، بل تتعاون شركات التكنولوجيا المالية مع مؤسسات أخرى لتقديم خدمات مالية مدمجة؛ فمثلًا، يدمج التمويل المضمن الخدمات المالية في التطبيقات غير المالية، كما هو الحال مع محفظة Apple التي تُخزن معلومات بطاقة الائتمان لتسهيل استخدامها.
أنواع التكنولوجيا المالية
واقعيًا، تُعيد التكنولوجيا المالية تشكيل كل جانب من جوانب قطاع التمويل التقليدي، بما في ذلك المجالات التالية:
- البنوك: لم تعد البنوك مجرد مبان تقليدية، بل تحولت إلى منصات رقمية تقدم خدماتها عبر الإنترنت؛ فالبنوك الرقمية تتيح لجميع العملاء إمكانية إدارة حساباتهم ومدفوعاتهم بسهولة ويسر، بينما تتيح الخدمات المصرفية المفتوحة للتطبيقات الخارجية الوصول إلى معلوماتهم المالية؛ ما يعزز الشفافية ويقدم إمكانيات جديدة.
- المدفوعات: أصبحت إرسال الأموال عملية سهلة وسلسة مع منصات مثل: Venmo وInstaPay وCash App. لقد غيرت شركات الدفع الطريقة التي نتعامل بها جميعًا. ما جعل تحويل الأموال رقميًّا إلى أي مكان في العالم عملية سريعة وفعالة.
- التجارة الإلكترونية: يمكن للمستهلكين تقسيم المدفوعات مع خيارات “اشتري الآن وادفع لاحقًا” التي تقدمها شركات مثل: “Klarna” و “Affirm”. بينما تفيد الشركات من تحليل بيانات الشراء لفهم عملائها وتقديم عروض مخصصة تلبي احتياجاتهم.
- تداول الأسهم: قد لا يخفى على أحدٍ منا أن صناعة “فينتيك” جعلت عملية تداول الأسهم والاستثمار أكثر سهولة وبأسعار معقولة. فـ “Robinhood” لا تفرض رسومًا على فتح وإدارة حسابات الوساطة. بينما يتيح “Public.com” للمستثمرين شراء أجزاء من الأسهم لتجنب أسعارها الباهظة.
- إدارة الثروات: ساهمت الأتمتة في تبسيط عملية الاستثمار للأفراد الأقل خبرة. حيث تستخدم العديد من الشركات “المستشارين الآليين” الذين يقدمون توصيات ويختارون الأسهم بناءً على اهتمامات المستخدمين وتحمل المخاطر.
- إقراض التكنولوجيا المالية: تعيد “فينتيك” هيكلة الائتمان من خلال تبسيط تقييم المخاطر وتسريع عمليات الموافقة على القروض. فـ “SoFi” و “Funding Circle” و “Prosper Marketplace” تقدم قروضًا عبر الإنترنت تسهل الوصول إلى التمويل وتوسع نطاق الائتمان ليشمل المزيد من الأشخاص.
- التكنولوجيا التأمينية: تواكب صناعة التأمين التحول الرقمي من خلال التعاون مع شركات “فينتيك”؛ فـ “Lemonade” و “Kin” و “NEXT Insurance”. تقدم تأمينًا مبتكرًا عبر الهاتف المحمول والأجهزة القابلة للارتداء.
- تقنية التنظيم: تساعد أدوات تقنية التنظيم (ريجتك) مثل: “ComplyAdvantage” و “Forter” و “Chainalysis” الشركات في مكافحة الاحتيال والهجمات الإلكترونية. من خلال تحليل المعاملات وتحديد الأنشطة المشبوهة.
- العملات الرقمية: تقدم منصات مثل: “Coinbase” و “Blockfi” و “Circle” خدمات تداول العملات الرقمية وحفظها. بينما تستخدم تقنية blockchain لمعالجة المدفوعات وتحويل الأموال وإدارة الهوية الرقمية الآمنة.
ثورة “فينتيك” في دول الخليج ومصر
وفقًا لشبكة CNN الاقتصادية، يشهد قطاع التكنولوجيا المالية في دول الخليج ومصر ثورة حقيقية. حيث تضاعفت الاستثمارات في شركات “فينتيك” الناشئة من 15 إلى 25 % خلال عام 2023.
وبينما يشكك البعض في قدرة شركات “فينتيك” على منافسة البنوك. يؤمن آخرون بأن المستقبل ينذر بصعود هذه الشركات، خاصة الناشئة منها. التي حصدت تمويلات ضخمة تجاوزت 80 مليار دولار على الصعيد العالمي. منها مليار دولار في دبي ومصر والسعودية.
-
إحصائيات تعزز التفاؤل
لا يقتصر النمو على التمويلات فقط، بل يمتد إلى عدد الشركات الناشئة في هذا القطاع. حيث وصل عددها في دبي إلى 700 شركة، وفي جمهورية مصر العربية 150 شركة. وفي المملكة العربية السعودية 170 شركة.
وفي خضم ذلك، يؤكد هاني فكري؛ الرئيس التنفيذي لشركة “إنزا جروب” للتكنولوجيا المالية. أن النمو لا يقتصر على التمويلات فحسب، بل يشمل أيضًا عدد الشركات وحجم مبيعاتها وعملائها. وذلك بفضل التطور التكنولوجي ومسارات التحول الرقمي التي تتبعها الدول الثلاث. بالإضافة إلى ذلك تفضيلات المستخدمين.
-
تمويلات ضخمة
حصدت شركات “فينتيك” الناشئة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تمويلات ضخمة خلال العام الماضي. حيث حصدت كيانات “فينتيك” الإماراتية في دبي وحدها تمويلات بنحو 600 مليون دولار. بينما حصدت الشركات السعودية والمصرية تمويلات بقيمة 650 مليون دولار 400 مليون دولار للسعودية و250 مليون دولار لمصر.
واتخذت الحكومات الثلاث خطوات لدعم وتطوير شركات “فينتيك” من خلال مبادرات مثل: “فينتك إيجيبت” في مصر و”فينتك هايف” في الإمارات و”فينتيك السعودية”. كما أسست السعودية صندوقًا للاستثمار في شركات “فينتيك” بقيمة 80 مليون دولار في مارس 2022.
إذن، يمكن القول إن “التكنولوجيا المالية” تمثل ثورة حقيقية في عالمنا المالي. تقدم فرصًا جديدة وتسهل الوصول إلى الخدمات المالية للجميع. بينما تُواصل هذه الابتكارات الازدهار، ستستمر في إعادة تشكيل مشهدنا المالي. ما يخلق عالمًا أكثر ذكاءً وفعالية.
اقرأ أيضًا المزيد على موقع عالم التكنولوجيا:
شبكات الأقمار الصناعية.. أنواعها واستخداماتها
مفاجأة صادمة.. جوالات آيفون بدون كاميرا
مواصفات وأسعار طُرز سيارة “فيرسا 2020” من نيسان
كيفية إزالة حساب من Google Smart Lock
Realme C55.. جوال صيني جديد يشبه تصميم ايفون 14
5 اختلافات بين المدن الذكية والتقليدية